ما زالت زيارة الأضرحة عند الكثير وسيلةللتداوي والتقرب إلى الله
يجهش العديد من الزائرات وقليل من الزائرين عند قبور « الأولياء والصلحاء » بالبكاء والشهيق والزفير ومنهم من يتمدد إلى جانب القبر أو يضمه إلى صدره ويتوسلون إلى أصحابها الراقدين تحت أطنان من الأتربة منذ قرون، ويطلبون منهم التوسط إلى الله ، آملين أن يجدوا لهم حلولا لمشاكلهم ومشاغلهم وهواجسهم من زواج أو طلاق أو تحكم في الزوج أو السيطرة على الزوجة أو طلب شفاء من مرض أو قضاء حاجة في النفس أو طلب حماية من أخطار مهددة أو طلب خلاص من مأزق أو أشياء أخرى عجز عن حلّها الإنسان الحي.
ظاهرة الأمم البدائية في علاقتهم بالأرواح من خلال ممارسة طقوس ورقصات:
ما زالت زيارة الأضرحة عند الكثير وسيلة للتداوي والتقرب إلى الله
عبدالقادر كتــــرة
حوالي الساعة الرابعة من عشية أحد الأيام الحارة من فصل الصيف ، تمددت المرأة العجوز البالغة من العمر 75 سنة كعادتها ، عند حائط الولي الصالح « سيدي أدريس القاضي » الذي تقصده العجائز والنساء للتبرك به وبأتربته كما يستقبل فتيات لنقش الحناء، لتستمتع بظلال شجرة يفوق عمرها الأربعة قرون تغطي أغصانها سماء الضريح كله. لكن العجوز الغارقة في نومها خلال فترة القيلولة، فاجأتها الشجرة وهي تهوي على الضريح بعد أن انفصل الجزء العلوي الحامل لأطنان من الأغصان عن جذعها الفارغ المتآكل، ووقع على جسدها النحيل ليكسر يديها وأضلعها ويسحق صدرها.
كانت العجوز تصرخ وتستغيث وتتلفظ بالشهادة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة رغم محاولات المواطنين إنقاذها واستخراجها من تحت الشجرة. لقد وقعت الشجرة وفجَّرت سور الضريح وجدرانه وقتلت العجوز وكادت الحصيلة أن تكون أكبر (تُعدُّ بعشرات النساء من جميع الأعمار) لو كان اليوم يوم الخميس يوم الزيارات، دون أن يستطيع « الولي الصالح » دفع الخطر عنها وعن زواره. ورغم ما وقع وكان ذلك مناسبة ومبررا لإغلاق الأضرحة بصفة نهائية وتدمير هذا المعتقد البدائي، تم إصلاح بعضها وتبليط فنائها وتوسيعها حتى يستقطب عددا أكبر من الزائرات المتبركات بالأتربة.
زيارة الأضرحة وقرابين للتبرك والتقرب
« زيارة الأضرحة قديما هو التبرك بقبر شخص يُعْتقَد أنه كانت له « صلة بالله » من خلال علمه وعبادته كان عالما أو متعبدا أو معروفا بالصلاح يشهد له بذلك في حياته. ويأمل الناس في زيارتهم لذلك القبر أن تصلح أحوالهم هم بركاته وينتفعون بها ويدفعون بها عنهم مشاكل » يقول الدكتور عبد المجيد كمي، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات
يجهش العديد من الزائرات وقليل من الزائرين عند قبور « الأولياء والصلحاء » بالبكاء والشهيق والزفير ومنهم من يتمدد إلى جانب القبر أو يضمه إلى صدره ويتوسل إلى صاحبه الراقد تحت أطنان من الأتربة منذ قرون، ويطلب منه التوسط له عند الله ، في أن يجد له حلا لمشاكله ومشاغله وهواجسه من زواج أو طلاق أو تحكم في الزوج أو السيطرة على الزوجة أو طلب شفاء من مرض أو قضاء حاجة في النفس أو طلب حماية من أخطار مهددة أو طلب خلاص من مأزق أو أشياء أخرى عجز عن حملها الإنسان الحي…
يشعلون الشموع أو يهدون مبلغا من المال إلى القائم على الضريح ويأخذون كميات من الأتربة للتداوي بها، ومنهم من يعلق قطعة قماش على غصن شجرة أو يضع حجيرات بعضها على بعض مع التركيز على طلب قضاء حاجة أو التمدد على جذع شجرة أو الاغتسال بمياه الوادي القريب من ضريح الوالي المزار أو تنفيذ رقصة من الرقصات/الجذبة على إيقاع طبل أو دفّ أو طواف على الضريح أو ذبح ديك أسود أو عنز أسود حسب نصيحة مشعوذ من المشعوذين …. و…و…هي اعتقادات عديدة ومتعددة.
