Home»Débats»قضيتا الصحراء وفلسطين وفخاخ التطبيع المنصوبة للمغاربة

قضيتا الصحراء وفلسطين وفخاخ التطبيع المنصوبة للمغاربة

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم .. عمر الطيبي

في سياق الموقف المرتبك الذي عبر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بخصوص الخطة الامريكية لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما اعلنها الرئيس دونالد ترامب مؤخرا تحت عنوان « صفقة القرن »، لم يتردد بعض إعلام الاثارة وحتى بعض المنابر الجادة، في التأكيد على قرب تنفيذ عملية مقايضة ديبلوماسية يتم بموجبها اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب والنظام الصهيوني على المستوى الرسمي، بما يعنيه ذلك من تبادل للسفراء وللزيارات بين مسؤولي الطرفين.

وبغض النظر عن أن سند هذا الخبر لم يتجاوز لحد الان النقل المباشر عما ينشره الإعلام الإسرائيلي، وفي ظل امتناع المسؤول الحكومي المغربي المعني بالموضوع، أي السيد بوريطة عن تأكيد الخبر أو نفيه، فقد سارع بعض الإعلام المغربي إلى الترويح للتطبيع كما لو أن المقايضة الديبلوماسية بين الطرفين اصبحت امرا حاصلا لا محالة، بل تجاوز ذلك إلى المصادرة على المطلوب، مثل ما فعل اصحاب أحد المواقع الالكترونية (الدارجة) الذين شرعوا في تنظيم استطلاع موجه للرأي، على اساس مغلوط تماما، حيث يطلب من المغاربة رأيهم في مقايضة دعم أمريكا لمغربية الصحراء بالتطبيع مع إسرائيل، وينخرط من ثم في الترويج للتطبيع بوجه مكشوف.

بل إن بعض دعاة التطبيع فرحوا بالخبر، فرح الأطفال بالملابس واللعب يوم العيد، وشطح الخيال ببعضهم بعيدا حتى تصوروا الرئيس ترامب وهو يكلف صهره الشاب جاريد كوشنير بإعداد نسخة مزيدة ومنقحة لصفقة قرن مكررة خاصة بالصحراء المغربية، آملين أن يكون الفتى الامريكي المدلل قد اتاه الإلهام من تبركه وتمسحه بقبر الحاخام المغربي الشهير « صاحب البركات المؤكدة » حاييم بينتو، دفين الدار البيضاء، وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها مؤخرا للعاصمة الاقتصادية للبلد خصيصا لهذا الغرض.

انه وبغض النظر عن حقيقة امكانية التطبيع الرسمي، فقد برهن دعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني مرة أخرى على قصر نظرهم وعلى كونهم يراهنون على حصان خاسر بخصوص حسم القضية الوطنية على الصعيد الدولي، عبر بوابة التطبيع مع الصهاينة، وذلك بعدما تم حسمها فعلا على الصعيد الميداني ومنذ عقود، بفضل تضحيات وصمود المغاربة واستماتتهم في شان وحدتهم الترابية .. ويبقى ان الاعتبارات الدالة على قصور وسطحية هذا التصور كثيرة ومتعددة منها ..

* ليس من مصلحة أمريكا الإقرار بمغربية الصحراء، بل إن ما يخدم مصلحتها حقا وفعلا هو التعامل مع القضية الوطنية للمغاربة بصورة ملتبسة، وذلك لكي يمكنها توظيفها، بحسب ما تقتضيه حاجتها، كأداة ضغط وابتزاز، في علاقتها مع المغاربة تارة، ومع خصومهم الجزائريين تارة أخرى، علما بأن المصالح الاقتصادية الامريكية مع الجارة الشرقية، وهي من أكبر البلدان المصدرة للمحروقات، هي اقوى واهم، من علاقتها مع المغرب.

* ولنفرض جدلا ان أمريكا وإسرائيل أقرتا معا بمغربية الصحراء فهل يعني ذلك أن هذا الإقرار سيؤدي إلى حسم قضية وحدة المغرب الترابية على الصعيد الدولي.. كلا أيها السادة، بل على العكس ربما أدى ذلك إلى استفزاز قوى دولية أخرى مؤثرة بحيث يدفعها للبحث عن تأثير معكوس في قضايا المنطقة، خاصة في ظل الصراع المحتدم حاليا بين القوى العظمى على مناطق النفوذ، وعدم استقرار موازين القوى بينها حتى الان على حال بعد، يضاف إلى ذلك تصاعد الاضطرابات الأمنية والعسكرية التي تشهدها المنطقة يوما عن يوم.

* ويفترض في المغاربة، وفق ما يقتضيه المنطق السليم، الاستفادة من تجارب التطبيع مع النظام الصهيوني التي عاشتها بلدان عربية أخرى قبلهم، فماذا استفادت هذه البلدان من التطبيع يا ترى ؟؟ للاجابة لنقتصر هنا على مثال واحد فقط، هو مثال الاردن الذي ابرم مع النظام الصهيوني اتفاقية وادي عربة للسلام في اكتوبر 1994، والتي أعطت للصهاينة كل ما يريدون من تنازلات سياسية وترابية وماءية، وتحييد استراتيجي لجبهة عربية اساسية، مقابل إقرار إسرائيل بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، والتي تعود إلى ايام الانتداب البريطاني، على الاردن وفلسطين.

وفي المحصلة الاخيرة ها هي صفقة القرن تلغي مبدأ الوصاية الهاشمية من اساسه وتلغي معه أي علاقة للأردن بالأماكن المقدسة في فلسطين، بل والانكى من ذلك هو ان النظام الكولونيالي الصهيوني العنصري اصبح يخطط ويطرح جهارا نهارا مشروعا متكاملا للاطاحة بالنظام الملكي الأردني، تمهيدا للتخلص من مطلب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم وتوطينهم في الأراضي الأردنية « حيث يمكنهم إقامة وطن بديل (تابع) خاص بهم ».

ثم لماذا لا يدرك دعاة التطبيع المغاربة انه حان الوقت لاستخلاص العبرة من التجربة الذاتية للمغرب ما دام التطبيع الاقتصادي أمر حاصل في الساحة المغربية منذ سنوات، وأبرز مثال على ذلك ما يحدث في القطاع الفلاحي حيث سمح المسؤولون بتوطين شركات صهيونية مختصة، تنافس فلاحة البلد في كل شيء، على مستوى المنتجات الفلاحية من حوامض وخضروات وثمور، كما تنافس المصدرين المغاربة في الأسواق الدولية على أسس غير متكافئة .. بل انهم حتى سمحوا لهذه الشركات باستنبات اغراس حبا الله بها المغرب وحده دون سائر البلدان، من بينها شجرة الأركان ونخيل الثمر من نوع المجهول، ومن ثم قيامها بكسر احتكار البلد لهذه الثمار، ومنافسته عليها بلابيل إسرائيلي، ما حول هؤلاء المسؤولين إلى مجرد رعاة يجلبون الذئاب إلى حظاءر الاغنام، ورغم ذلك ما زلت تراهم يصرون على الارتقاء بالتطبيع إلى مستوى رسمي.

ويمكن القول الان أنه حان الوقت، لكي يكف المطبعون، وسواء كانوا في موقع المسؤولية أو بصفاتهم الذاتية، عن عرض أهم قضيتين وطنيتين للبلد، وهما قضية الوحدة الترابية للبلد وقضية المكون الهوياتي الامازيغي للمغاربة في سوق المقايضة التي يقيمها راسي النظام الصهيوني النيوكولونيالي الثنائي نتنياهو وترامب لغايات ترتبط باجندتيهما الانتخابية المبرمجة برسم هذه السنة، وليكفوا عن نصب الفخاخ التطبيعية في طريق المغاربة، ولينتبهو إلى أن الاستمرار في نصب هذه الفخاخ قد يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنية.

وليدرك هؤلاء انه اذا كانت قضية وحدة البلد الترابية تحظى بالأولوية على الصعيد الوطني الداخلي، بدون ما حاجة لمزايدة احد، فإن القضية الأولى للمغاربة على الصعيد الخارجي، تظل هي القضية الفلسطينية، كما يظل دعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل انتزاع حقوقه المشروعة، هو خط دفاعهم الاساسي الى جانب الشعوب العربية الاخرى، في مواجهة الاكتساح الصهيوني النيوكولونيالي المتصاعد الذي اصبح يتهدد المنطقة العربية برمتها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *