الجوكر..هل هو ربيع غربي ضد التحقير والتهميش
أحمد الجبلي
يبدو أنه من الطبيعي أن يظهر في المجتمع الوجه الآخر للجوكر عندما يعتمد المجتمع لغة الإقصاء والتهميش والاحتقار، إن جميع المجتمعات، عندما تمعن في ترسيخ ما يضاد القيم التي تؤمن بها، تجد نفسها قد قدمت أبناءها لقمة سائغة ووضعتها في فم الانتقام والعنف والكراهية.
الجوكر ليس بالضرورة أمريكيا، بل قد يكون أي واحد يعيش في أي مجتمع تعمل إدارات أو أشخاص نافذون على فقده لتوازنه عن طريق الظلم والطغيان والاحتقار، أو حرمانه من حقوقه أو الاستيلاء على أرضه وانتهاك عرضه.
أليس الشباب العربي الذي فضل الموت في القوارب والمحيطات، ما هو إلا جوكر فقد الإحساس بوجوده، فحرم العمل رغم الشواهد التي حصل عليها، وفقد حسن الاستقبال في المستشفيات، كما افتقد في جهات الماء والدواء المضاد للعقارب. وفقد التعامل باحترام رغم أنه إنسان يستحق أن يتعامل معه بكل احترام وتقدير؟
لا يوجد في الواقع العالمي أقبح من تدمير النفس والوجدان والكرامة، فالإهانات التي تبدو لدى المستبدين عادية لكونهم قد ألفوها لأنهم تألهوا على الناس، فهي سلاح مدمر للوجدان ومن شأنه أن يحول الإنسان إلى دبابة ناقمة لا تعي ما تفعل ستعود بالدمار على هؤلاء المستبدين أنفسهم. ولذا فإن العديد من الإرهابيين، إنما كانوا مواطنين صالحين، فتم ظلمهم من طرف شخصيات نافذة في دولهم فنقموا منهم وفجروا أنفسهم في أماكن عمومية وقرب منشآت هامة. ومن الصعب أن يتم إقناعهم بأن الأفراد الذين مارسوا عليهم الاستبداد والتحقير لا علاقة لهم بالوطن لأنهم أكبر عدو للوطن.
لذا، فإن الدولة عندما تكون دولة مؤسسات، من المستحيل أن يصدر عنها ما ينمي الحقد ويزرع الكراهية، لأن المؤسسة هي عبارة عن مجموعة عقول لا يمكن أن يجتمعوا على فساد أو ظلم. كما لا يمكنهم أن يخرقوا قانونا هم واضعوه. كما لا يمكن إلا أن يعدلوا لأنهم يعلمون بأن الأيام دول وغدا سيصبحون هم أنفسهم تحت رحمة القانون. لكن الدولة عندما تتحول إلى دولة أشخاص لهم نفوذ وسلطان ولهم حصانة تقيهم من المحاسبة، ويعتبروا أنفسهم فوق القانون، حينها سيكثر الضحايا والمشردون والمظلومون وبالتالي يكثر المنتقمون.
لا أحسب أن الذي جعل فيلم الجوكر ينال كل هذه الشهرة، ويحصد كل هذه الأموال 265 مليون دولار في أسبوعه الأول، هو جانبه الفني، لأن جميع الشركات الكبرى بارعة في ذلك، ولكن أحسب أن الشيء الأهم الذي جعل الجوكر يكتسح العالم هو تناغمه مع نبض الشارع، وترجمته لمعاناة فئات كبيرة ترى في ذاتها الجوكر الذي تم تدميره اجتماعيا بتهميشه وتحقيره وطرده من عمله، فلو لم تكن الأوضاع في أمريكا مخيفة، وفئات عريضة تعيش في كيطونات هامشية، لما تمت التعبئة الأمنية في جميع القاعات السينمائية قبل بدأ عرض الفيلم تخوفا من اندلاع ربيع أمريكي مدمر.
Aucun commentaire