قراءة في بعض مواد القانون06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي
حسان أينـــــــاو – إدارة مجلس عمالة وجدة أنكاد
يعتبر الحق في التعليم المجاني من الحقوق الأساسيّة الغير قابلة للتصرّف. حيث كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدوليّة والاقليميّة: كالإعلان العالمي لحقوق الانسان (المادّة 26)، العهد الدّولي للحقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة والثّقافيّة (المادّة 13)، اتّفاقيّة حقوق الطّفل (المادّة 29) ألخ. غير أنّ نهج الدّولة المغربيّة لسيّاسة الخوصصة في العديد من القطاعات بما فيها قطاع التّعليم، جعل تلك المجّانيّة تتراجع تدريجيّا لصالح التعليم الخاص، حيث تم اغلاق الكثير من المؤسسات التعليمية العمومية (ما يقارب 181 مؤسّسة تعليميّة عموميّة ما بين 2014 و2005).
وبناء على ما تقدّم تأتي هذه القراءة لبعض أحكام المواد المنصوص عليها في القانون06.00، والّذي يعدّ بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي و الإطار المرجعي الذي ينظم العلاقة بين المدرسة الخصوصي وبين الأجهزة الوصية، حيث تعتبر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين قطب الرّحى والجهاز المختص في تتبّع ومراقبة سير مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي ببلادنا، وهنا نتساءل هل تصمد بنود هذا القانون أمام سلطة المال والنّفوذ؟
فتح المدارس الخصوصية
تنص المادة الثانية من القانون المشار إليه أعلاه، على أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين هي الجهات المختصة التي بإمكانها البث في طلبات فتح مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوصي أو توسيعها أو إدخال أي تغيير عليها….
وارتباطا بصميم المادة الثانية ، وصلة بالشروط الواجب توفرها قانونا، تجدر الإشارة على المستوى النظري ، إلى أهمية دور الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين من ناحية الاختصاص ، أما على مستوى التطبيق، فلا بد من الوقوف عند مدى صرامتها في ممارسة الاختصاصات المخولة لها تشريعا رغم علتها، وبالتالي التأمل في مدى فاعليتها في تطبيق وتنزيل مقتضيات روح القانون06.00 ، لا سيما خلال مرحلة المراقبة قصد منح التراخيص أو عدم منحها، خاصة عندما يتعلق الأمر تحديدا بإلزامية مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي بالشروط الضرورية المطلوبة لمنحها تراخيص الفتح ، حيث تتمثل هذه الأخيرة في رزمة من الشروط الصحية مثل التهوية ، على سبيل المثال لا الحصر ، وغيرها من المعايير المعتمدة دوليا من قبيل المساحات المخصصة لكل مرفق ولكل تلميذ ، وكذا الساحات والمرافق التي تضمن السلامة النفسية والبدنية الملاءمة وغيرها من الشروط المادية والمعنوية أو العقلية ،الموازية و الراعية لمختلف حقوق الطفل….)
ودائما صلة بالشروط التي من المفروض أن تتوفر بفضاءات ومرافق مختلف مؤسسات التعليم الخصوصي، من البديهي، ومن باب العدل والإنصاف، وجب التسليم بأن معظمها لا يستجيب للشروط المحددة ولو بشكل نسبي وضئيل، مقارنة مع حجم السقف المطلوب، ومع ما يقتضيه اللازم على مستوى التشريع، خاصة إذا تم استحضار أحكام ومقتضيات الترسانة القانونية الوازنة التي توثق الحقوق الأساسية للطفل وطنيا أو دوليا.
الموارد البشرية
أما علاقة بالرأسمال اللامادي المتمثل في الموارد البشرية من مستخدمي وشغيلة قطاع مدارس التعليم الخصوصي، تنص المادة التاسعة من ذات القانون على خضوع أصحاب مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي للالتزامات المنصوص عليها في قانون الشغل إزاء جميع مستخدميهم ما لم ينص على ما هو أنفع لهؤلاء في عقود عمل فردية أو اتفاقيات جماعية مبرمة بين أصحاب المؤسسات والمستخدمين أو ممثليهم.
