ما يحدث اليوم في السودان وتونس مؤشر على قرب عودة ثورات الربيع العربي بقوة من جديد والتي لن تقف تداعياتها عند حد ما وقع في السابق
ما يحدث اليوم في السودان وتونس مؤشر على قرب عودة ثورات الربيع العربي بقوة من جديد والتي لن تقف تداعياتها عند حد ما وقع في السابق
محمد شركي
بداية لا بد أن نشير إلى أن الشعوب العربية قد صدمت صدمة كبيرة بسبب الإجهاز على ثورات ربيعها التي كانت تعلق عليها آمالا عريضة للخروج من وضع حكم الاستبداد والفساد السياسيين إلى وضع التمتع بحكم ديمقراطي حقيقي. وشعور هذه الشعوب بالصدمة الكبيرة لا يعني فقدان أملها في تحقيق الأهداف المنشودة في ثورات ربيعها . ومن الضروري التذكير أن الوضع الفاسد الذي قدح شرارة تلك الثورات في الوطن العربي لا زال قائما بالرغم من محاولات الأنظمة المستبدة والفاسدة التمويه عليه بما تدعيه من إصلاحات وهمية لا تعدو مجرد شعارات كاذبة لا يمكنها أن تحقق ما تصبو إليه الشعوب العربية .
ولنأخذ كمثالين على استمرار نفس الوضع الفاسد وأولهما ما يجري حاليا في السودان حيث عاد حراك الشعب من جديد بقوة بعدما تأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن النظام العسكري متشبث بالسلطة ، ولا يريد التخلي عنها ، وهو يراوغ بخصوص التخلي عنها لنظام مدني ينتخب بطريقة ديمقراطية عبر صناديق اقتراع زجاجية شفافة ، وتحت رقابة دولية ذات مصداقية.
ومقابل تشبث النظام العسكري بالسلطة تأتي ردود الأفعال الدولية خصوصا في الغرب الذي ينصب نفسه وصيا على الديمقراطية في العالم فاترة ، وهو ما يشجع العسكر السوداني على التمادي في استبداده وطغيانه وتعسفه ، ومواجهته الحراك بالقتل، والتنكيل ، والاعتقالات… وهو يرسل بين الحين والآخر إشارات كاذبة إلى الخارج بأنه جاد في إجراء الحوار مع الشعب من أجل نقل السلطة إليه بينما تدل تصرفاته اليومية على عكس ما يدعيه
أما المثال الثاني، فهو ما يجري حاليا في تونس التي تحول فيها الرئيس المنتخب ديمقراطيا إلى نموذج من نماذج العسكريين المنقلبين على الديمقراطية والمجهزين على ثورات الربيع العربي. ومع مرور كل يوم يزداد هذا الرئيس الذي لا يختلف عن سابقيه المستبدين استبدادا ، وهو يعتقد في نفسه الذكاء والشطارة ، وهو يتصنع التشدق بلسانه، ويتخلل به تخلل الباقرة لإقناع الشعب التونسي بأنه الفاروق المخلص الذي سيخرج بالبلاد من وضعها المزري الذي يعتبر هو المسؤول الأول عنه لأنه دون المسؤولية التي سعى إليها دون مؤهلات ودون خبرة ، وقد تبين أن جهات خارجية وإقليمية قد خدعت بترشيحه للرئاسة الشعب التونسي من أجل إفشال التجربة الديمقراطية في تونس مخافة أن تعمم في باقي الأقطار العربية ،الشيء الذي يمثل انتكاسة لها ، و قلقا كبيرا بالنسبة لها على مصالحها المشتركة، والتي هي على حساب مصالح الشعوب العربية.
وأمام استمرار تمادي الرئيس التونسي في استبداده ، وانفراده بكل السلطات ، ونهجه أسلوب تعقب المعارضين لانقلابه على المسار الديمقراطي بالاعتقالات وإحالاتهم على الإقامة الجبرية ، لا يحرك العالم خصوصا الغرب ساكنا في التعامل مع استبداده ، وهو نفس الأسلوب الذي يتعامل به مع النظام العسكري المستبد في السودان ، إذ لا يعدو دعوته إلى العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي ، في الوقت الذي يناور هو فيه بأسلوب عسكر السودان مدعيا أنه جاد في العودة السريعة إلى الديمقراطية بينما هو يغتصبها اغتصابا .
وما يحدث حاليا في السودان وتونس يعتبر مؤشرا على العودة القريبة والقوية لثورات الربيع العربي في طول الوطن العربي وعرضه لأن الشعوب العربية أدركت حقيقة الإجهاز على ثورات ربيعها ،الشيء الذي زادها إصرارا على التخلص من الاستبداد والفساد السياسيين ، ولا يمكنها أن تنسى بريق الديمقراطية الذي لاح هنا وهناك في ربوع وطنها ، والذي حاولت جهات أجنبية وإقليمية طمسه ليظل العالم العربي كما كان لعقود يعاني من الاستبداد والفساد السياسيين .
ولا شك أن من يراهنون على نجاح الإجهاز على ثورات الربيع العربي واهمون في ذلك ، لأن عودة تلك الثورات حتمية تاريخية لا مناص منها ، وستكون عودة قوية ومدمرة لأحلامهم ، ولا مفر لهم منها سوى المبادرة بتمكين الشعوب العربية من حقها في ديمقراطية حقيقية عوض اعتماد نماذج الديمقراطية الصورية التي تعتبر مجرد أقنعة لإخفاء بشاعة الاستبداد والفساد السياسيين .
Aucun commentaire