المغرب.. الوضع السياسي وخيارات ما بعد الجائحة (3/3)
بقلم .. عمر الطيبي
لعل مما يؤسف له حقا في هذا الصدد، ويا للمفارقة، هو أن يتصدر مشهد تنفيذ مشروع الردة السياسية الجاري على مرأى ومسمع من الجميع، ثلة من قياديي حزب ناضل بقوة من أجل الغاء قانون « كل ما من شأنه »، كما ناضل من أجل فرض « احترام المنهجية الديموقراطية »، وذلك بدء من تطوعهم بحماس ظاهر لصياغة مشروع قانون 22.20، مرورا بمطالبتهم بالغاء البند 47 من الدستور، وانتهاء بدعوتهم لتشكيل « حكومة انقاذ وطني » تستمد سلطتها ومشروعيتها من الدولة العميقة، دولة المخزن، بدل صناديق الاقتراع.
* خياران متناقضان .. وحول سياسي في مستوى صناعة القرار
على كل حال، وأمام حجم الكارثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحدقة بالبلاد، يتعين نسيان الاستحقاقات السياسية لسنة 2021 تماما، والتاكيد على أنه لم يعد هناك من خيارات كثيرة أمام البلد في مواجهة استحقاقات زمن ما بعد كورونا سوى خيارين متعارضين حد التناقض، أولهما الاستمرار في نفس النهج الطبقي ـ التبعي والعمل على حماية مصالح الاوليغارشية وأصحاب المصالح الكبيرة، بكل ما اوتي التحالف الطبقي الحاكم من قوة واحتكار للثروة والسلطة، واطلاق الحبل على الغارب بالنسبة لمصالح الكثلة الاجتماعية الكبيرة من الشعب، مع تشديد القبضة الامنية على الجميع بصورة لم يسبق لها مثيل، وتكميم الافواه وقمع الحريات بترسانة من القوانين الجائرة، وعلى رأسها مشروع قانون 22.20،
ولا بأس من اسناد استكمال التنفيد مؤقتا لحكومة العثماني، طالما ان عملها لا زال يفي بالغرض، وريتما يتم استكمال شروط انقلاب سياسي متكامل الاركان.
أما الخيار الثاني فهو خيار وطني ديموقراطي اجتماعي، وهذا الخيار يظل خيارا نظريا، باعتبار أنه ليس هناك اطار تنظيمي موحد قادر على تحويله الى برنامج سياسي معارض، وقادر بالخصوص على أن يقنع به الكثلة العريضة من الشعب، وعلى تعبئتها على أساس أنه برنامج يمثل مصالحها، وكفيل بمعالجة الاضرار اللاحقة بها جراء الجائحة، ومن ثم استخلاص العبرة والدروس اللازمة منها بالنسبة للمستقبل، وأيضا العمل على تخليصها من اوضاعها التقليدية بما فيها من معاناة بنيوية مزمنة، من تلك العائدة لزمن ما قبل كورونا، وذلك بتوفير الشروط اللازمة لاطلاق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة باعتماد أليات تضامنية ايجابية، وبناء اقتصاد منتج لفائض القيمة، يقوم على الاستثمار في العنصر البشري والبحث العلمي، مع صيانة السيادة الوطنية من الاختراق التطبيعي الصهيوني للمجتمع، وتحرش الانظمة العشائرية النفطية بالوطن، مع ممارسة سياسة تحررية ازاء الميترول الكولونيالي الفرنسي.
وفي غياب الاطار التنظيمي الموحد، يجد هذا الخيار صداه لدى طيف واسع من التنظيمات السياسية والحقوقية والمنظمات الشبابية والمثقفين والشخصيات الوطنية ورجال الصحافة والاعلام، ونشطاء الشبكات الاجتماعية، هذا الطيف الواسع، وبحكم قناعات مكوناته الفكرية والسياسية كل على حده، ومعارضته، على وجه التعميم، للتجربة السياسية التي عاشتها البلاد منذ سنة 2011 ، يجد نفسه اليوم منخرطا في حركة نضالية، لمواجهة الواقفين وراء النكوص السياسي الذي تشهده البلاد، بدء من خوض معركة الدفاع عن الحريات وعلى رأسها حرية التعبير، ومنها بالتحديد حرية التعبير في فضاءات الشبكة العنكبوتية، على اعتبار أن الانترنيت سيكون هو وسيلة، وميدان، وضمانة، معارك الحرية الحالية والقادمة، وكذا من خلال مطلبين ملحين يتمثلان في الضغط والمطالبة بالعدول عن اعتماد شروع قانون 22.20 وغيره من المشاريع القمعية المماثلة، والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحافيين.
أما بالنسبة لمواقف الجماهير الواسعة فالمرجح أن السياسات الرسمية اللاشعبية هي التي ستتكفل باخراجها الى الشارع، لربما في حراك شامل، نتمنى اذا حدث، أن يكون سلميا ومسؤولا، ما دامت هذه السياسات تركز في مواجهة الاوضاع البئيسة لهذه الجماهير على الخيار الامني وحده، وغلق قنوات الحوارمعها، من دون أن تأخد بعين الاعتبار الازمة التي ستنيخ بكلكلها من الان فصاعدا على الشعب، ولا انعكاسات الازمة الاقتصادية الطاحنة وطنيا ودوليا، ولا التراجع الحاد المرتقب على مستوى عائد الصادرات التقليدية للبلاد،
ومنها الفوسفاط، وتراجع عائدات السياحة والجاليات المغربية في الخارج، بصورة غير مسبوقة، وتأثير ذلك على معيش الفقراء والعاطلين والمعطلين والطبقة المتوسطة، وغيرهم من الشرائح الشعبية المسحوقة .. انه الحول السياسي عندما يصيب صناعة القرار. /انتهى/
Aucun commentaire