ومن هذا المنطلق، وإذا سلمنا اعتبارا أن مدارس التعليم الخصوصي شركات أو مقاولات تستثمر في مجال شبيه بالاستثمار الخدماتي (استثمار في الخدمات العمومية)، لابد من مراجعة وقياس مجال تدخل وزارة الشغل والإدماج الوطني من خلال أجهزة مفتشيها بحكم وصايتها القانونية على مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي CNSS))، وكذا تقييم دور هذه الأجهزة المتدخلة، التي تتحمل مسؤولية ضمان حقوق أطر ومستخدمي وعمال قطاع التعليم الخصوصي، انسجاما مع مبدأ إجبارية تسجيل المأجورين. (وللإشارة، سبق للاتحاد الدولي للنقابات التعليمية أن أثار انتباه الحكومة المغربية لتردي الأوضاع المأساوية والعمل غير اللائق للعاملين في مجال التعليم كحالة المربيين والمربيات بالتعليم الأولي أو ظروف العاملين في خدمات الحراسة والتنظيف…)
على المستوى النظري، ووفق مقتضيات القانون المتعلق بالضمان الاجتماعي، يعتبر تسجيل المأجور إجراء وجوبيا وليس اختياريا. أما على المستوى العملي، قد تكون الأزمة التي خلفها تفشي وباء كورونا نقطة تاريخية ومفصلية من شأنها الكشف عن مجمل أعطاب التعليم الخصوصي سواء منها التربوية أو الإدارية، و من أبرزها عدم انخراط بعض مؤسساته وتأخر بعضها الآخر عن آداء اقتطاعات المستخدمين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، حماية لحقوقهم قصد تمكينهم من الاستفادة من نظام التغطية الصحية، وبالتالي ضمان حقوق هؤلاء في التقاعد المشروع، طبقا لما هو منصوص عليه في مدونة الشغل، لتمكين وفاء بلادنا بالتزاماتها الدولية المترتبة عن مصادقتها على مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
التأمين بالمدارس الخصوصية
أما المادة العاشرة، فمنطوقها يجبر المسؤولين عن مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي أن يقوموا بتأمين جميع التلاميذ المتمدرسين عن الحوادث المدرسية التي قد يتعرضون لها داخل مؤسساتهم أو في الوقت الذي يكونون فيه تحت المراقبة الفعلية للعاملين بها. كما يجب إطلاع أولياء التلاميذ على بنود تلك العقدة.
و اعتبارا لمفهوم ومنطوق المادة العاشرة والمتعلقة بمسألة التأمين، تجدر الإشارة إلى أنها تستوجب اطلاع أولياء التلاميذ على بنود تلك العقدة، علما بأن بنود العقد المشار إليها في المادة العاشرة مختلة في الأصل ، مهما كانت صيغتها وقوتها عندما يتم نسخها بحكم سيادة مبدأ حرية الأسعار، هذا إضافة إلى ضبابتيها وعدم شفافيتها ، حيث يسجل غياب تحديد الحد الأقصى لرسوم التأمين بالمؤسسات التعليمية الخاصة، وكذا غياب آليات الضبط وميكانيزمات المحاسبة والتدقيق ، سواء القبلية منها أو البعدية، حيث تتم عملية آداء واجبات التأمين دون توثيق دقيق ومفصل بإمكانه تسمية الشركة المؤمنة ومبلغ التأمين وكذا شروط الإستفادة…. ، وفي ظل غياب العقد المرجعي المتمثل في الضوابط المنظمة لعملية التأمين على غرار نموذج العقدة المبرمة بين وزارة التربية الوطنية وشركة التأمين (رغم علتها).
إجمالا، يعتبر ملف التأمين المدرسي في قطاع التعليم الخصوصي من الملفات الشائكة التي تستدعي المعالجة الفورية في أفق وضع استراتيجية متكاملة وواضحة لتفعيل وتنزيل القانون الجاري به العمل في هذا الشأن.
وفي ذات السياق، وبعد تخلي الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين أو عجزها عن ممارسة الإختصاص، يتم تكريس فشل الأجهزة الوصية، من خلال تعميق الفجوة بين الواقع والمطلوب وترجيح موازين القوى لصالح رأس المال( أرباب التعليم الخصوصي) بسبب الغياب الوظيفي والفعلي لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بأغلبية المؤسسات التعليمية الخصوصية، وذلك رغم صدور الدورية الوزارية الموجهة إلى السادة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والسادة المدراء الإقليميين حول تأسيس جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بتاريخ 24 يونيو 2003 ، لازالت أدوار هاته الجمعيات لا تتعدى أحجامها شبح الفزاعات الفارغة والمجردة من أدوارها الحقيقية، مما يؤدي وجوبا إلى اتخاذ المؤسسات الخصوصية قرارات انفرادية تضرب عرض الحائط عمق جميع المقتضيات القانونية ذات الصلة بقطاع التعليم الخصوصي، وبالتالي الاستخفاف بجميع التصورات التشاركية واستبعاد الأدوار التشاورية التي من شأنها تقوية دور هذه المؤسسات ، وكذا الرفع من تجويد خدماتها للارتقاء بمنسوب العطاء والإبداع تأسيسا لمعركة التنوير، من أجل بلورة تصور بناء يجعل من المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية جناحين لطائر واحد.
