نصيحة ثمينة إلى ولاتنا وعمالنا الجدد منهم والقدامى
نصيحة ثمينة إلى ولاتنا وعمالنا الجدد منهم والقدامى
محمد شركي
لما وقع اختيار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصحابي الجليل سعيد بن عامر ليكون واليا على حمص، طلب منه هذا الأخير إعفاءه من مسؤولية كان يقدر خطورتها قائلا : » اعفيني منها يا أمير المؤمنين » فرد عليه الفاروق : » والله لتتولّين الإمارة لي ، أتولّونني الخلافة في عنقي ثم تتركونني » .
وكان أول ما فعله هذا الصحابي الجليل حين ولي حمص التصدق بمال زوجته وكانت تود أن يتاجر به ، فلما سألته عنه قال لها : » لقد أعطيته شريكا يضاعفه لنا أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف » فرضيت رضي الله عنها بالصفقة الرابحة.
ولما زار الفاروق حمص سأل أهلها عن سيرة من ولاّه عليهم ، فأثنوا عليه الثناء الحسن لكنهم أخذوا عليه أربعا من الخصال ، فقالوا :
1 ـ يصرع بين أيدينا .
2 ـ ولا يخرج إلينا في يوم من أيام الأسبوع .
3 ـ ولا يخرج حتى يطلع النهار .
4 ـ ولا يخرج إلينا بالليل .
ولما سمع الفاروق كلامهم قال : » اللهم لا تخيّب ظني فيه » ثم طلب منه أن يرد على هذه المآخذ الأربعة فقال : « والله لوددت لو أكتمها يا أمير المؤمنين ولكن والحال هذه فسأتكلم » فقال :
ـ أما قولهم أنني أصرع بين أيديهم ، فلأنني حضرت مشهدا ما وددت أني حضرته يوم رأيت خبيب بن عدي وهو يقتل في مكة وأنا مع المشركين يومئذ ، فسمعته يدعو عليهم قائلا : » اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا » ، فكلما ذكرت ذلك المشهد صرعت ، لأني وددت لو أني نصرته .
ـ وأما قولهم أني لا أخرج إليهم يوما في الأسبوع، فلأنه ليس لي خادم ، وزوجتي مريضة، فأغسل ثوبي وأنتظر حتى يجف كي أخرج إليهم.
ـ وأما قولهم أني لا أخرج حتى يطلع النهار ، فلأنني أصنع الطعام لأهلي .
ـ وأما قولهم أني لا أخرج إليهم بالليل ، فلأنني جعلت النهار لهم ، والليل لربي سبحانه .
فبكى الفاروق لما سمع كلامه .
إن في هذه القصة المؤثرة عبرة لولاتنا وعمالنا ، ونصح لهم نجمله فيما يلي :
يا معشر ولاتنا وعمالنا جدد وقدامى
ـ عليكم التردد في قبول المسؤولية وتهيبها كما تهيبها والي الفاروق على حمص ، ولولا إلحاحه عليه لما قبلها ، ولما تمناها مخافة جسامتها .
ـ عليكم التصريح بالممتلكات قبل تولي المسؤولية ، ولا نقول التصدق بها كما فعل والي الفاروق رضي الله عنهما حتى تسد الأبواب بينكم وبين التفكير في استثمارها واستغلال المناصب لتنميتها .
ـ عليكم استحضار ما كان منكم من تقصير في نصرة المظلومين كما فعل الصحابي الجليل الذي ندم على عدم نصرته خبيب بن عدي وهو يومئذ مع المشركين ، ولا نطلب منكم أن يصرعوا أمام الناس إذا ما تذكرتم تقاعسكم عن فعل ما كان يجب فعله .
ـ عليكم عدم الاحتجاب عن المواطنين إلا لضرورة قاهرة كضرورة الوالي الصالح سعيد بن عامر ، ولا نقول لكم احتجبوا لغسل ثيابكم لأنكم ولله الحمد تغيرون هندامهم كل يوم ، أو لخدمة أهلكم لأن لكم خدم وسواق وندل .
ـ عليكم تخصيص النهار للمواطنين والليل لربكم ، ولا نقول لكم لقيامه كما كان يقوم ابن عامر بل نرجو ألا تخصصوه لمعصية ربكم ، ففي ذلكم ما يجزي عن قيامه .
وأخيرا نقول قياسا على والي الفاروق على حمص لن يصلح للولاية إلا متهيب خائف من تقلدها ولولا الإلحاح عليه لما قبلها ، و المصرح بممتلكاته قبل تحمل المسؤولية ، والفاصل بين الولاية والمقاولة ، والخائف من ظلم العباد النادم على التقصير في نصرة المظلوم ، و المؤدي مهمته على الوجه المطلوب دون احتجاب عن المواطنين ، والتقي ذو الورع الذي يخصص ليله لربه ، فإن لم يفعل فعلى الأقل لا يقرب فيه معصية . فمن كانت هذه خصاله صلح للولاية ،وإن كان غير ذلك كان ظالما لنفسه أولا ولمن ولي أمرهم ثانيا ، وعليه أن يستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين : » ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم عليه الله الجنة ».
فما قيمة ولاية تنتهي بصاحبها إلى جهنم وبئس المصير ؟
Aucun commentaire