Home»Débats»التهييء لمباراة التوظيف بالتعاقد: سوء تخطيط أم متاجرة بالأمل أم هما معا؟ (في الحاجة إلى المحاسبة)

التهييء لمباراة التوظيف بالتعاقد: سوء تخطيط أم متاجرة بالأمل أم هما معا؟ (في الحاجة إلى المحاسبة)

0
Shares
PinterestGoogle+

سعيـد عبيـد

بعد يوم واحد من نشر مقالِ كاتبِ هذه السطور المعنون بـ » استمرار تعطيل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكويـن: أين المحاسبـة؟ » (06 دجنبر 2017)، وهو المقال الذي أثار فضيحة الشلل شبه الكلي الذي تعرفه المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين منذ قُرابة عام ونصف، حيث لم تُعلن مباراة الولوج إلى المراكز لفائدة هيئة التدريس بكل أسلاكه (الابتدائي والإعدادي والثانوي) إلى اليوم، بل ولم يصدر عن الجهات المعنية أي بلاغ عن مباراة الولوج، ولا عن مباريات التوظيف بالتعاقد التي تنظمها الأكاديميات، مما ترك استياء عميقا لدى الشرفاء من ضمن أزيد من ألف إطار مكوِّن، ممن تسوءُهم حالة العطالة المفروضة على المراكز، مقابل توظيف عدد رهيب بلغَ خمسة وثلاثين ألف (35000) « أستاذ » متعاقد توظيفا مباشرا دون أي تكوين أساس، تماما كما يسوءهم هدرُ المال العام من خلال فرض الوزارةِ المعنيةِ العطالةَ العمَلية القسرية عليهم، رغم أنهم يتقاضون أجورهم كاملة، وكذا فرض التجهيل عليهم، من خلال وأد تجربتهم العلمية والمهنية طول هذه المدة!
قلت: بعد يوم واحد خرجت الوزارة في اليوم التالي (07 دجنبر) ببلاغ إخباري حول « التسجيل القبلي للتعبير عن الرغبة في الترشيح [كذا!] لمباريات التوظيف من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ».ورغم أن البلاغ لم تتصدَّره كلمة اعتذار واحدة (لمنتظريه خاصة، ولمنظومة التعليم كافة) عن هذا التأخر الفظيع الذي سيقتطع مما يُفترض أنه « سنة تكوينية » أسدوسا كاملا – على اعتبار أن « التكوين » المرتقب لن يبدأ إلا بعد عطلة منتصف السنة (5 فبراير 2018)! – أي هدر 17 أسبوعا تكوينيا، بما يساوي قرابة أزيد من خمسمائة (500) ساعةِ تكوين لكل متدرب، بمعدل ثلاثين (30) ساعة أسبوعيا! فإنه وضعَ – مشكورا – نهاية لمأساة انتظار أزيد من ثلاثمائة ألف (300000) طالبٍ مُجاز على أحرَّ من الجمر منذ أزيد ثلاثة أشهر، على صفيح لهيب كثير من الإشاعات لا تنتهي. ومع ذلك لم ينته توجسُ مئاتِ الألوف العريضة تلك التي لا يُحسب لها أيُّ حساب إلا بعد خمسة أيام بلياليها، حين صدر بلاغ صحفي جديد للوزارة بتاريخ 12 دجنبر، ورد فيه تحديد تاريخ المباراة بقوله: « وتتجه الوزارة، بناء على الحاجيات الفعلية من الموارد البشرية التي سيتم تحديدها، إلى تنظيم مباريات توظيف الأساتذة بموجب عقود يومي 9 و10 يناير 2018، تحت إشراف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وبتنسيق مع المديريات الإقليمية ».
وإذا كان مُفارِقا وغريبا أن يُستهلَّ هذا البلاغ بالديباجة التالية: « تنهي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي – قطاع التربية الوطنية – إلى علم الرأي العام الوطني ومختلف الفاعلين التربويين والشركاء، أنها قررت، ابتداء من هذه السنة، الإعداد المبكر للدخول المدرسي، وذلك عبر اتخاذها مجموعة من الترتيبات والتدابير المناسبة، خلال الفترة الممتدة ما بين شتنبر ودجنبر 2017، لإجراء الدخول المدرسي 2019-2018 في أحسن الظروف »! ووجه غرابة الديباجة الفاضح ليس لكون تأخير مباراة التوظيف كلَّ هذا الهول من الزمن – دون مبرر على الإطلاق – يُكذّبها، ويبعث على الابتسامة بمرارة منها فحسب، ولكن كذلك لأن الفترة المشار إليها (بين شتنبر ودجنبر) في نهايتها الفعلية، ولأن تلك المباراة التي كان يُفترض أن تكون في يوليوز 2017، أو – في أسوإ الأحوال عند الاقتضاء الاستثنائي الضروري – في شتنبر التالي، لن تجرى – بنص البلاغ – إلا في يناير 2018!! فيا للعجب، ثم يا للعجب مما لا ينقضي منه العجب!
ما علينا، لنأت الآن إلى بعض جوهر مشكلة التخطيط التي لا ينبغي عزلُ المتسببين فيها فقط، ولكن محاسبتهم قانونيا على ما اقترفوه ويقترفونه في حق التعليم والتكوين مطمئني البال، كأنهم لا يتوقعون محاسبة قط، لأن من يتوقع المحاسبة – بل المتابعة فقط – وربط المسؤولية التي أسندت إليه بها، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر في زمن الأخطاء!
