دور المدونات الإلكترونية في تنمية مهارات التفكير الناقد لدى المتعلمين
بقلم ذ.هشام البوجدراوي
كثيرا ما يدافع المراهقون والشباب بقوة عن الأخبار أو المعلومات التي يسمعونها من أقرانهم، أو يقرؤونها بمواقع التواصل الاجتماعي، أو يطلعون عليها من خلال المواقع أو المدونات الالكترونية. ويعتبرونها معلومات موثوقة وحقائق ثابته، دون أن يبذلوا أدنى جهد في إعمال الفكر لفحصها والتأكد من صحتها والتعرف على مدى مصداقية مصدرها. وكثيرا ما يتخذون قراراتهم انطلاقا من توجيهات الآخرين، من غير بذل الجهد في تمحيص تلك التوجيهات والتعرف على أبعادها ثم اتخاذ أفضل القرارات حيالها.
في ظل هذا الواقع وفي ظل الإغراءات التي وفرتها ثورة الاتصالات، ونتيجة للتغيرات التي مست جميع مناحي الحياة، يواجه المراهقون والشباب اليوم بمختلف مستوياتهم وطبقاتهم مجموعة من التحديات، تتمثل في الكم الهائل من المعارف والآراء المتناقضة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك أصبح تعليم مهارات التفكير الناقد مطلبا يفرضه التطور المعرفي على النظم التعليمية. حيث لم تعد مهارات التذكر والاسترجاع وتقبل المعارف الجاهزة مطلوبة من المتعلمين، بل أضحت مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات واتخاذ القرارات من أهم الأدوات التي تمكن الفرد من التكيف مع مستجدات الحياة.
من خلال تقديمنا للموضوع ولأهميته وارتباطه بمهام وغايات المؤسسات التربوية، باعتبارها مؤسسات التنشئة الاجتماعية، تطفو على الفكر مجموعة من التساؤلات نحاول الإجابة عنها من خلال ما يلي:
ماهو التفكير الناقد وماهي أهميته بالنسبة للفرد؟
ماهي مهاراته؟
كيف يمكن للمدونات الإلكترونية أن تساهم في تنمية مهارات التفكير الناقد؟
تعددت تعريفات التفكير الناقد، إلا أننا اخترنا تعريفا يركز على الغايات الاجتماعية من وراء هذا النمط من التفكير. إذ اعتبر التفكير الناقد نشاطا عقليا يتضمن القدرة على الاستجابة للمثيرات المعروضة على الفرد من خلال تمييز الحقائق من الآراء، أو المشاعر الشخصية، وتمييز الأحكام والاستنتاجات من الجدالات الاستنتاجية، وتمييز الموضوعية من الأحكام الشخصية. ويشمل التفكير الناقد أيضا القدرة على توليد الأسئلة، وإيجاد الحلول للمشكلات والقضايا، وتطوير أفكار الأشخاص، وتنظيم وتنويع وتصنيف وربط وتحليل البيانات ورؤية العلاقات، وتقييم المعلومات والبيانات من خلال وضع الاستنتاجات والوصول إلى خلاصات معقولة، والعمل على تطبيق الفهم والمعرفة على المشكلات الجديدة والمختلفة.(نوفل ومحمد،2011 (135 :
ويعد التفكير الناقد من أهم أنماط التفكير العليا، لقربه وارتباطه بالمهارات الحياتية. فقد ركزت التوجهات الحديثة في علم التدريس على تنميته لدى المتعلمين، إذ أصبح ضرورة ملحة وأساسية لنهضة المجتمعات وتقدمها.
وتتلخص أهمية التفكير الناقد في أنها تساعد الفرد على التكيف مع المواقف الجديدة والمختلفة، كما تساعد على الفهم الأعمق للتحديات والمشكلات، وربط الخبرات بعضها ببعض. كما تساهم في زيادة قدرات التلاميذ على التمييز بين الرأي والحقيقة، بالإضافة إلى تنمية القدرة على التصدي للعادات غير الصحيحة والابتعاد عن التعصب والتطرف في الآراء والأحكام.( علي،2009، 34)
وقد حدد واطسن وجليسر المهارة الرئيسة للتفكير الناقد في القدرة على تعرف الافتراضات والتمييز بين درجة صدق المعلومات وعدم صدقها، والقدرة على التفسير وإعطاء تعليل للأحداث ،والقدرة على تقويم الحجج، والقدرة على الاستنتاج واستخلاص النتائج من حقائق معينة، والقدرة على الاستقراء للتوصل إلى استنتاج ما.( سليمان، 2010، ص447-448).
وقد تعددت طرق التدريب على مهارات التفكير الناقد، إلا أنها تمحورت حول طريقتين أساسيتين: الأولى تتمثل في جعلها مادة مستقلة بذاتها لها منهاجها وأنشطتها الخاصة بها، والثانية تتمثل في تدريسه ضمن برنامج المواد الدراسية الأخرى، لكون تدريس المحتوى الدراسي يتطلب الفهم الأعمق لمكوناته والاستخدام المستمر لعمليات التفكير العليا.
وتعتبر الكتابة من أهم المثيرات التي تدفع التلميذ إلى استخدام أنماط متعددة من التفكير: كالتفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات. كونها عملية ذهنية تتطلب التمكن من مهارات القراءة، والقدرة على الاستجابة لمثيرات المقروء، وبسط الأفكار وعرض الآراء وتوليد الأسئلة وفحص الافتراضات، وتقييم المعطيات والحجج واستخلاص الاستنتاجات لحل المشكلات.
وتعد المدونات الالكترونية « blog » من بين الوسائل التي تساعد على التمرن على تقنيات الكتابة، وتوفر فرصا متعددة للتفاعل بين التلاميذ، كما تجعل مستخدمها مرسلا ومستقبلا في آن واحد، من خلال إضافة مواضيع جديدة وطرح الآراء والتعليق عليها.
والمدونة الإلكترونية هي صفحات على الشبكة العنكبوتية تعمل بنظام إدارة المحتوى. تظهر عليها تدوينات مذيلة بتعليقات مرتبة ترتيبا تصاعديا.
وتتجلى أهميتها في خلق فرص لتدريب التلاميذ على مهارات الكتابة، كما تنمي روح المبادرة والحوار وتساعد على تبادل الآراء والمقترحات، كما تساهم في تنمية مهارة فحص الأفكار وتقييمها بشكل صحيح، وصنع القرارات السليمة اتجاه مواقف الحياة المختلفة. كما تسهم في الزيادة من فرص التفاعل الإيجابي بين مكونات المجتمع المدرسي، بالإضافة إلى تنمية قدرات البحث والتعلم الذاتي والتعليم التعاوني.
ويمكن استثمار المدونات الإلكترونية في تنمية مهارات التفكير الناقد بالمؤسسات التعليمية وخلال الأنشطة الموازية، وذلك بإنشاء ناد للكتابة والتواصل، يقوم بإدارة المدونة ويعمل على استقبال مشاركات التلاميذ ونشرها بالمنصة الإلكترونية، كما يحفز المتعلمين على التفاعل مع مضامينها بتطبيق مهارات التفكير الناقد حيال الأفكار والآراء المنشورة بالمدونة. وتعمل إدارة المدونة على التوجيه إلى ضرورة فحص المعلومات والتمييز بين درجة صدقها وعدمه وبين الحقائق والآراء وتعرف الغرض منها، بالإضافة إلى إعطاء تسويغ لوجهات النظر المرتبطة بالموضوع وبالتعليقات والحكم على المعطيات والمعلومات والتمييز بين مواطن القوة والضعف فيها واستخلاص النتائج والوقوف على صحتها في ظل الأدلة والحجج المتاحة. هذه العمليات تتم بتوجيه من الأساتذة المشرفين على تحقيق أهداف النادي، الذين يعملون على طرح التساؤلات وإثارة النقاش حول الأفكار والقضايا المعروضة على المنصة والتشكيك في صحة المعلومات والإحالة على المراجع والمصادر التي تغذي الفكر بالمعلومات الموثوقة.
إن التدرب على هذه العمليات واستخدامها العملي خلال أنشطة النادي أو أثناء التفاعلات الصفية يشجع على إعمال مهارات التفكير العليا ويساهم في جعلها عادات عقلية مستدامة ونمطا سلوكيا فكريا قابلا للاستخدام عدة مرات مستقبلا.
بقلم ذ. هشام البوجدراوي
هوامش
نوفل، محمد بكر ومحمد عودة الريماوي، (2010): تطبيقات عملية في تنمية التفكير باستخدام عادات العقل، ط2، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان.
علي، اسماعيل إبراهيم(2009). التفكير الناقد (بين النظرية والتطبيق)، دار الشروق،عمان، الأردن.
سليمان جمال( 2010-2011). طرائق تدريس التاريخ، جامعة دمشق، منشورات جامعة دمشق.
Aucun commentaire