البحر ومشكلة الاختلاط بين المرأة والرجل
البحر ومشكلة الاختلاط بين المرأة والرجل
اشتاقت نفسي البحر، فقصدته هربا من قيض الصيف وحر الشمس وطلبا للاستجمام والاستحمام وشم الهواء العليل توجهت إلى مكان قصي لا يبلغه إلا أصحاب المطايا بحثا عن المكان المناسب الذي تتحقق فيه أسباب الراحة والمتعة وكسر الروتين اليومي لأن البحرغالباً ما يرسم في ذهن الإنسان صورة الاسترخاء والتسلية ، فأضحى بذلك ملجأً وملاذا مجانيًا للمصطافين
اخترت مكانا نصبت فيه مظلتي ووضعت فيه سترتي ليس بالقريب ولا بالبعيد عن الأمواج ، كان البحر هادئا يغري بالعوم واللعب في الماء ،ومع توالي ساعات النهار بدأ المصطافون يتوافدون على الشاطئ جماعات ووحدانا على اختلاف أصنافهم وتنوع أعمارهم منهم المقيم ومنهم العابر،جل الوافدين على هذا المكان من إخواننا بالمهجر اختاروا بلدهم الأصلي للتمتع بخيراته ،فمرحبا بهم في وطنهم ، وقليل منهم السياح الأجانب فيهم النساء بلباس البحر لا يكاد يستر شيئا من عوراتهن وفيهن من ترتدي لباسا صنع خصيصا للنساء المسلمات يدعى البوركيني وهي كلمة مكونة من جذعين أولهما « بور » اختصارا للبرقع، وتعني النقاب و الثاني يُحيل على « البكيني »و هو لباس البحر لغير المحجبات وقد أثار هذا النوع من اللباس ردود أفعال مختلفة خصوصا في الأوساط الأوروبية بحيث أعتبره البعض رمزا دينيا يُحيل على الإسلام، بل إنه يُحيل على تأويل معين للإسلام بل هناك من أعتبره ترجمة لمشروع سياسي ضد المجتمع مبني خصوصا على استعباد المرأة مستدلين بشيوع السباحة- بالبكيني- بين مسلمات فرنسا
تقول أهيدا زناتي – مصممة البوركيني وهي أسترالية من أصل لبناني ، إنني غاضبة من الجدل الدائر حول هذا النوع من ملابس السباحة ، فلا يمكن لأي سياسة أن تمنع المرأة من اقتناء البوركيني ،إنه شيء إيجابي بالنسبة للنساء بغض النظر عن الديانة التي يمارسنها فهو يمكنهن من النشاط البدني والذهاب إلى الشاطئ، أنا لا أفهم كل هذا اللغط حوله إنه مجرد لباس للسباحة -c’est juste un maillot de bain وهذا لا يؤذي أحدا ولا يحمل أي إشارة تمييز- ضد أي شخص فحظر الشيء يولد الكراهية –هذا فيما يخص الغرب وخصوصا فرنسا ،أما عندنا فهناك من اعتبر سباحة المرأة المسلمة في الشاطئ أو في غيره من الأمور المباحة شرعاً، ولكن بشرط أن يكون ذلك مضبوطاً بالضوابط الشرعية، وهي ستر المرأة لعورتها،
قال رئيس الجمعية المغربية لفقه النوازل وعضو اتحاد علماء المسلمين إنه يجوز للفتيات والنساء استعمال ملابس السباحة التي تسمى إسلامية ، مضيفا أنه لباس شرعي يَفضُل في كل حال بكثير اللباس العاري الذي تظهر به العديد من النساء على الشواطئ واستطرد في تصريحات للعربية نت بأن السباحة حاليا أضحت من ضرورات فصل الصيف و هذه وجهة نظر صاحبنا محترمة لكنها قابلة للنقاش لأن هناك من يرى بأن المشكل لا يكمن في اللباس بل في الشواطئ المختلطة لذا يجب توفير شواطئ خاصة بالنساء فقط ،يسمح لهن بكامل حريتهن في الاستجمام بدون أي قيود و يحترم الضوابط الإسلامية التي تقضي بعدم الخلوة بين الرجل والمرأة .
