من وراء مصرع الكفيف صابر؟ !
مازال كبار المسؤولين ببلادنا، يصرون على الاشتغال بنفس الذهنية التقليدية الرديئة، التي كان يعتمدها رجال الشرطة، بعدم الاستجابة لنداء واستغاثة المواطنين، خلال نشوب معارك بين الجيران وغيرهم في الأحياء الشعبية، ما لم يكن هناك سيلان للدماء (واش كاين الدم؟). حيث أنهم لا يجشمون أنفسهم عناء التفاعل مع مطالب الشعب الملحة إلا في حالة اشتداد الأزمات وتصاعد موجات الاحتجاجات، أو وقوع انفلاتات أمنية أو فواجع مأساوية أو صدور أوامر ملكية…
وعلى هذا الأساس ظلت بسيمة الحقاوي القيادية في حزب العدالة والتنمية الحاكم، ووزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية للولاية الثانية على التوالي، تنتظر فوق كرسيها الدوار بمكتبها المكيف أن يستبد العياء بالمكفوفين ويفضون اعتصامهم، لكنها لم تلبث أن بوغتت بخبر مصرع الشاب صابر لحلوي رحمه الله، إثر سقوطه يوم الأحد 7 أكتوبر 2018 من فوق سطح مبنى وزارتها، بعد أن كان مرابطا ورفاقه هناك منذ يوم الأربعاء 26 شتنبر 2018، متحملين مشاق الجوع والمبيت في العراء. إذاك سارعت إلى إصدار بلاغ باهت لن يعفيها من مسؤوليتها السياسية، تعلن من خلاله عن اعتزام وزارتها باتخاذ حزمة من الإجراءات، ستحرص على إدراجها في مشروع القانون المالي لسنة 2019، بدءا بتنظيم مباراة مع نهاية السنة الحالية، وتطوير خدمات صندوق دعم التماسك الاجتماعي المتعلقة بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة… معتقدة أنهم سيصدقونها، وهم الذين يئسوا من الانتظار وفقدوا الثقة في وعودها العرقوبية.
فما ينبغي أن يعلمه الكثيرون هو أن مشكلة هذه الفئة الاجتماعية المهمشة، لم تبدأ خلال هذه السنة منذ حوالي ستة شهور، حين خرجوا للاحتجاج في شوارع العاصمة الرباط يطالبون بحقهم في الشغل، ولا عندما اضطروا إلى اقتحام بناية الوزارة الوصية، بعد أن أوصدت الأبواب في وجوههم ولم يجدوا آذانا صاغية. بل إن معاناتهم الإنسانية ظهرت مع أول صرخة رافقت ميلادهم بهذا البلد الظالم مسؤولوه. حيث بدأت بحرمانهم من نعمة البصر، ولازمتهم خلال مختلف مراحل أعمارهم، لما يلاقونه من نظرة دونية في الشارع وداخل وسائل النقل والإدارات… ومع ذلك لم توهن عزائمهم الإهانة والإهمال والظلم، وظلوا متمسكين بالأمل ويكافحون بأناة رفقة أسرهم، متحدين الإعاقة وضيق ذات اليد وأشياء أخرى، إلى أن استطاعوا وغيرهم ممن تفرق بينهم أنواع الإعاقات وتوحدهم الآلام والأشجان، تحقيق المبتغى وتقديم نماذج رائعة في الصبر والاجتهاد ونيل أعلى الشهادات العلمية.
واقتحام المبنى الوزاري ليس الأول من نوعه، فقد سبق للمكفوفين أن قاموا مكرهين بنفس الفعل عام 2009، في عهد نزهة الصقلي القيادية بحزب « التقدم والاشتراكية » ووزيرة التضامن والمرأة. مما يؤكد أن محنتهم عمرت طويلا، وأنهم كباقي المهمشين استبشروا خيرا بمجيء أول حكومة ما بعد « الربيع العربي »، يقودها الأمين العام لحزب « العدالة والتنمية » ذي المرجعية الإسلامية عبد الإله ابن كيران، الذي تعهد في برنامج حكومته أمام البرلمان بإيلاء ذوي الاحتياجات الخاصة ما يلزم من رعاية، وتفعيل المرسوم رقم: 00.130.3 المصادق عليه من قبل حكومة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي سنة 1997، الذي تمنحهم مادته الثانية حق الاستفادة من التوظيف بنسبة 7 بالمائة من مجموع المناصب المالية المقيدة في ميزانية إدارة الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.
ومما يستغرب له أن ابن كيران نفسه بدا في مرحلة لاحقة من عام 2015، أكثر تحسرا وعاجزا عن مقاومة دموعه وهو يتحدث عن وضعيتهم المزرية أمام نواب الأمة في إحدى الجلسات الشهرية، معترفا بإخفاق حكومته في معالجة ملف المعاقين، لكنه رحل في الأخير دون أن يبذل أي مجهود يذكر في اتجاه تسوية أوضاعهم.
وجدير بالذكر كذلك أن الوزيرة الحقاوي التي كانت تعارض بشدة تدبير نزهة الصقلي للملف، بادرت فور توليها المسؤولية إلى طمأنة المكفوفين، واعدة إياهم بإخراج قضيتهم إلى النور الذي حرمت منه عيونهم. لكن مع توالي الأيام والشهور والأعوام، تواصلت وحشة الظلام وتبخرت الآمال والأحلام. فقد أجريت عدة مباريات في وزارة التربية الوطنية وغيرها، دون أن يحظى المكفوفون بحقهم الدستوري في الظفر بوظيفة تقيهم شر مد اليد وصون كرامتهم، مما دفع بهم إلى الدخول من جديد في دوامة المسيرات والاحتجاجات والاعتصامات على مدى سبع سنوات، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بانفراج الأزمة، بل تطورت الأمور إلى ما لم يكن في الحسبان، جراء فقدانهم واحدا من خيرة شبابهم المرحوم: صابر لحلوي.
فليس قصر حائط مبنى الوزارة هو من تسبب في موت صابر، بل إنها السياسات الاجتماعية الفاشلة للحكومات المتعاقبة وسائر أعضائها، وخاصة منهم أولئك الذين لا يتقنون عدا لغة التسويف والمماطلة وتوزيع الوعود الزائفة. ترى أين نحن من مقتضيات الدستور والمواثيق الدولية التي التزم المغرب باحترام مضامينها؟ ومتى كانت الإعاقة البصرية أو البدنية عائقا للتنمية؟ أليس من الإجحاف حرمان المكفوف ثانية من إبراز قدراته والكشف عن مهاراته بعد أن حرمه القدر من نعمة البصر؟
إن دم المرحوم صابر، سيظل يلاحق من تسببوا في موته وغيره من الضحايا، الذين تساقطوا كأوراق الخريف في السنوات الأخيرة، بفعل الظلم والقهر والحكرة والتهميش والإقصاء… وعلى حكومة العثماني إن شاءت التكفير عن ذنوبها والخروج من ورطتها، أن تسارع إلى رفع الحيف عن ذوي الاحتياجات الخاصة والوفاء بالتزاماتها حيالهم، بتمكينهم من حقهم القانوني في ولوج الوظيفة العمومية، وتطبيق قانون الرعاية الاجتماعية…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire