ابن كيران والبحث عن « البوز »!
اسماعيل الحلوتي
يجمع الكثير من المحللين والمتتبعين للشأن السياسي ببلادنا على أن رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام القديم/الجديد لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية عبد الإله ابن كيران، يعد من بين أبرز الشخصيات السياسية الغريبة الأطوار والأكثر إثارة للجدل، بناء على ما عرف عنه من صراعات سياسوية وخرجات إعلامية متهورة، أفقدت السياسة قيمتها ومعناها النبيل وأفرغت الخطاب السياسي من عمقه الإنساني. فهو يقول الشيء ونقيضه، يتحدث عن كل شيء كيفما اتفق ويسكت عن الكلام الواضح والصريح في المواقف الجادة والأزمات الحقيقية
.
فابن كيران وكما هو معلوم لدى الجميع ذو حس براغماتي جد عال، زلات لسانه عديدة وبلا حدود، ولا يكف عن توزيع اتهاماته يمينا وشمالا بحثا عن « البوز » إلى الحد الذي اعتبره البعض مهرجا سياسيا، يستعمل خطابا شعبويا لدغدغة العواطف واستمالة رأي المواطنات والمواطنين البسطاء. فيما يعتبره آخرون مجرد ظاهرة صوتية، إذ حتى وهو خارج رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزبه، لم يكن يتوقف عن إطلاق « لايفاته » التي كان يتناول فيها من المواضيع ما يأمل في أن تبقيه على قيد الحياة السياسية، في حركة دؤوبة بحثا عن الأضواء وخلق الحدث مهما كان غير ذي جدوى وتافها في أحايين كثيرة.
وكما سبق لابن كيران أن أساء استثمار الفرصة التي قدمتها له « حركة 20 فبراير » على طبق من ذهب وقادته نحو رئاسة أول حكومة ما بعد دستور 2011 في انتخابات سابقة لأوانها، حيث أنه لم يتأخر كثيرا في قلب ظهر المجن للمغاربة والإخلال بوعوده الانتخابية، بل ذهب إلى أكثر من ذلك في تعميق جراحهم بالقرارات الجائرة، التي ضربت قدرتهم الشرائية وأجهزت على أهم المكتسبات الاجتماعية…
ها هو يعود اليوم من خارج الأغلبية الحكومية ليكشف أمام الجميع عن أن هموم وانشغالات المواطنات والمواطنين هي آخر ما يمكنه التفكير فيها، وبدل أن يضم صوته لأحزاب المعارضة والمركزيات النقابية، سارع في خطوة مفاجئة ولغرض في نفسه إلى الدفاع عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي لم يمض على تنصيب حكومته سوى حوالي أربعة شهور، معبرا عن استغرابه من الحملات القائمة ضده من قبل نفس الجهات التي كانت تهاجم حكومته وحكومة خلفه سعد الدين العثماني وتبشر بأن أخنوش هو المنقذ، معتبرا أن مطالبته بالرحيل في الوقت الحالي ليس بالإشارة الجيدة للمغرب بعد عقود من الاستقرار، داعيا إلى إرجاء الأمر إلى سنة على الأقل !
ذلك أنه وكما سبقت الإشارة إلى ذلك يعشق حد الجنون إثارة الجدل ومحاولة إلهاء الناس عن حقيقة الأوضاع المتردية بمهاتراته، اختار الخروج ليلة إحياء الذكرى الحادية عشرة ل »حركة 20 فبراير » وفي خضم الغليان الذي تعرفه المدن المغربية بفعل الاحتجاجات المتصاعدة، والمنددة بالغلاء الفاحش والارتفاع الصاروخي في أسعار المحروقات والمواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، فضلا عما خلفه تفشي جائحة « كوفيد -19 » من تداعيات اقتصادية واجتماعية قاسية وما تشهده البلاد من شح السماء وضعف التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود، وهي المؤشرات التي تنذر بموسم فلاحي جاف، مستغلا فرصة تدخله خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني لحزبه المنعقدة في مدينة بوزنيقة يوم السبت 19 فبراير 2022، ليس من أجل الانتصار لمطالب الشعب ومناصرة المقهورين، وإنما للدفاع عن خصمه اللدود أخنوش وفي ذات الوقت تصفية حساباته مع من يعتبرهم خصوما حقيقيين له وخاصة منهم: المؤثرة الاجتماعية مايسة سلامة الناجي، وجريدة الأحداث المغربية.
إذ كما هاجم المدونة الفيسبوكية مايسة واصفا إياها بالمنافقة التي لا تكف عن إطلاق الكلام على عواهنه، وما إلى ذلك من النعوت والاتهامات، وجه مدفعيته إلى واحدة من أكبر الصحف الوطنية ذات الشهرة الواسعة « جريدة الأحداث المغربية » في محاولة نسف مصداقيتها والتشكيك في وطنية ومهنية صحفييها، حيث وصفها ب »المدسوسة » و »المتصهينة » التي تعمل ضد الأخلاق والقيم، وليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها هذه الصحيفة، إذ أنه ومنذ أن كان يقود الحكومة وهو يحاربها عوض محاربة الفساد والمفسدين. وهو ما استفز العاملين بها وأثار استنكار قرائها ورجال الصحافة والإعلام، وفي مقدمتهم الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي استهجنت هذا السلوك التحريضي الصادر عن مسؤول سابق برتبة « رئيس حكومة »، وبادرت إلى إصدار بيان تعبر من خلاله عن استغرابها الشديد لتهجمه غير المحسوب العواقب و »استهدافه المخالف لأخلاق رجل السياسة المسؤول، منبهة إلى مدى خطورة محتواه، لاسيما أنه أمين عام لحزب « إسلامي » يتخذ من القضية الفلسطينية بحمولتها الرمزية ذريعة للاغتيال الرمزي لكل من يخالفه الرأي »
إن ما يثير استغراب الكثير من المواطنين المغاربة ويستفز أعصابهم، هو أن ابن كيران الذي أثبت في أكثر من مناسبة أنه من أكبر السياسيين الانتهازيين، من حيث استعداده الكامل للتخلي عن « مبادئ » الحزب والتحالف مع « الشيطان » من أجل مصلحته الشخصية، وأنه رغم إبعاده في مارس 2017 من تشكيل حكومته الثانية بتلك الطريقة المذلة وتكليف سعد الدين العثماني خلفا له، وتمتيعه بمعاش استثنائي مريح بقيمة 70 ألف درهم شهريا يجعله في منأى عن شبح الجوع، نظير ما قدمه من خدمات جليلة للدولة على حساب جيوب المغاربة وقوت أبنائهم، مازال يحلم بالعودة إلى منصبه الكبير جدا، ناسيا أو متناسيا قول الرسول الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ».
Aucun commentaire