بلغ عدد المسجلين في البوابة الإلكترونية – إلى حدود اليوم – زهاء مائتين وتسعين ألف (290000) مترشح! غير أنك ستصدم حين تعلم أن كل هذا الجيش اللجب من المسجلين لم يُسجل نفسَه إلا تلبيةً للبلاغ، وإلا فهو لا يعلم لا عدد المناصب الشاغرة، لا إجمالا ولا تفصيلا، ولا حاجة الدولة إلى عدد الأساتذة بحسب الأسلاك، ولا بحسب التخصصات، المطلوبة!! أي إنه كالجيش الذي حُشر في الشاحنات العسكرية، وهو لا يعرف اتجاهه، ولا أسلحته، ولا عدوه، ولا حتى أين هو! إنه ليس تسجيلا قبليا البتة، إنها عملية إحصاء للرغبات لا غير، وانتهى، وإلا فما معنى أن يملأ ألفُ (1000) مترشح مثلا خانة رغبة تدريس مادة التربية الإسلامية بالسلك الثانوي في مديرية « الدار البيضاء أنفا »، ليجد حين تُعلن الوزارة عن تفاصيل المباراة أن عدد مناصب التربية الإسلامية للسلك الثانوي في تلك المديرية هو ثلاثة (3) لا غير!! هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما معنى المسمى زورا بـ »التسجيل القبلي » إذا كان بإمكان المسجَّل تغيير معطياته في كل لحظة وحين، حتى إنه يمكنه العبثُ بها عشرات المرات في الساعة الواحدة، بما في ذلك تغيير رغباته (السلك والتخصص والأكاديمية والمديرية)؟ ثم هل ستُؤخذ الرغبات المسجَّل بها حقا بعين الاعتبار بعد إعلان لوائح المناصب؟ إذا فعلت الوزارة ذلك، فسترتكب خطأ مضاعفا فادحا، لأنها عندئذ ستَحْرم عشرات الألوف من مناصب مصيرية ومُستحقَّة، لمجرد أنهم عبروا عن رغبة عملهم بمديريات ما رجمًا بالغيب، ظهر – فيما بعد، مما كانت الوزارة وحدَها تحتكر معرفتَه وقاعدةَ بياناته – أن تلك المديريات لا تحتاج أصلا إلى منصب واحد مما عُبِّر عن الرغبة فيه، سلكًا أو تخصصا!! فقد يُقصى فلان ومعدله الجامعي (14) لهذا السبب الذي لا يتحمل فيه نقير مسؤولية، لأن المسؤولية كلها للّذي حجب المعلومة في زمن المعلومات والحق الدستوريِّ فيها، وبالمقابل قد يُقبل عِلان ومعدله (10) فقط، لأن حظَّه أظهر أن المديرية التي اختارها – خبطَ عشواء – تحتاج إلى عدد كبير من المدرسين في السلك أو التخصص الذي عبَّأه!!
ما معنى كل هذا الخبط؟ ما معنى أن يسجل المترشح نفسه وعشرات الأسئلة الغامضة كالأفاعي تنهش صدره بسبب غموض البلاغ، بلاغ التسجيل، الذي لا هو بـ »البلاغ »، لأن مفهوم « البلاغ » غايةُ إيصال المعنى وإيضاحه، ومنه وصفه تعالى للقرآن الكريم بأنه « بلاغ للناس » (إبراهيم، 52)، ولا هو بـ »التسجيل »، ولكنه مجرد إحصاء؟ إحصاء عام للعاطلين الراغبين في مزاولة أشرف المهن، ومتاجرة بالأمل الخادع امتصاصا للغضب الذي لا يُعالج بالوهم، مع العلم أنه كان بإمكان الوزارة أن تنجز هذا الإحصاء منذ زمن مبكر للغاية، لا سيما أنه لم يتطلب إلا صفحة إلكترونية قديمة (Copyright © 2016) !
إن هذا ليس سُريالية فقط، ولكنه عبث خطير يبيّن إلى أي حدٍّ يتدهور التسيير المركزي للشأن التربوي، لشأن بسيط للغاية يتمثل في التخطيط لتنظيم مباراة لا غير، في غياب كلي للمحاسبة! لذلك أؤكد ما طالبتُ به في المقال السابق من ضرورة تدخل كل الجهات المعنية (النقابات وجمعيات حماية المال العام والقضاء…) للمطالبة بمحاسبة المسؤولين الذين لا يتوقعون حتى أنهم يُمكن أن يُسألوا، ليُستبدلوا بالأكفاء الشرفاء من خريجي جامعات الدولة الوطنية، وما أكثرهم! فلعلّ الدولة – بذلك – توقف هذا القطار المجنون الذاهب بالتعليم العمومي وبنا إلى الهاوية الأكيدة، وتعرب عن حسن نيتها، لعل الثقة فيها وفي حق التعليم وجودته الذي يجب عليها ضمانُه أن يعود إلى أفئدة المواطنين شعاعُ نور من شمسها التي في طريقها إلى غروب – لا قدر الله – مفجع!

====
أستاذ مكوِّن بـ(م ج م ت ت) لجهة الشرق.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبد الله
    20/12/2017 at 16:13

    في صميم الصميم خويا سعيد
    دمت بالقرب وفي وجه العبث

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *