خارج السلم في قطاع التعليم بين المنع والمنح
محمد اقباش
لن نغوص كثيرا في تاريخ الأنظمة الأساسية لوزارة التربية الوطنية التي تعاقبت على مدى سنوات الإستقلال ، ولنبدأ فقط بالأحدث عهدا، هو النظام الأساسي لفبراير2003 . هذا الذي،وإن تجاوز نقائص سابقيه بالإضافة أو الحذف، إلا أنه وبتفاصيله الإنتقائية ظل يجر وراءه حيفا مزمنا يكبر باستمرار ككرة ثلج مندفعة من عل.
وإذا كان نظام فبراير 2003 قد عمد إلى إلى تقليص عدد الهيآت التعليمية من ثمانية إلى خمسة ، في محاولة منه إلى تحقيق نوع من الرشاقة في تسيير القطاع ، وكان له السبق في فتحه ، ولأول مرة الدرجة الأولى (السلم 11) في وجه أطر كانت تتوقف ترقيتهم وقتذاك في السلم العاشر، فإن ملامح الحيف ظلت كامنة في ثناياه.
أول هذه الملامح هو نظام الترقية الذي تم تفصيله على مقاس الإكراهات المالية، القائمة والمحتملة، والتوازنات المرغوبة عند صندوق النقد الدولي. إذ أول الضحايا الذين سقطوا في شباك التعقيدات الهيكلية للوزارة ،وحاصرتهم إكراهات الظرفية الإقتصادية هم بالتأكيد أساتذة الزنزانة 9 الذين خاضوا نضالا أسطوريا تتوج بوضع هذا السلم في طريق الإنقراض، ثم تلاهم ضحايا النظامين 1985 و2003 في ما يسمى بشيوخ التربية، أولئك الذين وجدوا أنفسهم حبيسي السلم العاشر ملزمين بانتظار سنوات مريرة حتى تتم ترقيتهم إلى السلم الموالي بالكوطا أو بالتسقيف .الأمر الذي خلف جرحا غائرا في حافزيتهم وأوقع وخزا مؤلما في كفاءتهم.
لم ينته أمر تسوية أوضاع هؤلاء المتضررين إداريا على الأقل ، حتى انجلى ضباب الحجب عن مطلب لا يقل أهمية وتجذرا في القدم من سابقيه.مطلب يعود لثغرات التأسيس في نظام فبراير 2003.والذي أبقى على درجة خارج السلم،حيث ظلت فئات بعينها تستفيد منه على وجه الدوام، فيما تم تسييج أساتذة الإبتدائي والإعدادي والملحقين التربويين في نطاق محدود وهو السلم 11 ، مع إضافة صنف »ج » لمن تعدى الرتبة العاشرة وهوصنف، كما يعلم الجميع لا يوازي لا في قيمته المادية ولا الإعتبارية درجة خارج السلم.
إن المطلب الذي من أجله ظهرت التنسيقية إلى الوجود يهم ما يناهز 180.000 موظف ما بين ابتدائي وإعدادي وأطر ملحقة ،لهذا لا تجد الوزارة حرجا في التعامل معه بمنطق الإقتصاد في توزيع الكلفة المادية الضرورية لتحفيز الجودة، والإستعاضة عنها بالرغبة في استقرار المرفق العمومي عبر توسيع قاعدة التوظيف (التعاقد حاليا).
وإذا كان المتشبثون بمطلبهم هم في الأصل نشطاء ومناضلون دأبوا على احتلال الساحات العمومية للصدح بمطالبهم وإسماع صوتهم لمن به صمم، فإن القاعدة الواسعة التي أتينا على ذكر حصيصها قد توزعت على عدة نطاقات تبريرية ،وصار من العسير لمُّ شملها وتعبئتها في سبيل تحقيق هدفها الأوحد . لا يسع ههنا المجال للتفصيل في هذه النطاقات ،علما أن مجملها يتلخص فيما يشبه الإنتظارية والتطلع إلى حلحلة محتملة للملف، قد يأتي بها نظام أساسي جديد تسربت بعض بنوده للعلن وللتداول الإعلامي. وزارة التربية الوطنية من جهتها تواصل جولات حوار مع النقابات وفي كل مرة تهدد أو تنفذ خيار وقف المفاوضات . هي لا تعترف بالتنسيقيات خوفا ربما من تعدد الجبهات ،أما النقابات فهي بالنسبة لها كائنات أليفة ،حتى أنه أصبحنا لا ننتظر تحقيق الشيء الكثير على أيديها .
فما معنى أن تتم الإستجابة اللامشروطة لمن قد أنصفه وضعه ضمن الفئات المحظوظة وتعتبر مطالبه من قبيل الكماليات ، لأنه يرفل في نسق ترقية مفتوح ونظام تعويض عن المهام ،ويتم في المقابل تجاهل مطالب فئات عريضة ممن يقع عليهم العبء كله وهي تمارس نفس المهام وأكثر وتستجيب لنفس المعايير والشروط؟ هؤلاء هم أساتذة الإبتدائي والإعدادي والأطر الملحقة التي أصرت الوزارة على أن يتذيلوا الهيآت التعليمية العاملة بتسييجهم داخل السلم 11 .لا إمكانية لهم لأن يبرحوه ، وكأنهم لا يستحقون نظام ترقية مرن ومفتوح. هل تعلم الوزارة المحترمة أن هؤلاء الأساتذة هم أس العملية التعليمية برمتها وأن بدونهم ستتوقف العجلة عن الدوران؟ هل تعلم أن هؤلاء المتضررين لا يقلّون أكاديمية وطموحا عن نظرائهم في الأسلاك الأخرى ونحن في جميع الأحوال نغبطهم في استفادتهم المستحقة.
إننا غالبا حينما نربط الماضي بالحاضر فإنه يتأكد لنا معطى صريح وغير قابل للتشكيك وهو حرص الوزارة الوصية على التمييز بين أعضاء الجسم الواحد، ليس على أساس خصوصية المهام ،وإلا لكان الأمر مقبولا، ولكن على أساس الإسناد صعودا وهبوطا في الأسلاك التعليمية . هذا لعمري أمر محبط . كيف يتم التمييز مثلا بين أطر التدريس ، قاعدتهم تكدُّ وتضحي في الأسلاك الدنيا ومع ذلك تبقى حبيسة في السلم 11 ، وفئة أخرى هي بنفس المؤهلات وبنفس شروط وإمكانيات سابقتها لها حظوة الإستفادة من ترقية مفتوحة ، ألا يعتبر هذا إكراها معنويا في حق شريحة واسعة من القابضين على الجمر الملتهب في محيط تربوي مضطرب ؟ لم تأت الحوارات المتوالية بالشيء الكثير لهاته الفئة المهضوم حقها في ترقية على أساس المساواة، صحيح أن هنالك تقدم في ملفات بعينها تناقشها الوزارة حاليا مع الفرقاء الإجتماعيين ، لكن نتائجها التي اطلعنا على بعض من تفاصيلها لا تعدو أن تكون « تفتيتا » بهذا المعنى، للمطلب الأصلي الذي هو فتح الترقية إلى خارج السلم في وجه جميع الأطر وبنفس الشروط النظامية المعمول بها مع جبر الضرر. فلا اعتماد إطار المتصرف التربوي ولا حل مشكل المستشارين وحملة الشواهد ولا إدماج الغير عاملين في سلكهم الأصلي بقادر على فك رموز الحيف الذي تعاني منه القاعدة الصلبة التي هي ضمان لكل نجاح .
ولأن الأداء النقابي والنقابيون عموما ،وفي ظل الضربات المتوالية التي تتلقاها الفئات النشطة في المجتمع بسبب غياب نموذج اقتصادي مهيكل وفعال ، يمكن أن يتحولوا إلى مجرد موظفين ملحقين بالوزارة من أجل حضور جلسات العلاج/الحوار، وقد تتفضل بالإفراج عن بعض من تدابيرها العلاجية أو تهدد بتأجيل أو إلغاء الحوار ، صار لزاما التفكير في جهاز بديل يلم الشمل ويركز على المطلب ،فلم نجد لغير التنسيقيات بديلا. ومن هنا تم الإعتماد على التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم. كآلية تفاوضية على مطلب وحيد إذ سرعان ما ستختفي حالما يتحقق المطلب. هذه التنسيقية مرعلى تأسيسها أكثر من سنتين عقدت خلالهما ثلاث مجالس وطنية انبثقت عنها في11 يناير الجاري لجنة وطنية استطاعت ان تدفع بالملف إلى الأمام وتجهر به غم محاولات الإخراص والتجاهل المقصود.
ليس من الإنصاف إذن أن تبقى الوزارة مستكينة للوضع هادئة في تسييرها لروتين العمل الإداري، بينما صدور وأفئدة ثلة من خدامها تغلي غيضا وحنقا على واقع الحيف المسلط عليها .و تراقب بحسرة اختلال الوضع في الأنظمة الأساسية المتضمنة مبادؤها في الدستور،حين تحجب على البعض ما تجليه للبعض الأخر. أملنا في تبديد كافة مظاهر الغبن معقود على اللاحق من الحوارات ، وعلى إرادة الوزارة الحالية التي لا تعوزها النظرة الاستشرافية لتصحيح المسار.
Aucun commentaire