انزلاق خطير للسيد الغنوشي
سليمة فراجي
اذا كنا نعلم جيدا ان من بين العوامل الرئيسية لتأسيس الاتحاد الاوروبي بناء واقرار السلام ، والتعاون في مجال الاقتصاد والسياسة ، فانه من بين الاسباب والعوامل المهمة ،المصالحة بين عدوين لدودين لبعضهما انذاك هما فرنسا والمانيا ، اضافة الى تفادي المآسي الانسانية المدمرة الناتجة عن الحربين العالميتين ومواجهة الحرب الباردة
، لذلك فإن اقتراح السيد الغنوشي بناء الاتحاد المغاربي قياسا على الاتحاد الاوروبي ،لينم ليس عن جهل بل عن تجاهل صارخ للمحطات التاريخيةالاوروبية و المغاربية ، سواء تعلق الامر بعوامل ودوافع تأسيس الاتحاد الاوروبي ، او تأسيس الاتحاد المغاربي الذي ولد ميتا لاسباب ترجع بالاساس الى حقد وكراهية الجزائر للمغرب، ومحاولتها الهيمنة والزعامة على حساب ايديولوجية وسيادة المغرب ، مع عدم استبعاد التنكر للتاريخ المشترك والنضال من اجل تحرير بلدان شمال افريقيا من قبضة العدو المشترك المتمثل في الاستعمار الفرنسي .
ولعل مساعدة المغرب للجزائر الدولة الجارة التي تربطها بالمغرب روابط اللغة والدين والمصاهرة والاخوة والبنوة كلها وقائع ثابتة وموثقة في سجلات التاريخ ولا يمكن ان تمحى بالتفنن في اساليب الحقد والكراهية وعمليات غسل الدماغ
واذا كان الاتحاد الاوربي نشأ في اعقاب حروب طاحنة بين عدوين بالامس ، فكيف يعقل ان يستبعد السيد رئيس البرلمان التونسي هذه المحطة المهمة ؟وهي انسجام عدوين ومن ثم انطلاق الاتحاد ، بدل اقتراح اقصاء المغرب وموريتانيا من مشروع الاتحاد والبدء بمثلث يقصي المغرب الدولة العتيدة لتكوين اتحاد مبتور ؟ مستندا فقط على كون مشاكل تونس لا تحل الا بهذا الاتحاد ، ما هكذا تحل المشاكل سيادة رئيس البرلمان
نحن لا ننتظر من السيد رئيس البرلمان التونسي ان يتقمص شخصية المؤسسين الاوائل للاتحاد الاوروبي امثال الانجليزي ونستون شرشيل Churchill والمستشار الالماني كونراد اديناور، ولا نستكثر عليه نباهتهم ونظرتهم الثاقبة ، ولكن لن نستعير فصاحة الخطباء لتذكير الجاحدين المتنكرين للتاريخ العدميين اعداء الامل والمستقبل المشرق ، انه بغض النظر عن كون المملكة المغربية دسترت بناء الاتحاد المغاربي معتبرة اياه خيارا دستوريا ، كما نصت في دستور 2011 على سيادتها الكاملة مع انتمائها الى المغرب الكبير والذي يضم طبعا الدول المغاربية الخمسة ، فانها اكدت ايضا على تشبثها بوحدتها الوطنية والترابية وصيانة تنوع مقومات هويتها الغنية بالروافد الافريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية .
المغرب لم يتنكر ولا يتنكر لماضيه ، غني بثوابته و يمضي بخطى ثابتة ادراكا منه لضرورة تقوية دوره على الصعيد الدولي مؤكدا عزمه كما ورد في دستوره على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والامن في العالم
وقد جسد ملك البلاد رغبته القوية في تفعيل الاتحاد والذي اعتبره حتمية تاريخية اذ دعا اثناء زيارته لتونس الى ضرورة تعزيز تكتل دول المغرب الكبير الذي جرى تأسيسه في مدينة مراكش في المغرب سنة 1989. واشار العاهل المغربي ان هذا التكتل اتسم بالجمود ولا يعرف تقدما سياسيا ولم يساهم في الاندماج الاقتصادي لشعوب المنطقة ،ملمحا الى دور الجزائر في تعطيل مسيرة هذا التجمع بسبب ما وصفه بالدولة التي ترغب في الهيمنة اقتصاديا وسياسيا على المنطقة .
علما ان المعاملات التجارية والمبادلات تقل عن 3 في المائة بالنسبة للدول المغاربية ضدا على التكامل الاقتصادي الذي كان سيوفر العيش الكريم لساكنة هذه الدول بخلقه للرواج وفرص الشغل
ولعل الخطاب الملكي وايمانا من ملك البلاد بالمصير المشترك في هذا الصدد لخص النظرة المستقبلية للاتحاد المغاربي : « وقد ظل المغرب يؤمن دائما، بأنه ينبغي، قبل كل شيء، أن يستمد قوته من الاندماج في فضائه المغاربي » طبعا دون اي بتر لدولة من الدول المغاربية رغم العدوان الدائم و المستمر للجارة التي نتقاسم معها حدودا مشتركة وروابط الدم والمصاهرة ، تلك الجارة التي ارتكبت جرائم ضد الانسانية في حق مواطنين مغاربة ابرياء تزامنا مع عيد الاضحى سنة 1975 .
المغرب مستمر ويشق طريقة بخطى ثابتة نحو المستقبل معززا روابط التعاون والتضامن مع الشعوب ،موسعا ومنوعا لعلاقات الصداقة والمبادلات الانسانية والعلمية والثقافية والاقتصادية مع كل بلدان العالم احب من احب وكره من كره
، وليست عبارات غير مسؤولة لا ترقى الى درجة الاعتبار هي التي ستزعزع ثقة المغرب في مؤسساته وخياراته واستراتيجياته
« وإنه لقوم سواكم لأميل «
Aucun commentaire