كن مؤمنا أو كن علمانيا ولا تكن منافقا بالجمع بينهما؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كن مؤمنا أو كن علمانيا ولا تكن منافقا بالجمع بينهما؟
جميل أن تسمع برلمانيا وهو يصرح بضرورة احترام ذكاء الناس، لكنه عندما يعترف بأنه علماني ويؤمن بالله، فذلك قمة الاستخفاف بعقول الناس وذكائهم، ذلك أن تصريحه بأنه مؤمن بالله وهو غير مُطالب بذلك، يتطلب منه الالتزام بضوابط الشريعة الإسلامية كما هي منصوص عليها في كتاب الله وسنة رسوله، وإلا وجب أن يحتاط لنفسه حتى لا تنطبق عليه هذه الآيات الكريمات التي تصدرت سورة البقرة حيث يصف الله سبحانه وتعالى أولئك الذين يُظهرون إيمانهم ويُبطنون عكسه بما يلي « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) »
لهذا وانطلاقا من مبدأ احترام عقول الناس وذكائهم، كان عليه أن يحدد طبيعة إيمانه ما دام قد صرح به، أهو إيمان في إطار الشريعة الإسلامية، وهو ما يتطلب منه الالتزام بمجموعة من الضوابط كما أسلفت، أم هو إيمان في إطار منظومة عقدية أخرى، كما هو الشأن بالنسبة لكثير ممن يَعتبرون أنفسهم مؤمنين ولكنهم لا يعترفون بالإسلام كدين لكونهم ينتسبون إلى ديانات وملل أخرى وهم أحرار في ذلك. ولعل هذا ما يمكن أن يُفهم من خلال المطالب التي يتبناها صاحبنا، والتي لا يمكن لمسلم مهما ضَعُف إيمانه أن يدافع عنها، ولنا في استماتته في الوقوف في صف الذين يُصرون على تسمية الفواحش بغير أسمائها وإدراجها ضمن منظومة الحريات الفردية قصد تطبيع المجتمع معها، حتى لا أقول العمل بمساهمة بعض المتنورين على « أسلمتها » بمعنى صبغها بصبغة الإسلام وأنا لهم ذلك، حتى أصبح الزنا يسمى علاقات رضائية، واللواط مثلية، والإجهاض في شموليته دون توفر الشروط التي اشترطها الفقهاء حق التصرف في الجسد … ويبدو أنه من الصعب على من كانت هذه مطالبه أن يُدرِج نفسه في خانة غير الخانة التي حددها الله سبحانه وتعالى في الآيات السالفة الذكر اللهم إلا إذا تاب وأرجو من الله ذلك.
هذا من جهة، من جهة ثانية، فإني أتساءل عن مدى مشروعية هذا النوع من التصريحات التي لا تفيد لا الوطن ولا المواطن في شيء، خاصة في هذا الوقت العصيب الذي تمر به أمتنا المغربية. ففي الوقت الذي تجند الكل للمساهمة الفعلية في التقليل من تأثير هذا الوباء على الواقع المعيش للمغاربة: فهذا الطبيب والمرض يخاطر بنفسه، وهذا رجل الأمن يتجند بالليل والنهار، وهذا الأستاذ والمعلم يجتهد بوسائله الخاصة حتى لا ينفصل التلاميذ والطلاب عن الاستزادة في طلب المعرفة، وهذا العامل البسيط الذي يعمل في الحقول وفي أوراش البناء، وهذا البقال… بالإضافة الذي ساهموا بالقليل أو بالكثير كل حسب إمكاناته في صندوق كورونا، يظهر علينا البرلماني وأمثاله لِيَلوكَ نفس الكلام الذي لم تعد تخفى أهدافه ودوافعه على أحد، في الوقت الذي يعمل فيه الكل على المساهمة والانخراط الفعلي في إحياء قيم التعاضد والتعاون وتجاوز الأنانية والكلام الذي لا طائل من ورائه. فماذا يستفيد الشعب المغربي عندما يصرح هذا البرلماني بأنه « ولد الفشوش » وأنه ابن برجوازي، ومع ذلك فقد فاز في الانتخابات البرلمانية سنة 2003 لأنه صرح للناس بمن هو وبما يقترحه عليهم، على الرغم من أنه لا علاقة له بشريحتهم الاجتماعية حسب كلامه. « يقول المثل المغربي: قالُّو شْمَتَّكْ، قالُّو عرفتك » . إن الذي يهم هو ماذا قدمتَ للمغرب عموما ولهذه الشريحة خصوصا والتي لا شك أنك قد وعدتها بالفردوس الأعلى في الوقت الذي أخفيت نواياك الحقيقية التي بدأت تظهر بجلاء بعدما تم الاستقواء بالجهات الخارجية المعروفة، خاصة بعد أن سقط بعض المسؤولين المغاربة عن ترغيب أو ترهيب في شرك المصادقة على بعض الاتفاقات المسماة دولية، لتصبح خِنجرا في يد كل من يساهم في علمنة البلاد عن قصد أو عن جهل؟ فعوض وضع العصا في عجلة الارتقاء بالقيم الأصيلة للشعب المغربي، كان من الأجدر أن تخبرنا بالمبلغ الذي تبرعت به لصندوق كورونا، أو لأولئك الذي انتخبوك في هذا الوقت العصيب، وأنت من يُفترض فيه أن يكون على علم باحتياجاتهم في هذا الوقت بالذات، وذلك لإعطاء القدوة لأمثالك من المنحدرين من العائلات البورجوازية الذين استنكفوا عن الافادة بِقَدْر ما رَغِبوا في الاستفادة.
في الأخير أقول للسيد البرلماني العلماني المؤمن الذي يريد أن يُشرِّع للمغاربة بعيدا عن أي دين، أنه ليس من احترام ذكاء الناس ولا من الموضوعية في شيء، أن يتم التصريح بالإيمان ثم البحث عن حلول موضوعية لشعب مسلم خارج دين الإسلام، وما عدا ذلك، فمهما تمت تسميته فإنه النفاق بعينه .
الحسن جرودي
Aucun commentaire