رجال أتهمهم، في فاجعة المغاربة
رمضان مصباح الادريسي
شهيدتا « التعدد الثقافي والأسفار« :
« أيها الأصدقاء الأعزاء،سأذهب الى المغرب في ديسمبر..هل ذهب أحد منكم الى هذه المنطقة؟ وهل هناك صديق يعرف جبل توبقال؟ »
هكذا تساءلت شهيدة حب توبقال،الطالبة الدنماركية: »لويسا فيستيرجر جيسبرسن،في صفحتها بالفيسبوك،قبل أن تشد الرحال الى بلدنا ،رفقة صديقتها النرويجية،الطالبة الشهيدة « مارين يولاند » ،التي يقول عنها معارفها: »كانت طيبة بشكل لا يصدق ».
طالبتان جامعيتان ،في شعبة التعدد الثقافي والأسفار،ألقت بهما الأقدار بين أيادي وحوش بشرية،قادمة من نفايات التاريخ،مرتدية أسماله.
يديننا هذا التخصص الجامعي،في حد ذاته ،قبل أن تديننا الجريمة الخسيسة.
يديننا لأن تخصصاتنا الجامعية لا تبلغ كل هذا الانشراح الانساني المعرفي، بحب كل حروف الانسانية ،مهما تلونت؛فتفتح شعبا
تشتغل في أوراش المآخاة ،والانفتاح ،وعقيدة الاختلاف المهيمنة اليوم.
رحم الله شهيدتي توبقال؛وكل العزاء لأسرتيهما ومعارفهما وبلديهما.
أما وقد حصلت الجريمة،وفي أحضاننا،فعساها لا تذهب سُدى ،وتتحول الى مجرد تقارير ديبلوماسية،أمنية، وملفات قضائية وأحكام.
عساها تفيدنا –اضافة الى ما سبقها من جرائم التطرف الديني والإرهاب في احداث القطيعة الجريئة مع كل نصوص الكراهية ،البراء،والقتل ؛التي نرددها جميعا ،يوميا؛حتى ونحن نتحدث عن الوجه الذي نحب لديننا ؛كما نتحدث عن وجه القمر المنير، الذي نرى ؛دون أن نستحضر أن له وجها آخر بتضاريس وعرة،وفوهات صِدمية شديد الغور.
الرجل الأول:
رجل الدولة الذي يعتقد بأن تدبير الحكم في المغرب،يجب أن يمر ،بالضرورة ،عبر الدين ؛أي دين، مادام قد التحق بالركب حداة المسيحية وآخرون.
طبعا استحضر هنا حتى وجود الديانة اليهودية،واشتغالها الدائم والمناسباتي.
قد لا يكون هذا ايمانا،من رجل الدولة هذا، بالخطاب الديني ،وإنما ايمانا بوجود عجز ،أو شك وارتياب في النموذج الديمقراطي؛مستحضرا صولته على الاستبداد ،كما يتجلى في النمط المخزني العتيق،الدائم العنفوان.
رجل الدولة هذا انتهازي ،لأن شرطَه أن يمضي الدين في ركابه ؛فرغم كون الدين حمال أوجه،فهو لا يهُش ولا يبَشُّ إلا للوجه الذي يمسك له الركاب ليركب.
هذه الانتهازية الدولتية ،هي رحِم من أرحام التطرف وبناته ،وما فيهن غير الشمطاء وغِلال القمل،على حد التعبير النبوي.
ما الذي أودى بريادتنا الفقهية المالكية ،في شمال افريقيا،وخرائط من جنوبها ،وفي الأندلس (قديما) لولا هذه الانتهازية الدولتية التي أغرت بنا أثرياء الحنابلة في الخليج ،فطفقوا ينثرون أموالهم المسمومة في جغرافية الامام مالك الفقيرة.
أين الامام مالك ،الفقير ،اليوم؟ وأي مذهبٍ تصدِّره اليوم المدينة المنورة ،بعد أن كانت امارة فقهية للإمام مالك ،حازت الغلبة، وقتها، في العالم الاسلامي كله؟
من أين لنا هذا الفقه الحنبلي ،الذي كتب بمداد من دم ،في أزمنة مغولية ،جرت فيها حتى أنهار العراق دما؟
لا يجيبك رجل الدولة هذا ؛خصوصا وهو يستحضر صولة الوهابية ،وريثة فقه الدم.
صولة مالية وسياسية؛عرف أقوياء العالم ،كيف يتحكمون فيها ،وكيف يوجهونها لخدمة مصالحهم الاستراتيجية.
الرجل الثاني:
رجل لا يتقن غير السياسة الدينية ،لأنها ثوب جاهز ،يختاره من أي متجر ،ويمضي مزهوا به ،ليرتمي في أحضان عشيقته:السلطة ،وان كانت « لايت ».
هذا الرجل ،غير بعيد عن الرجل الأول،لأنه يلعب في ملاعبه؛ينتصر وينهزم سياسيا ،حسب الحاجة الاستراتيجية الدولتية.
مهما تعددت أنواع الريع ،فان الريع الديني الذي مُتع به هذا الرجل يبقى الأعلى ،والأخطر.
وفي تفاصيل هذا الريع ،كونه يُطبِق – تسلطا -على كل حقوق التأليف الدينية،منذ عصر الصحابة الى اليوم.
يوظف كل هذا ،دون أن يرف له جفن، في حملاته الانتخابية ؛وحينما ينتصر ينسب الانتصار لنفسه ؛بل ويعلن نفسه منتصرا ،دون حتى انتظار ترسيم وزارة الداخلية للنتائج.
ويطْبق أيضا على كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين ؛وأغلبهم أمي لا شِيةَ فكريةً في تدينه.