التعليم عن بعد وبالمراسلة
أما فيما يخص التعليم عن بعد، فالمادة 19 من القانون موضوع القراءة، تقضي بأنه يتم الإنتساب إلى مؤسسات التعليم عن بعد وبالمراسلة بموجب عقد يبرم بين المؤسسة والتلميذ أو ولي أمره، تحدد فيه حقوق وواجبات المتعاقدين. ويجب أن يتضمن العقد بوجه خاص شروط تلقي التعليم عن بعد وبالمراسلة، ولا سيما ما يتعلق بخدمات المساعدة التربوية والتعليمية المتعلقة بطرق العمل والأشغال والتمارين وعملية التصحيح. ويجب أن يلحق بالعقد تصميم الوحدات الدراسية ومدة كل منها ومستوى المعلومات الواجب توفرها لدى التلميذ للاستفادة من البرنامج المعد له. ويتم احتساب نفقات الكتب والأدوات والوسائل التعليمية الضرورية لتلقي هذا النوع من التعليم على حدة ويكون ذلك بثمن كلفتها. ويكون باطلا كل عقد لم يتضمن البيانات الواردة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 19.
يستنتج من منطوق هذه المادة ضرورة تجديد العقد بين صاحب المدرسة وبين الطرف المستفيد (آباء ، أمهات واولياء التلاميذ) ، الأمر الذي لا يمكن توفيره في زمن الكوفيد، حتى ولو افترضنا جدلا أن تجديد العقد قد يتم بشكل تلقائي أخذا بعين الاعتبار طارئ الكورونا في حالة تصنيفها بالقوة القاهرة، ورغم ذلك، يعتبر العقد باطلا ، لا غيا غير ذي مفعول، وذلك بسبب العيب الواضح المتمثل في عدم تبيان وتضمين شروط تلقي التعليم عن بعد وبالمراسلة بين طرفي العقد، باعتبار العقد شريعة المتعاقدين ،حيث تقضي المادة بشكل صريح ببطلان كل عقد لم يتضمن البيانات المتمثلة في الشروط المذكورة أعلاه والمتمثلة في شروط التعليم عن بعد.( أدناها مواقيت تلقي الدروس ، المدة الزمنية وغيرها…).
ونظرا لعدة اعتبارات من بينها فشل خيارات السياسات العمومية بالمغرب ، خاصة تلك المتعلقة بقطاع التعليم ، وكذا الارتفاع الصاروخي والمهول للتكاليف والمصاريف الباهظة للتعليم الخصوصي الناتجة أساسا عن خضوع واجبات ورسوم التمدرس لمبدأ حرية الأسعار والمنافسة ، هذا الأخير الذي يشجع ارباب المدارس الخصوصية لا محالة على مواصلة استنزاف جيوب الآباء دون مراعاة نوع المنتوج وتقييم نوع الخدمة، وبناء عليه ، يتمثل للبعض أن هذه الأخيرة توفر للتلميذ جميع الوسائل المادية والمعنوية الضرورية تلبية لحقوقه شكلا ومضمونا ، لكن البعض الآخر اعتبرها بمثابة مؤسسات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح المالي ولا شيء سواه ، وفقًا للمنطق الرأسمالي المهيمن على المستوى العالمي ،خاصة بعدما أسقطت جائحة الكورونا –كوفيد19 القناع لتميط اللثام عن الجوانب المظلمة التي تخفيها ألوان بعض المدارس الخصوصية لينفضح المستور، ويتعرى واقع حالها المنطوي على مختلف أشكال الشعارات الزائفة و الفارغة إلا من الوهم والتناقض، قياسا على المعايير المعتمدة ، و مقارنة مع التصنيفات الخاصة بمستويات المنظومات التعليمة بباقي دول العالم.
وأخيرا، هل يجوز القول أن القانون رقم 06.00 الذي يعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، لا يمنح الاختصاصات الكافية للأكاديميات التعليمية الجهوية للتربية والتكوين، لممارسة المراقبة التربوية والإدارية في إطار سلطة الوصاية على المؤسسات التعليمية الخاصة؟
وبصرف النظر عن منطق تسليع التربية والتكوين، هل تتأرجح الكفة بامتياز لصالح المدرسة الخصوصية، ليتم سحب البساط شيئا فشيئا من تحت اقدام مؤسسات التعليم العمومي، أم لازالت الفرصة قائمة لتأهيل المدرسة العمومية؟
وتدقيقا لابد من السؤال الجوهري المطروح بإلحاح قبل وبعد زمن الكورونا:
هل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أجهزة وزارة المالية، ممثلي وزارة الشغل والإدماج المهني، والنقل والتجهيز، ممثلي وزارة الصحة وغيرها من الأطراف المتدخلة (الدولة)…. قادرة على إصلاح الأعطاب التعليم الخصوصي؟
هل آن الأوان لتعديل القانون 06.00 من أجل التأثيث لبناء مدرسة وطنية تلبي طموح الجميع؟
المراجع :
*اتفاقية حقوق الطفل 1989.
* مبادئ اعلان حقوق الطفل1959.
* القانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي.
*القانون رقم 1.72.184 بتاريخ 15 جمادى الثانية (27 يوليوز 1972) يتعلق بنظام الضمان الاجتماعي 1392
*الدورية الوزارية الموجهة إلى السادة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والسادة المدراء الإقليميين حول تأسيس جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بتاريخ 24 يونيو 2003.
مع تحيات حسان أيناو: إدارة مجلس عمالة وجدة أنكاد.
Aucun commentaire