« فهذه أفكار خاطئة لم يقل به الدين من غير قبر رسول الله الذي منع التمسح به ولا يطلب عند زيارته إلا السلام عليه والدعاء … » يوضح أحد الأساتذة الجامعيين الباحثين في الدراسات الاسلامية بكلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة ، ثم يضيف قائلا « ومن أراد بركة عالم فليقرأ علمه ويأخذ مما ترك أما أن يذهب إلى قبر ميت صاحبه في حاجة إلى الدعاء له من طرف الأحياء، فهذا غير معقول ».
ومن المشعوذين والمشعوذات من ينصحون « زبائنهم » و »زبوناتهم » بزيارة الأضرحة بدل الأطباء، ويلحون في وصفاتهم على تقديم قرابين لساكني تلك الأضرحة من الأحياء والموتى والجن والإنس كأن يذبحن ديكة وجديان وحتى ثيران من اللون الأسود، بحجة أن ساكنيها يبتهجون للون الأسود ويتخذون وسيلة من دماء القرابين المهداة لهؤلاء « الأولياء ».
زيارة الأضرحة لطلب الشفاء
كانت ظاهرة زيارة الأضرحة أكثر شيوعا خلال فترة الاستعمار، بالجهة الشرقية حيث تكثر الأضرحة ولا شك في جميع أنحاء المغرب، لبعد الناس عن العلم حيث كان الاستعمار لا يسمح للجميع بأن يواصلوا دراسات تمكنهم من اكتساب وعي والابتعاد عن الخرافات والجهل والأمية، رغم أنه كان هناك علماء لكن لم يكن ذلك كافيا لمحاربة الظاهرة التي كانت مترسخة في العقول والتقاليد والجهل والأمية والتخلف. بالإضافة إلى ذلك ، كانت ثقافة المواطن تميل إلى مقت الاستعمار وكان إذا مرض الشخص يفضل زيارة الأضرحة بدل زيارة الطبيب الأجنبي المستعمر إلا نادرا في حالة استعصاء الحالة المرضية أو كون الحالة استعجالية أو تتطلب عملية جراحية مع العلم أن عدد الأطباء كان قليلا.
وفي الحالات العادية يفضل أهل المريض اللجوء إلى بعض الطقوس المعروفة والمتداولة أو زيارة الأضرحة التي تخصص كل ميت صاحب ضريح في نوع من المرض واشتهر به عند الأحياء، مع اعتقاد الكثير من الناس أن هناك أمراض تتجاوز طاقة وعلم الطبيب الذي درس في الجامعات وتخصص بعد ذلك في شعبة من شعب الطب، ولا يمكن له اختراقها لأنها من الغيبيات ومن اختصاص صاحب الرفات إن بقيت رفاته بالقبر أو اندثرت بعد أن تحولت إلى رميم، أو إن كان بالفعل هناك أصلا رفات… وفي ضريح الولي الصالح سيدي يحيى بنيونس كبير أولياء وجدة و »سلطانها » لخير دليل على ذلك. هذا « الولي الصالح » يبعد عن مركز مدينة بحوالي 6 كيلومترات شرق مدينة وجدة ويعتبر »الحامي » لها و »المدافع » عنها.
وكان نذرا على سكان المدينة والقبائل المجاورة لها تنظيم موسم سيدي يحيى « الوعدة » صيف كل سنة تبركا بالولي ويذبحون العجول والجديان لأجل ذلك. ومن المفارقات العجيبة هو أن الولي « سيدي يحيى بنيونس » يتجاذبه أهل الديانات الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلامية ويزورونه ويتبركون به وكل منهم يدعي انتماءه إليهم فهو في آن واحد « حواري » و »قديس » و »ولي ». ومن الغرائب أن قبره موضوع على خط زاوية قائمة مع خط القبلة (رجلاه في اتجاه القبلة) بعكس قبور المسلمين، بل لا يوجد جثمان بالقبر بتاتا، حسب ما يرويه البعض
اختصاصات الأضرحة العلاجية
اشتهر كل ولي من « أولياء الله الصالحين » الذين يتجاوز عددهم الثلاثين بمدينة وجدة والذين تعرف أضرحتهم وتُزار أو تُذكر، اختص كل واحد منهم في علاج مرض ما أو حالة نفسية أو وضعية ما أو ظاهرة ما ولا زال البعض يؤمن بذلك ويقصد العديد منهم لذلك « الغرض »( من الأضرحة ما تم إغلاقها نهائيا ومنها لا زالت تشتغل وتستقبل الزوار..).
وإذا كان أكبر الأولياء وأولهم وأقدمهم « سيدي يحيى بنيونس » يمنح الأطفال الذكور ويزوج العوانس، ويبرئ جذع إحدى أشجاره المتهالكة أمراض المفاصل حيث يقصده العديد من الناس، ومنذ سنوات عدة، خصوصا أولائك الذين يعانون من أمراض الظهر والروماتيزم فكانوا يتمرغون فوق جدع « الشجرة الميتة المباركة » المتواجد خارج ضريح سيدي يحيى بنيونس بوجدة معتقدين أن تلك » الحركات الرياضية » بلسم وشفاء لهم. وقد تم بعد ذلك استئصال الشجرة التي كانت بقربها والتي كانت تعلق بأغصانها قطع من القماش تحمل « متمنيات ورغبات » العاقرات والبائرات.
ودرءا لكل هذه المعتقدات عمد بعض المواطنين إلى طلاء جذع الشجرة بزيت محركات السيارات المحروقة لمنع الزائرات الوافدات على الضريح وبعض الرجال من التبرك بها، ثم بعد ذلك إلى اقتلاعها بعد ثم اجتثاث شجرة ثانية…
أمَّا الولي الصالح « سيدي إدريس » فيخرج الجن ويداوي « لرياح » فيما يعالج « سيدي أحمد التونسي » عناد الأطفال « الشحنة »، أما « سيدي بنطيبة » فيتحكم في الجن دون أن ننسى ولي المدينة القديمة سيدي عبدالوهاب الذي يعافي الحمى ويبطل العناد. وسيدي شعيب تقصده النساء طلبا للإنجاب ويتوسل إليه في شفاء المرضى والممسوسين وقضاء الحوائج. وتنسب إل سيدي محمد بن زيان عدة خوارق إ يحكى أن سفينة كانت عائدة من الحج وعلى متنها حجاج فنشقت نصفين في البحر، وكان ركابها التعساء يرون لموت عيانا، ويتلفظون بالشهادة فظهر لهم سيدي محمد فجأة يمشي على الماء ثم أخذ نصفي السفين بيديه وقرنهما في الحال. كما كان يتوسل إليه في فترة الجفاف فيدعو وتمطر السماء.
إن العديد من الأضرحة ما زالت تشعل لها الشموع وتغطى قبورها بأثواب خضراء ويتبرك بترابها حيث تدهن به الصدور والبطون. ومن بين الأضرحة المشهورة التي كان يقصدها مواطنو الجهة الشرقية ضريح « سيدي ميمون » الواقع على بعد كيلومترات من مدينة بركان صاحب اختصاص علاج المختلين عقليا وهناك كانوا يقيمون لأيام حسب وصفة « الرقاة » و »الفقها » و »الشوافات » و » الناصحين » من المجرِّبين… ُيرْمَى بالمصاب بأمراض عقلية أو نفسية داخل الضريح وتُغْلَقُ عليه الأبواب مع مرضى آخرين أو وحده أو مصحوبا بأحد أفراد عائلته وبعد أن تُهْدى لأهل المكان ومالك الضريح دِيَكَةٌ حمراء أو سوداء أو صفراء أو جديانا أو تيسا أسود حسب رغبة وهوى « ساكني الضريح » مع علب من الشموع لا تشعل حيث يتم بيعها مرات ومرات
مغارات وكهوف للتقرب إلى الله وطلب الإنجاب
وعلى غرار زيارة الأضرحة، لا زالت بعض النساء، في عصر أحدث الأجهزة للصور بالأشعة، يقصدن مغارات وكهوف بالجهة الشرقية لممارسة طقوس وثنية متوارثة عن الأباء والأجداد، للتبرك بأحجارها ومياهها والتماس الحلول لمشاكلهن وتحقيق أحلامهن وعلاج أدوائهن، وطرد الجنّ الساكن فيهن وإبطال السحر الموضوع لهن من طرف « الأخريات الحاقدات »
بجبال جماعة بني سيدال الجبل بإقليم الناظور، اكتسبت مغارة » ثمزييذا نتموث » بركة القدرة على شفاء العديد من الامراض وجلب الحظ وطرد النحس والجن تقصدنها النساء لتقديم طلباتهن خلال زياراتهن التي تكثر خلال يوم السبت وتقديم النذور من ذبائح وولائم جماعية التماسا للاستجابة وقضاء حوائجهن.
حسب أبناء البلدة ، فإن أهم الطقوس التي تمارس بهذه المغارة التاريخية التمسح والتبرك بجدرانها وأخذ بعض من تراب المغارة لخلطه مع الماء وشربه أو الدهن به بغرض الاستشفاء، كما تزوره العازبات للالتماس العثور على زوج تعليق جزء من الثياب المخلوعة من الغسل بعتبة المغارة فيما تعمد العرائس بعد الزيارة إلى ترك كمية من حنائها للعودة إلى المغارة ومسح تلك الحناء على جدران وسقف المغارة وإقامة نذر وخاصة الذبيحة وإشعال النار في المغارة وتركها لتنطفئ وحدها وهذا طلب للمباركة من قضاء حاجتها.
مغارة كاف الغار ببلدة « عين الصفا » الواقعة تحت النفوذ الترابي لعمالة وجدة انجاد لا زالت تستقبل بعض النسوة والفتيات العازبات للاغتسال بمياه النهر الذي يخترقها وتعليق قطعا من الثوب او القماش إلى أغصان الأشجار أو وضع أحجار بعضها فوق بعض، إضافة إلى إشعال الشموع في الأضرحة أو تسليمها إلى القائم عليها للقيام بالمهمة ليلا .
الوجديون المتقدمون في السنّ يتذكرون مغارة « الحور » المعروفة ب »غار الحوريات » الواقعة بواحة سيدي يحيى والتي كانت تقصد للتبرك، قبل إغلاقها نهائيا منذ أكثر من ثلاثين سنة، بعد أن سجلت بها حوادث، ولم يعد لها أثرا. هذه المغارة التي كان يحكى عنها الكثير من الأساطير بكونها ملجأ للجن وأرواح مريدي سيدي يحيى، وكانت ترى أنوار تسطع من المغارة ليلا كما كانت تسمع لعب الغايطة وقرع الطبول وبعض الأصوات. وكان سكان وجدة يقصدون غار الحوريات للتعبد وقضاء الليالي الكاملة في هذا المكان « المقدس » .
أضرحة فضاء للتجمع وتجاذب أطراف الحديث
تعتبر زيارة الأولياء من الممارسات الدينية الأكثر انتشارا بالمغرب، إذن فليس من الغرابة في شيء أن يصادف ذلك العدد الكبير من الأولياء داخل المدينة أو في أحوازها، وعلاوة على ذلك فإن وجدة تشتهر بأنها مشتلة أولياء ويمكن تقسيمهم حسب موقع ما خصص لهم من مدافن إلى أربعة مجموعات رئيسية (حسب كتاب النقيب الفرنسي فوانو « وجدة أو العمالة 1912)، صلحاء المدينة صلحاء غابة الزيتون وضواحيها، وصلحاء الضواحي، وصلحاء خميلة سيدي يحيى.
وتعتبر زيارة الأضرحة من العلاجات الروحية كأن يخاطب المريض ذلك الولي الصالح في قبره ويطمئن إليه لما عرف عنه من تقوى وقوة الإيمان وكثرة الصلاح والخير ويتحدث إليه كأنه حي. ويرى الدكتور عبدالمجيد كمي أن هؤلاء الزائرات للأضرحة وبعض من الرجال مع التأكيد أن أغلبهم نساء يجدن راحة ليس فقط في الزيارة والتبرك ولكن كذلك في التجمع والحديث والفسحة حيث خصص الوجديون لكل ضريح يوما ، فمثلا يوم « سيدي يحيى بنيونس » هو يوم الجمعة ويوم « سيدي معافة » هو يوم الاثنين ويوم « سيدي إدريس القاضي » هو يوم الخميس…
يزور الشخص الضريح حتى يفرغ ما في قلبه من هموم ومشاكل ويتحدث للآخرين ويحس آنذاك بالراحة. وهناك جانب آخر وهو معروف عند الأمم القديمة والأمم الوثنية وهو ما يسمى ب »الجذبة » وهي تلك الحالة من « الحضرة » والصراخ عند الضريح والتمدد على قبره وهي نوع من حالة هستيرية تمكنها من تفريغ طاقة كبيرة، ثم تلف بها النسوة وتهتم بها فتحس بنوع من المواساة والعطف ربما كانت تبحث عنهما تتبعها راحة عميقة تؤدي بها إلى غيبوبة أحيانا. هذه الحالة توجد لدى الأمم البدائية ولو لم تكن لها علاقة بالأضرحة ولكن لها علاقة بالأرواح من خلال ممارسة طقوس ورقصات…
ويأتي العلاج في بعض الحالات النفسية الخفيفة، حسب الأخصائي في الأمراض النفسية، بصفة تلقائية لدى البعض بنسبة 50% بمجرد زيارته الطبيب ونفس الشيء بالنسبة للبعض الذي يعتقد علاجه في الأضرحة. ولكن يبقى علاج العديد من الأمراض عند الطبيب المختص. في بعض الأحيان تتداخل الصدف في حالات يشفى المريض وتلعب دورها ويعتقد الناس أن الضريح أو الولي الصالح فعل فعلته وفَعَّل بركته ليصبح الأمر يقينا يتوارثونه
ويرى بعض الزائرين أن ما كان يقع في « سيدي ميمون » بإقليم بركان الذي اشتهر بعلاج الأمراض النفسية والعقلية حيث لا زال يستقبل الزائرات ويقمن في غرفه الأيام والليالي للتبرك به، (ما يقع) أخف بكثير مما يقع بناحية مراكش ب »بويا عمر » إذ هناك من احترف تلك المهنة التي لا علاقة لها بالعلاج حيث يسجنون المرضى ويربطونهم ويعذبونهم ويعاملونهم معاملة قاسية وغير إنسانية ويطلبون من أسرهم ألا يزورونهم إلا بعد أيام أو حتى يسمح لهم بذلك مقابل قدر مالي شهريا لا يستهان به. يؤسف للحالة التي يوجدون عليها ، فلا عيش كريم ولا وضعية مريحة ولا علاج مفيد ، وهذا العمل هو شعوذة في أخبث صورها وأوحش طرقها، والعديد من المرضى من يصاب بأمراض أخرى وتستفحل حالته ويرمى إلى الأهل مهدودا منهوكا بل جسدا دون روح ودون إحساس، وكل هذا معتقدات يجب محاربتها بمنعها…
السحر والشعوذة بعين النقيب فوانو بوجدة 1912
في كتابه وجدة والعمالة (فونوغرافية وجدة وقبائل شرق المغرب وترجمة الأستاذ محمد لغرايب)، يقول النقيب لفرنسي « فوانو » إن الطابع المحافظ لسكان وجدة ليس ظاهريا، لن عبادتهم تختلط بشكل قوي بممارسات لم يأت بها القران ولا السُّنّة. وقد اتخذت زيارة الأولياء خاصة أبعادا كبيرة حتى أن التوجه إليهم لم يعد نهائيا للتقرب بهم زلفى إلى الله بل كآلهة من الدرجة الثانية يؤتمنون على جزء من القدرة الإلهية. ففي كلذ ظروف الحياة يتم اللجوء إليهم لاستدرار عونهم على شفاء الأمراض والنجاح في الأعمال وطلب الغيث…إذ يذهب المتوسلون ويصلون على قبر الولي الذي يتضرعون إليه ، وإذا ما استعصى الأمر عليهم لجأوا إلى ذبح إحدى انعامهم وتركوا جلدها للقائم على الضريح.
وتنظم المواكب خلال فترات الدفاف وتطوف على كلّ أضرحة المدينة ويسير الحشد من الناس خلف البيارق والموسيقى مرددين بأعلى أصواتهم أدعية دينية (اللطيف).
إن الاعتقاد بالجنّ فاش بينهم جميعا، ويزعمون أن اعدادهم تزداد على الأرض من الرابعة مساء إلى مغيب الشمس وأثناء الليل. وإذا ما خاف أحدهم من أذاهم ذكر اسم الله. ويفضل الجنّ الأماكن التي يوجد بها الدم أو الماء كالجزرات والأودية والعيون…وكلما تمّ حفر بئر إلا وذبح خروف على فوهته. ويمكن القول إن هذه العادة تهدف إلى إبعاد أرواح البئر الشريرة.
ويتم اقتحام عالم السحر بالتعازيم ، فيرقى المصابون بمسّ من الجنون من قبل الطُّلْبا الذين يضعون إبهام يدهم اليمنى على طرف الإبهام الأيمن للمريض ويتلون بعدها التعازيم، ويرغمون المريض على شرب الماء المخلوط بالرماد. وهذه الطريقة ناجعة دون شكّ في إخراج الجن من الشخص الذي قد يكون تسلل إليه. وفي حالة عدم وجود طالب للرقية، فإن المصابين بمسّ من الجنّ يقصدون أضرحة سيدي إدريس وسيدي شعيب وسيدي معافة أو سدي يحيى ويذبحون كبشا.
يُقصد الطُّلْبا باستمرار للاحتماء من العين الشريرة المؤ1ذية أو طلبا لشفاء مختلف الأمراض، فتطلب منهم التمائم. وتخاط التمائم على الشاشية وتحمل على الصدر وذلك حسب الغرض الذي كتبت من أجله، لكن لا تعلق أبدا بشكل ظاهر.
ولا يزال الاحتماء بالعين الشريرة يتم بأخذ سبع حصيات من نبع سيدي يحيى ووضعها في هميان يعلق في العنق. ولعددي 3 و7 حقا خاصية سحرية تظهر في كلّ ممارسات الحياة، إذ تمتد فترة الزواج ثلاثة أو سبعة أيام، ويأخذ المولود الجديد اسمه اليوم السابع، ويكفن جثمان الميتة من النساء في سبعة أكفان، ويصلي الطُّلْبا على قبر الموات ثلاثة أو سبعة أيام.
النساء الراغبات في إيقاف الإنجاب تبتلعن حبات بارود القنص. وقد ترمز هذه الحبات إلى البويضات وهو إذن تصرف سحري ودي. ويجب أن يكون الأمر عندما يسقي الزوج امراته ماءا استعمل في غسل إبهام رجله اليسرى تسهيلا لمخاضها العسير.
رأي كمّي اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية
يشير الدكتور عبد المجيد كمي ، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات، إلى أن زيارة الأضرحة قديما هو التبرك بقر شخص كانت له صلة بالله أكان عالما أو معروفا بالصلاح يشهد له بذلك في حياته. ويأمل الناس في زيارتهم لذلك القبر أن تصلحهم بركاته وينتفعون بها ويدفعون بها عنهم مشاكل شتى بل يتوسلون إلى صاحبه أن يجد لهم حلا لها من زواج أو طلاق أو تحكم في الزوج أو طلب شفاء من مرض أو قضاء حاجة في النفس أو طلب حماية من أخطار مهددة أو طلب خلاص من مأزق أو أشياء أخرى عجز عن حملها الإنسان الحي… »فهذه أفكار خاطئة لم يقل به الدين من غير قبر رسول الله الذي منع التمسح به بل السلام عليه والدعاء …ومن أراد بركة عالم فليقرأ علمه ويأخذ مما ترك أما أن يذهب إلى قبر ميت صاحبه في حاجة إلى الدعاء له من طرف الأحياء، فهذا غير معقول ».