يحضر الجنائز ويسيطر عليها ،فيجعل الميت اطارا حزبيا ،يحشد في جنازته آلاف الأصوات الانتخابية.
ينتصب الواحد من أتباع هذا الرجل واقفا أمام حفرة القبر ،وهو يتوعد الأحياء ،وهم في لحظة ضعف، ليحوز أصواتهم.
جنة مزعومة للحفرة ،لا تمر إلا من صندوق انتخابي لا يشتغل الا ل »أهل الله ».
ومن المقبرة الى ليلة الذكر ،حتى لا يذهب خشوع النازلة المحزنة سُدى.
ما أن يسكت الذكر الحكيم ،حتى ينطق الذكر الخديم لأطماع انتخابية ليس إلا.أتحدث هنا عن معاينات.
وهل يُترك الحضور لتدبر ما استمعوا اليه من ذكر؟ الأولوية للتدبر السياسي الذي يتقنه ،حد الثمالة،هذا السياسي الذي لا يرى في الدين غير حقوقِ تأليف غير محفوظة لأصحابها.
لا حاجة بي الى التشهير با لفضائح الأخلاقية والسياسية ،لهذا النمط من السياسيين الدينيين ،فهي اليوم على ذكر كل لسان .
لكنني أشهر بكونهم ،بكيفية مباشرة وغير مباشرة،مسؤولين عن التشهير بنا في وسائل الاعلام الدولية،كلما اصابتنا دواهي التشدد والتطرف.
وأشهر بكونهم يضغطون دوما في الاتجاه المعاكس ،حتى حينما تقتنع الدولة المخزنية ،بأن السباحة ضد تيار الديمقراطية ،والحداثة مَهلكة لا شك فيها.
وأشهر بكونهم أصحاب ريع « لامادي » ،لكنه أكثر فتكا بكل الجهود التنموية الحداثية ،التي تؤمن بها الدولة العميقة ،أو تُضطر لها.
وأخطر اسلحتها سكوتُها عن الريع المادي لغيرها ،وهي تراه يسعى في واضحة النهار.
عسى شاعرها ،لو أنصف،يقول: سقف بيتي ليس حديدا،وركن بيتي ليس حجرا،ومعذرة لشاعر المهجر.
الرجل الثالث:
رجل انتصب للخطابة،الوعظ ،وتدريس التربية الاسلامية – من غير قبيل الرجلين الأول والثاني- وهو لا يستحضر أن محاربة التطرف الديني ،ليست شأنا يخص « الشيخين » الحموشي والخيام ،وسائر الجهات الأمنية الأخرى؛بل شأنا يجب أن يولد في فكره وقناعاته ؛محايثا لمضامين خطبه ووعظه وتدريسه.
ومن هنا عليه تحري وتمحيص كل مصادره ومناهله وقواميسه .
وعليه أن يستحضر أنه يشتغل للوطن المغرب الآمن ،وليس للأمة المبهمة والهلامية.
هل يعقل أن تكون قدما الواحد من هؤلاء في خرائطنا ،وفكره هناك بعيدا يسرح مع الاخوان في مصر والسودان وماليزيا ؛وما شاء الله من الدول التي ذكرها الشيخ الريسوني في حواره الأخير مع « البيبيسي » دون أن يكلف نسفه ولو بعض الحديث عن فاجعة وطنه المغرب؛سواء بصفته الشخصية أوالاسلامية العالمية.
أحسن الدفاع عن نفسه وإخوانه في الحكومة ،دون يفكر في مواساة المغاربة في فاجعتهم « الاخوانية ».
لو كان أداء هذا الرجل الثالث في مستوى أداء رجال الأمن ،جدية ومنهجية وصرامة ،لتم تجفيف كل منابع الارهاب ،ولرحل أصحاب الأسمال الى خرائط الاهمال ،حيث لا تتسيد غير الذئاب.
لقد سبق أن قلت ،في هذا المنبر،أن الفعالية الأمنية وحدها لا تكفي ،اذا كانت هناك مؤسسات دينية تفرخ الأجنة والمواليد.
قلت :سيتعب رجل الأمن الأمني ،ان لم يكن له سند من رجل الأمن الديني.
ولم يخفِ الضابط الخيام مثل هذه القناعة في الكثير من تصريحاته.
مررت ذات يوم بجماعة قرب مسجد،وهم يُعْقِبون سلامهم على قادم عليهم ،بقول أحدهم مزهوا وجاهرا: « هاهو فلان جاءنا من الشام ». كان هذا في حَمارة الداعشية.
لا يقبل هذا ولو مزحا.
كفانا من النفاق ،وكفى الواحد منا توظيف معاجم الوطن ،التي نعرف كل مداخلها ؛وعساها تخلص من كل هذا الحرج الذي نعيشه وسنعيشه .
يطحننا طواحين السياسة والدين ،على مدار اليوم ؛من خلال قنوات لا حدود لإمكاناتها المالية.
ويطحننا رجالٌ منا ،كالذين ذكرت.
ويطحننا المتنكرون ،هنا وهناك ،والمتربصون الشامتون ؛وحتى الذين يظهرون من الدين خلاف ما يضمرون.
وحينما صرخت ضيفتانا لويزا ،ورفيقتها مارين ،في أعالي توبقال ،لم تجدا الامام مالك في خريطته .
لقد ذهب مع الريح .
من القادم على الخيمة مشهرا فحولته ونصاله؟
انه امام فقه الدم.
معذرة يا ضيفتي المغرب ؛فقد نامت نواطيره عن ذئابه.
1 Comment
تحية وسلام الاخ
مصباح