قد تتوفر هذه الأنواع من الشواطئ مستقبلا أما الآن فما زال الجنسان متعايشين أمام البحر بالشكل الذي يرضي الطرفين دون التفكير في محاولة إقصاء أحدهما للآخر من المكان والذي مازلت أتردد عليه كجميع رواد البحر في العطل الصيفية ،أحاول جاهدا غض البصر وعدم الالتفات إلى عورات المحارم ولكن الإغراء يدفع الإنسان لأن يسرح بصره في البحر ومَن بداخل البحر
الكل هنا منشغل بمتعة اللحظة والمكان يلاحظ ذلك من خلال الهرج والمرج الذي يبدو على حركات المصطافين وسكناتهم وبالأخص الأطفال منهم ،ولا يبدو عليهم اكتراثهم بما أنا منشغل به ،وبما يقوله الشرع عن هذه اللحظة التي أتواجد فيها أمام البحر فحرية التصرف في الجسد مكفولة بالقوانين الوضعية في البلدان التي تدعي الديمقراطية أما في الدول التي تدعي الإسلام فمازال الكر والفر بين من يناصر وبين من يعادي ،وأنا من كل هذا لا دخل لي فيمن اختار حرية التصرف في جسده حسب رؤيته لواقع الحرية الجسدية، فلِمَاذا أشعر بوخز الضمير تجاه ما يفعله الآخر في جسده وفي ما يناسبه من لباس البحر ؟وهل الجلوس أمام البحر محرم شرعا ؟وهل لدرئ الشبهات ينبغي مغادرة المكان ؟أسئلة أصبحت تؤرقني كلما اقتربت من البحر، سيقول دعاة الطهر والطهارة ،الجالس أمام البحر زنديق أو مارق ،والتهمة الجاهزة لديهم التعايش والتساكن مع من يفضل حرية التعري في الشواطئ والنظر إلى البحر ومن بداخل البحر ،وأنا أقول لهؤلاء ما ذنب الجالس أمام البحر بجوار عاريات كاسيات منبطحات على الرمال ،ولماذا يجب أن يغادر المكان بدعوى التبرج ، فليس هو المتبرج ،إنما هن المتبرجات،الكاسيات العاريات من المسلمات والكافرات .
لا أحد هنا يبدو مهتما بما يؤرقني وبما يقوله الشرع،ولا بما يفتي به المشرع فالبحر موجود في بلاد الإسلام والمسلمين ،فاسألوا إذا أهل العلم في المجالس العلمية إن كنتم ترومون الخبر اليقين ،حلال أم حرام هذا الذي يقوم به المسلم دون غيره من المصطافين؟ ،- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ- قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ/ الأعراف
فالبحر ماؤه طهور وصيده حل ،فلم لا يكون خالصا لنا ولغيرنا بالقسمة العادلة بيننا وبينهم؟ ،فشساعة السواحل في بلدنا تمكن الجميع من نصيبه من البحر وبمن داخل البحر ،وهل باسم الشرع يمكن أن نحرم حلالا لسد ذريعة مبتدعة ؟فقد نهى الله تعالى رسوله الكريم عن تحريم ما أحل الله له – يا أيها النبي لِم تحرم ما أحل الله لك – إذا فلنبحث جميعا عن طريقة ترضي كل الأطراف ويستفيد منها جميع المواطنين والمواطنات الكاسيات والعاريات ،كل يجتهد حسب رؤيته للنازلة بكل صراحة بعيدا عن التشنج والتراشق بالتهم وإذا كان ما يعتقده كل طرف هو عين الصواب ،فعليه أن يبادر بصريح العبارة بالإقناع والاقتناع ، فالبحر يسع الجميع هكذا قال ممثل الشرع الذي أنا خاضع له بالتبعية المُلزِمَة ، فلم الإحراج إذا بما يراه الآخر مناسبا له ؟ فلست ممثل أوقاف ولا رجل دين ولا شيخ من شيوخ الشاشات المصنفة أنا إنسان عادي اشتاقت نفسه البحر كما يشتاق الطفل إلى أمه ،فلا تمنعوا عني شيئا أعشقه ،أنا عاشق البحر ….. وإذا كانت هذه الضجة كلها تخص جنس المؤنث فماذا يقول الشرع عن جنس المذكر ؟ ولِم النفاق والمدارات ،فالمرء في بلد مسلم يرى ويسمع بالفطرة ما هو مباح ومتاح عبر المنابر الرسمية والخاصة ،أليس سيادة الوزير من بارك أحد المهرجانات السنوية بالعاصمة وهو من أفتى في العري والغناء وتحت القبة الخبر اليقين ،والسيدة المناضلة باسم الحزب الإسلامي قبل الاستوزار أرعدت وزمجرت وأمطرت و انتقدت و بعده باركت وهللت نفس المهرجان الذي باركه السيد الوزير ،وإذا فلنبارك جميعا هذا أو ذاك وليكن باسم الإسلام المعتدل الذي يرعاه المسؤولون عن شؤوننا الدينية و الدنيوية ومن يرى غير ذلك فليخرج علينا بما هو مقتنع به وإلا فالساكت عن الحق شيطان أخرص .
MOULILA BENYOUNES
Aucun commentaire