إياكم والحديث عن الزكاة
أحمد الجبلي
كل دولة من الدول العربية الإسلامية، إلا وجعلت لها وزارة تتكفل بتنظيم شؤون الدين، حتى تعمل على حماية العقيدة من التحريف والبدع والشذوذ، وتقوم بدبير المساجد والخطب وإصدار الفتوى تفاعلا مع القضايا الجديدة حتى يكون الفقه الإسلامي فقها متفاعلا مع قضايا الناس، إلى غير ذلك مما له علاقة بدين الدولة والشعب. وكل هذه الوزارات إما هي وزارات صادقة تعي دورها وتتحمل مسؤوليتها في البيان والتبليغ وحماية الدين، أو أنها وزارات دورها ينحصر في تدجين الدين وتلجيم الدعاة والخطباء حتى يخضعوا للسياسات الرسمية أو لغايات أخرى مجهولة يصعب على الناس إدراكها أو فهمها كما وقع في بلادنا هذا الأسبوع.
إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد عودتنا أن تحيد عن المنهج الإسلامي في العديد من القضايا سواء من خلال المذكرات التي تصدرها كتوجيه للقائمين الدينيين، كمذكرة متابعة الأئمة الذين لهم موقع على الفيسبوك، أو تصريحات السيد الوزير والتي غالبا ما تثير زوبعة أو تشكل حراكا فكريا كاعتباره لموازين قضية خلافية، أو من خلال الأكاذيب التي تلي عملية تنظيم الحج وليس آخرها فضيحة صفقة الوجبات الغذائية المقدمة للحجاج المغاربة.
وتعد مذكرة منع الخطباء من الحديث عن الزكاة قاصمة لظهر الوزارة، لأن منع الخطباء عن الحديث عن ثالث ركن من أركان الإسلام، وهو الركن الذي قرن في القرآن بالصلاة في أكثر من ثمان وعشرين آية، أي إن كان المنع يطال الحديث عن الزكاة فلا مناص من أن يطال الحديث عن الصلاة غدا أو بعد غد، لأن الزكاة كما قال انس بن مالك رضي الله عنه: » رحم الله أبا بكر لم يكن يفرق بين الصلاة والزكاة ».
عندما صدر هذا التوجيه المشؤوم عن الوزارة تساءلت وقلت: يا ترى لماذا أصدرت وزارة الأوقاف مثل هذا القرار؟ أليست هي وزارة الشؤون الدينية والزكاة من الدين؟ بل هي الركن الثالث من أركان الإسلام؟ أيكون هناك من أزعجه الحديث عن الزكاة وبالتالي فرض رأيه على السيد الوزير فأصدر مذكرته المشؤومة منعا للخطباء من أن يقوموا بدورهم الشرعي في البيان خصوصا وأننا في شهر الزكاة المحرم الحرام؟
أليس من مهام الوزارة أن تدفع المنابر إلى التفاعل مع الأحداث والمناسبات، ربما وجدنا بعض العذر عندما وحدت الوزارة خطبة رضاع الكبير في يوم 25 فبراير، حتى تتجنب التماهي مع ذكرى ثورة الشباب يوم 25 فبراير 2011، وحينها اعتبرنا الوزارة ذكية لأنها أرادت الحفاظ على أمن البلاد، ولأن عناصر معينة قد تركب على موجة الجمعة وتقوم باستغلالها في ذكرى 25 فبراير فتخرج مسيرات ومظاهرات من بيوت الله. ولكن أي عذر سنلتمسه للوزارة وهي تبعث برسائل قصيرة لكل خطيب تطلب منه اجتناب الحديث عن الزكاة: « المندوبية تخبر الخطباء باجتناب موضوع الزكاة في الخطبة ».
لقد تلقى الخطباء هذا النص بذهول وحيرة، ولسان حالهم يقول: كيف لوزارة وصية عن الإسلام في هذه البلاد تأمرنا ألا نتحدث في الإسلام؟؟ ألم تكن من قبل تمنعنا فقط من الحديث في السياسة والانتخابات؟؟ ولعلنا حينها قد قبلنا توجيهاتها لأن لها ما يبررها، وحتى الشعب المغربي يرفض أن تتحول المساجد إلى منابر انتخابوية فيتقسم الناس وتعم البلوى والفتنة فتتحول المساجد إلى حلبة للصراع بين الناس.
سألني أحد الخطباء قائلا: « هل يمكن أن نعتبر المسألة داخلة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ » فأجبته قائلا: « وما يدريك أنه فخ وضعته الوزارة لتصطاد كل خطيب يرى ضرورة الحديث عن الزكاة في شهر ألف المغاربة أن يخرجوا فيه الزكاة » وأردفت قائلا: لا تعطيها فرصة تنحيتك عن المنبر لأنك خطيب ممتاز متعلم عارف بالشرع وناجح في تبيين الحق للناس، فنحن في حاجة إليك، وإلا تم تعويضك بآخر سيجعل الناس تغرق في دم الحيض والنفاس.
ما استوقفني في نص الرسالة هو مصطلح « اجتناب » لأن هذا المصطلح مصطلح فقهي له دلالته التشريعية في النص القرآني حيث ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقد جاء في لسان العرب: « وجنّب الشيء وتجنّبه وجانبه وتجانبه واجتنبه : بعُد عنه، أي إن التجنب في اللغة هو الابتعاد، ومنه تجنب طريق الأشرار، وتجنب الخطر أي ابتعد عنه. والله تعالى قد حرم الخمر بصيغة الاجتناب فقال: (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) والأمر بالاجتناب أقوى من التحريم نفسه لأنه أمر بعدم التواجد في مكانها أصلا.
فبما أن الوزارة يقوم بتسييرها أناس لهم باع في العلم الشرعي، وبالتالي لهم فقه بالمصطلحات الفقهية، فهم إذن يعلمون أن طلب اجتناب الحديث عن الزكاة معناه تحريم الحديث عنها فوق المنابر بلغة الشرع.
قبل أن أكتب هذا المقال سألت العديد من الأصدقاء في مواقع التواصل الاجتماعي إن كان الخبر يقينا، لأنني لم أصدق أن وزارتنا التي أمناها على الدين والتدين ستتجرأ وتأمر بمخالفة الدين والشريعة، وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وحتى لا أكون متجنيا عليها، أو أقولها ما لم تقله، ولكن علمت أن الخبر يقين عندما نشره أحد علماء المغرب الأفذاذ في جداره كرواية متواترة جاءته من طلابه الخطباء.
أعتقد أننا حتى ولو طالبنا الوزارة بأن تبرر فضيحتها هاته، فلا أظن أنها ستجد مشجابا تعلق عليه مطبتها المشؤومة، ولن يقبل منها الشعب المغربي أن تتحول من حماية الدين إلى محاربته والدعوة إلى اجتناب الحديث في أركانه.
بعد هذه الفضيحة، هل تستحق هذه الوزارة أن تكون وصية عن الدين في بلادنا؟ وهل سيستمر المغاربة في تأمين دينهم لدى وزارة تدعو إلى عدم الحديث عن الزكاة؟ ألا نخشى أن يأتي الدور على الصلاة والحج والصيام؟؟؟ من يدري، فكل شيء ممكن في منطق وزارة جعلت الزكاة ممنوعة، والحج أضحوكة. ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
Aucun commentaire