زيارة الأضرحة، حسب الطبيب الإخصائي، كانت ظاهرة أكثر شيوعا خلال فترة الاستعمار حيث كان الناس بعيدين عن العلم حيث كان الاستعمار لا يسمح للجميع بأن يواصلوا دراسات تمكنهم من اكتساب وعي، رغم أنه كان هناك علماء لكن لم يكن ذلك كافيا لمحاربة الظاهرة التي كانت مترسخة في العقول والتقاليد والجهل والأمية والتخلف. بالإضافة إلى ذلك ، كانت ثقافة المواطن تميل إلى مقت الاستعمار وكان إذا مرض الشخص يفضلون زيارة الأضرحة بدل زيارة الطبيب الأجنبي المستعمر إلا نادرا في حالة استعصاء الحالة المرضية أو حالة استعجالية أو عملية جراحية مع العلم أن عدد الأطباء كان قليلا. وفي الحالات العادية يفضل أهل المريض اللجوء إلى بعض الطقوس المعروفة والمتداولة أو زيارة الأضرحة التي تخصص كل صاحب ضريح في نوع من المرض واشتهر به عند الأحياء، مع اعتقاد الكثير من الناس أن هناك أمراض تتجاوز طاقة وعلم الطبيب الذي درس في الجامعات وتخصص بعد ذلك في شعبة من شعب الطب، ولا يمكن له اختراقها لأنها من اختصاص صاحب الرفات إن بقيت رفاته بالقبر أو اندثرت بعد أن تحولت إلى رميم، أو إن كان بالفعل هناك أصلا رفات…اشتهر الولي سيدي ميمون بعلاج الأمراض النفسية والعقلية، وسيدي إدريس القاضي في أمراض المفاصل…
ومن ناحية أخرى، تعتبر زيارة الأضرحة من العلاجات الروحية كأن يخاطب المريض ذلك الولي الصالح في قبره ويطمئن إليه لما عرف عنه من تقوى وقوة الإيمان والصلاح والخير ويتحدث إليه كأنه حي. وهؤلاء الزائرات للأضرحة وبعض من الرجال، لكن أغلبهم نساء، يجدون راحة ليس فقط في الزيارة والتبرك ولكن كذلك في التجمع والحديث والفسحة.
يزور الشخص الضريح حتى يفرغ ما في قلبه من هموم ومشاكل ويتحدث للآخرين ويحس آنذاك بالراحة. وهناك جانب آخر وهو معروف عند الأمم القديمة والأمم الوثنية وهو ما يسمى ب »الجذبة » وهي تلك الحالة من « الحضرة » والصراخ عند الضريح والتمدد على قبره وهي نوع من حالة هستيرية تمكنها من تفريغ طاقة كبيرة ، ثم تلُفُّ بها النسوة وتهتم بها فتحس بنوع من المواساة والعطف ربما كانت تبحث عنهما تتبعها راحة عميقة تؤدي بها إلى غيبوبة أحيانا. هذه الحالة توجد لدى الأمم البدائية ولو لم تكن لها علاقة بالأضرحة ولكن لها علاقة بالأرواح من خلال ممارسة طقوس ورقصات.
أما العلاج في بعض الحالات النفسية الخفيفة، يأتي بصفة تلقائية لدى البعض بنسبة 50% بمجرد زيارته الطبيب ونفس الشيء بالنسبة للبعض الذي يعتقد علاجه في الأضرحة. ولكن يبقى علاج العديد من الأمراض عند الطبيب المختص. في بعض الأحيان تتداخل الصدف في حالات يشفى المريض ويعتقد الناس أن الفعل فعل الضريح أو الولي الصالح ويصبح الأمر يقينا يتوارثونه.
وما يقع في « سيدي ميمون » بإقليم بركان أخف بكثير مما كان يقع بناحية مراكش ب »بويا عمر » إذ هناك من كان يحترف تلك المهنة التي لا علاقة لها بالعلاج حيث كان يُسجن المرضى ويُربطون ويُعذبون ويُعاملون معاملة قاسية وغير إنسانية ويطلبون من أسرهم ألا يزورونهم إلا بعد أيام أو حتى يسمح لهم بذلك مقابل قدر مالي شهريا لا يستهان به.
يؤسف للحالة التي كان يوجد عليها المرضى، فلا عيش كريم ولا وضعية مريحة ولا علاج مفيد ، وهذا العمل هو شعوذة في أخبث صورها وأوحش طرقها، والعديد من المرضى يصاب بأمراض أخرى وتستفحل حالته ويرمى إلى الأهل مهدودا منهوكا بل جسدا دون روح ودون إحساس، وكل هذا معتقدات يجب محاربتها بمنعها.
غرائب: الولي سيدي يحيى « حامي » وجدة تتجاذبه كلّ الأديان السماوية
يقع ضريح الولي الصالح سيدي يحيى بنيونس على بعد 6 كيلومترات شرق مدينة وجدة و »الحامي » لها و »المدافع » عنها. وكان نذرا على سكان المدينة والقبائل المجاورة لها تنظيم موسم سيدي يحيى « الوعدة » صيف كل سنة تبركا بالولي ويذبحون العجول والجديان لأجل ذلك. وكانت تقام الحفلات من الفلكلور المحلي برقصات العلاوي والنهاري ومسابقات الفروسية » فانطازيا » و »كوم » و »الخِيلة » وليالي « كناواة » و »عيساوة » تبركا بمكرمات « سيدي يحيى الولي مول النخل والدوالي » ورغبة في طلب حمايته لهم بهالته القدسية، كما يهيئ « الطعام » (الكسكس) ويوزع على الوافدين لمدة 7 أيام.
كنا صغارا نذهب مع أمهاتنا لنزور الولي سيدي يحيى بنيونس ، فكن يحفرن القبر ويأخذن التراب ويطلينه على صدورنا بل كان منهن من يطعمن شيئا منه لأطفالهن لنبرأ أو حتى لا نصاب بمرض. وكلما فرغ القبر من ترابه يقوم « لمقدم » بملئه وهكذا دواليك…
ومن المفارقات العجيبة هو أن الولي « سيدي يحيى بنيونس » يزوره أهل الديانات الثلاثة اليهودية (يزعمون أنه يهودي الرَّبّي بن دوسة من قشتالة) والنصرانية (يوحنا بن يونس أحد المسيحين القدامى وأحد الحواريين) والإسلامية (الولي الصالح سيدي يحيى بنونس) ويتبركون به وكل منهم يدعي انتماءه إليهم فهو في آن واحد « حواري » و »قديس » و »ولي ». ومن الغرائب أن قبره موضوع على خط زاوية قائمة مع خط القبلة (رجلاه في اتجاه القبلة) بعكس قبور المسلمين. بل لا يوجد جثمان بالقبر بتاتا، حسب ما يرويه البعض.
هذا الولي مخفي لا يعرف أحد بدقة مكان دفنه، وحسب الروايات المحلية، كانت حياته قريبة من المسيح ولما ألم به المرض حمله أصحابه على ناقة وعندما أحس بدنو أجله طلب منهم أن يحفروا قبره حيثما وقفت الدابة والتي وقفت على العين التي كانت تزود وجدة بالماء، فيما مكث أصحابه بالقرب منه يتعبدون بغار الحوريات.
ومن الأحداث الغريبة التي عاشها زوار « سيدي يحيى »، أصيب، خلال سنة 1963 ، عدد كبير من الناس بإسهال كبيرة إثر تناولهم لكسكس « الوعدة » بسبب الزيوت المسمومة التي أدخلت إلى المغرب وخلفت المئات من الضحايا لا زال الباقون على الحياة يعانون من مضاعفاتها. وقامت القيامة وتحولت « الوعدة » آنذاك إلى مأتم. فكان الوجديون يفسرون الواقعة بغضب الولي الصالح سيدي يحيى على سلوكات بعض الناس تمس الحياء والحشمة فكان أن عاقبهم بذلك ورفض « طعامهم »…لكن واقع الأمر في ذلك أن الإسهال نتج عن تسمم غذائي صادر عن زيوت المائدة الفاسدة…
Aucun commentaire