ما أحوج تبون وشنقريحة إلى نصيحة قبل الوقيعة والفضيحة في أبيات ضمنها زهير بن أبي سلمى معلقته المليحة
ما أحوج تبون وشنقريحة إلى نصيحة قبل الوقيعة والفضيحة في أبيات ضمنها زهير بن أبي سلمى معلقته المليحة
محمد شركي
من عيون الشعر العربي معلقة الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، وقد ضمنها حكما ونصائح غالية عند أولي النهى الذين لا يأنفون من نصح ناصح كما يأنف منه صلفا وكبرياء السفهاء الذين لا يخلو منهم عصر أو مصر .
ومن النصح الذي ضمنه ابن أبي سلمى معلقته تحذير من شرور الحرب وما تجره على من يلوحون بها من ويل وثبور وعواقب أمور.ومما جاء في هذا التحذير قوله مخاطبا من لا يقدرون عواقب خوضها :
وما الحَرْبُ إلَّا مَا علِمْتُمْ وذُقْتُمُ * ومَا هُوَ عَنْها بِالْحَدِيثِ الـمُرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَمِيمَــــةً * وتَضْرَ إذَا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْـرَمِ
فَتَعْرُكْكُمُ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهـا * وتَلْقَحْ كِشَافًا ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـــــــــمِ
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ، كُلُّهُـــمْ * كَأَحْمَرِ عَادٍ، ثم تُرْضِعْ فَتَفْطِـــمِ
فَتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لِأَهلِهــــا * قُرًى بِالْعراقِ مِنْ قَفِيزٍ ودِرْهَـــمِ
وأول ما جاء في هذا النصح تذكير بحقيقة شرورالحرب التي يعرفها من خاضها ، وذاق مرارتها، وعانى من ويلاتها ، والحديث عنده عنها حديث يقين لا حديث رجم بالظن والتخمين . وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن قبحها ،فيشبه من يخوضها كمن يضرم نارا يشتد أوارها ، ولا سبيل حينئذ إلى إخمادها حتى تأتي على كل أخضر ويابس . وأول من يصطلي بلهيبها موقدها حيث تعركه أو تطحنه كما تعرك الرحى الحب فتلقيه طحينا على جانبيها حيث يفرش ثفال وهو قطعة من جلد يجمع فيها الطحين . ولا يقتصر الأمر على هذا بل يترتب عنها بلاء كبير وشر مستطير ،وهو ما جعل الشاعر يشببها بناقة تلقح مرتين في الحول فتلد التوائم ، وكلهم شؤم على شاكلة أحمر عاد عاقر ناقة النبي صالح عليه السلام والذي جر على قومه الدمار والخراب بفعلته الشنيعة . وتستمر ويلات الحرب وتتناسل كما تستمر الناقة بعد الإنجاب في إرضاع ما تلد حتى الفطام ، وفي هذا دليل على أن الحرب لا تعرف لها نهاية كما تعرف بدايتها ، وتلحق بمن يخوضونها خسائر فادحة ، ولا يجنون منها إلا خسارا و دمارا .
فما أحوج الرئيس الجزائري تبون ، ووزير دفاعه الوصي عليه كما تدل على ذلك مؤشرات وأدلة دامغة إلى الانتصاح بما نصح به الشاعر زهير بن أبي سلمى من كانوا قبلهما يتعشقون خوض الحرب ، ويرون ذلك مفخرة وبطولة وهم لا يحسبون لشرها حسابا ، ولا يضعون نصب أعينهم عواقبها الوخيمة على المدى البعيد . وقياسا على المثل الشعبي المغربي القائل : » زفاف ليلة تدبيره عام » نقول لهما إن « حرب شهر عواقبها دهر » .
ولا شك أن تبون وشنقريحة، وهما يلوحان ليل نهار بالحرب مع البلد الجار الشقيق الذي آوى ونصر يوم كان الاحتلال الفرنسي البغيض جاثما فوق أرضهما ،و مع ذلك هما ينكران الدعم والرفد نكران اللئام ،تدفعهما دون شك جهات أجنبية ماكرة وخبيثة لتوريطهما في حرب خاسرة أول خاسر فيها هو الشعب الجزائري المسكين الذي خرج من نير احتلال بغيض إلى نير شرذمة فاسدة من حكام تسلطوا عليه وحرموه حقه في حياة كريمة مع أن أرضه زاخرة بالخيرات الباطنة والظاهرة والتي تستنزفها الطغمة الحاكمة الظالمة ، وتبذرها بإنفاقها على عصابات انفصالية إجرامية ، وعلى التسلح ، وعلى مرتزقة من روس ورافضة ومن كل خارج عن القانون ممتهن للإجرام و العدوان .
وما لم يبادر عقلاء الجزائر إلى كبح جماح تبون وشنقريحة ومن يلف لفهما ، فإن الشعب الجزائري المسكين ستزداد أحواله سوء ، ويزداد ضنك عيشه الذي بلغ حدا لا يطاق ، وهو ما تريد العصابة المغتصبة للسلطة تزويرا وتلفيقا صرف الأنظار عنه من خلال التلويح بالحرب ودق طبولها لتبرر بعد ذلك ما سيواجهه هذا الشعب المسكين من كوارث بالإنفاق على حرب عبثية لا مبرر ولا معنى لها ،وكان الأجدر بهذه لعصابة المتهورة أن تنفق أموال الشعب على ما يحتاجه من أكل وشرب وتحرره من الوقوف في طوابير طويلة ليل نهار من أجل رغيف خبز أو جرعة حليب أو حتى جرعة ماء .
ونختم بما بدأ به الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى، ونوجه الكلام إلى عصابة السوء تبون وشنقريحة ونقول لهما :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم = وما هو عنها بالحديث المرجم
ولا نظن أن من ذاقها في الرمال بالأمس يمكنه أن يعلق مرة أخرى على خوض مثلها الآمال . وما أظن تبون وشنقريحة إلا شقيين كشقي أحمرعاد عاقر الناقة والذي كان شؤما على قومه ، وسببا في هلاكهم .
Aucun commentaire