ازدهار حرفة التسول والاستجداء بوجدة وتضاعف عدد المتسولين وتضييق على المواطنين
عبدالقادر كتـــرة
لا بد للجالس في مقهى بمدينة وجدة أو بإحدى مدن الجهة الشرقية أن يلاحظ في ظرف وجيز عددا غير قليل ، يبعث على القلق، من المتسولين في استعراض لجميع أنواع الحيل المستعملة في الاستجداء يبدأ بالاستعطاف ليصل إلى الإلحاح أحيانا ثم إلى الإزعاج مما يتطلب تدخل النادل أو صاحب المقهى. ويذهب بعض الشحاذين في الأسواق إلى اعتراض سبيل المواطنين وجذبهم من أطراف ملابسهم إذا هم تجاهلوا نداءاتهم وخصوصا كلما همُّوا بتأدية ثمن ما اقتنوه، بل منهم من اقتحم داخل المحلات التجارية واحتلها كما يفعل الزبناء
وكثيرا ما يضطر هؤلاء المواطنون إلى نهرهم إذا لم يستسلموا لطلبهم بقطعة من النقود لإبعادهم. ويستغل بعض هؤلاء الشحاذين عاهاتهم بإبرازها للمارة و يعرض آخرون مجموعة من الأطفال الصغار لا تتفاوت أعمارهم إلا بأشهر قليلة أو ربما بأسابيع ومنهم من خرج على التَّوِّ من المستشفى كأنَّه طُرد ولم يجد من يأويه ويَشُدَّ بيده وتلك ُنفَساء متكئة على امرأة أخرى تآزرها وتحمل رضيعها وذلك يجمع كل يوم قليلا من المال لدفن ميت وحيد غريب معدم فقير وهذه شابة عذراء توفي والدها وترك لها عددا من الإخوان والأخوات تحت كفالتها وأخرى ترملت ولم تجد من يعيل أيتامها المتمسكين بتلابيبها وهذا شاب جاء من مدينة بعيدة للبحث عن العمل و » تقطع به الحبل » والآخر يستجدي المحسنين لمساعدة محتضر على عملية جراحية تنقذه من براثن الموت وهذان يعزفان ويغنيان وهؤلاء « يمدحون » وآخرون يتحسسون بيوت الجنائز للإسراع بتعهد الميت قبل وخلال وبعد توديعه إلى مثواه الأخير بتلاوة ما تيسر من كتاب الله عز وجل وفي كل حركة بركة…
مشاهد مؤلمة يضطر فيها شبان وشابات وأطفال وشيوخ إلى لعب أدوار ذلولة وحقيرة للظفر بلقمة العيش والتي كان من الواجب على بلدهم توفيرها لهم وإلى تعويض عمل مفقود بحرفة مهينة وحاطة من كرامة الإنسان ، كما أن العديد منهم اتخذها حرفة سهلة ومربحة للاغتناء، تضاف إليهم أعداد كبيرة من الأفارقة المنحدرين من جنوب الصحراء والأشقاء السوريون الهاربون من جحيم الحروب التي تحرق الأخضر واليابس ببلاد الشام.
تعددت الوسائل والطرق والحيل والخدع والهدف واحد، هو تحريك المشاعر لدى المواطن واستدرار العطف والشفقة للوصول إلى جيبه والحصول على درهم أو أكثر… فمن الشابة المعيلة لأيتام بعد وفاة والدهم إلى المعاق العاجز عن القيام بأي عمل إلى المريض المحتاج لأدوية، فمسافر تمت سرقته و »تقطع به الحبل » بمدينة وجدة…وتلك أم وضعت على يد طفلتها جبيرة ونزعت عن قدميها نعليها ووضعت على نصف جسمها قطعة قماش ورمت بها بين السيارات في أحد مفترق الطرقات عند الأضواء تتنقل بين السيارات كعصفورة بين فخاخ…
من المواطنين من يتأثر بالمشهد فتسمعه يردد « مسكينة، الله يكون في العون..مسكينة » أو « الله يجعل العاقبة على خير… »، وآخرون لا يعيرون لها اهتماما بل يجهلون أو يتجاهلون وجودها، بحكم كثرة عددهم وتنوع الوسائل والطرق الخادعة التي يسلكها عدد كبير من أمثالها حتى أصبحوا يضايقون المارة والوافدين على الأسواق أو المتاجر أو المساجد أو المقاهي أو أي فضاء للتجمعات…
لا احد يمكن له أن يحصر عدد الممارسين لهذه المهنة التي تدر أموالا على أصحابها إذ يتجاوز عددهم عشرات المئات منهم القارين ومنهم المارين وكثيرة هي الوسائل المبتدعة والحيل المختلقة في الإيقاع بالمواطنين واستدرار شفقتهم و »تقطيع » قلوبهم حتى سقط البعض منهم في فخه ولم يعد يدري أن وسيلته قد تقادمت أو لم تَعُدْ حيلته تنطلي على احد بل أصبح حديث المواطنين وسخريتهم وبالتالي تجاهلهم له وإمساكهم عن مساعدته مما يثير حنقه وغضبه ويكيل لهم من الشتم والسب ما يريد.
إحصائيات رسمية، وضعت المغرب في صدارة الدول العربية التي تعاني من ظاهرة التسول، حيث أن عدد المتسولين يصل بالمغرب إلى حوالي 195 ألف متسول، متبوعا بمصر بـ 41 ألف متسول، وتأتي الجزائر في المرتبة الثالثة بمجموع 11 ألف متسولا.
وكان موضوع ظاهرة التسول مصدر نقاش مستفيض بمجلس المستشارين، الثلاثاء 4 يونيو 2019، حيث أجمع كل المتدخلين بمجلس المستشارين، بأن ظاهرة التسول تقتضي إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية، لكون تحسين هذه الظروف يكون سببا مباشرا في الحد من ظاهرة التسول أو تخفيض نسبتها العامة، التي ترسم أرقاما مهولة على الصعيد الوطني.
وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الظاهرة الاجتماعية أصبحت ممارسة خطيرة وفي تطور مستمر في المغرب، فكل فئات المجتمع، من جميع الأعمار ومن الجنسين، فتيات ونساء ورجال وكبار السن يمتهنون على حد سواء « مهنة التسول ».
وأشار عالم الاجتماع إلى أن « التسول يعرف تزايدا لأسباب وعوامل مختلفة ومتعددة »، مسجلا أن ظاهرة التسول أثبت، من وجهة نظر اجتماعية، ومنذ فترة طويلة، أنها حرفة تدر دخلا هاما لا يتطلب شهادات أو جهدا.
وأوضح أن بعض المتسولين الذين يرفضون عروض عمل يتلقونها من المصانع أو المطاعم أو غيرها، معتبرين أن مد اليد يتيح لهم كسب دخل يومي مهم يتراوح بين 250 و300 درهم كحد أدنى.
وفي هذا الإطار، قامت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة باتخاذ تدابير مختلفة للقضاء على هذه الظاهرة. ويتعلق الأمر على الخصوص، بإطلاق الوزارة بتعاون مع رئاسة النيابة العامة والقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية والجمعيات في نهاية سنة 2019 وبداية 2020، « خطة عمل حماية الأطفال من الاستغلال في التسول »، بغية وضع منظومة متكاملة لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، تشمل الحماية القضائية والتكفل الطبي والنفسي والرعاية الاجتماعية وإعادة الإدماج في مؤسسات التربية والتكوين.
حصيلة هذه التجربة، التي تأتي في إطار « خطة عمل حماية الأطفال من الاستغلال في التسول »، بفضل « العمل الجماعي، وانخراط جميع الفاعلين، من أجهزة أمنية وقضائية، أثمرت، خلال الفترة من نهاية يوليو إلى 15 دجنبر الماضي حماية 45 طفلاً من التسول، ليصل العدد الإجمالي منذ بداية الخطة قبل 14 شهراً، إلى حماية 142 طفلاً، يتوزعون بين 79 من الإناث و63 من الذكور »، حسب جميلة المصلي وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأُسْرَة
وأشارت الوزيرة إلى أن أهم تحدٍّ واجه عمل فرق العمل في الميدان هو « الإيواء الاستعجالي المؤقت » للأطفال، وقالت إنه جرى توفير قاعدة للمعطيات حول الأماكن الشاغرة في مجال الإيواء المستعجل بالرباط وسلا وتمارة، وجرى وضعها رهن إشارة رئاسة النيابة العامة، حيث تبين توفر 303 أماكن شاغرة في 11 مؤسسة للرعاية الاجتماعية للأطفال إلى غاية أول أكتوبرالماضي.
من جهته، كشف محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة في المغرب، حسب ما أوردته جريدة الشرق الأوسط، أنه منذ نحو 14 شهراً على إطلاق الخطة، تعاملت السلطات مع 142 قضية تهم استغلال الأطفال في التسول بمدن الرباط ونواحيها. وقال، خلال اجتماع لجنة القيادة التي جرى تشكيلها للإشراف على تنفيذ خطة حماية الأطفال من الاستغلال في التسول، إنه صدرت قرارات تناسب كل حالة « سواء تعلق الأمر بإرجاع الطفل إلى وسطه الأسري »، أو « إيداعه في مؤسسة للرعاية الاجتماعية إن تعذر الإرجاع للوسط الطبيعي »، كما تم التحقق من هويات بعض الأطفال، وتسجيلهم في سجلات الحالة المدنية للمساعدة على ولوجهم إلى المدارس، كما جرى التنسيق مع خلايا المساعدة الاجتماعية التابعة لـ »مندوبية التعاون الوطني » (مؤسسة حكومية تهتم بالمساعدة الاجتماعية) من أجل دعم بعض الأسر المحتاجة، التي دفعتها الحاجة إلى استعمال أطفالها في التسول.
وإضافة إلى ذلك، كشف رئيس النيابة العامة عن تحريك المتابعة القضائية في حق مستغلي الأطفال في التسول، مشيراً إلى أنه صدرت بالفعل أحكام في العديد من القضايا. وينتظر أن يجري تعميم هذه التجربة على مدن مغربية أخرى؛ بهدف الوصول إلى «مدن خالية من تسول الأطفال».
Aucun commentaire