لائحة حصاد في الميزان
أحمد الجبلي
بعيدا عن اعتبار عدم تحمل المسؤولية في أي مهنة من المهن أمرا مخلا شرعا وقانونا وعرفا. فإن ما فعله الوزير حصاد من خلال إقباله على نشر لائحة الغياب لعدد محدود من الأساتذة أي 611 متغيب من بين 220 ألف منضبط ومحترم لحصصه التعليمية المبرمجة أي بنسبة 0.27 في المائة، يعد أمرا غير مقبول نهائيا، بل له انعكاسات محبطة ومن شأنها أن تزيد التعليم انتكاسا وترديا.
فعندما تضع أي إدارة من الإدارات لائحة لتحديد الحضور والغياب وتسمي هذه اللائحة ورقة الغياب، يعتبر هذا خطأ قاتلا في علم التواصل والتفكير الإيجابي، لأنه من المفروض تسمية الورقة بما غلب عليها من حضور فتسمى ورقة الحضور، لا ورقة الغياب مع غياب فرد أو فردين. وهو نفس الفعل الذي كانت تمارسه ولازالت جميع المؤسسات التعليمية إلى الآن، وكأن حصاد، في حقيقة الأمر، من هذا الجانب، تعامل مع رجال التعليم بمنطقهم الخاطئ الذي دأبوا عليه منذ الاستقلال. أي أن جميع المدارس تغلب نسبة الغياب في تسميتها لهذه الورقة حتى مع غياب تلميذ واحد أو تلميذين وحضور الأغلبية الساحقة، بل وتسمى دائما بورقة الغياب حتى إذا حضر جميع التلاميذ ولم يتغيب أي واحد منهم. كما تسمي المؤسسات التعليمية الإذن الذي على إثره يسمح للتلميذ بالدخول إلى القسم واستئناف التمدرس بورقة الغياب وليس ورقة الحضور. أي أن هذا التفكير السلبي يزيد من تكريس الغياب والتشجيع عليه، لأنه كفعل بفضل تكراره يتمركز ويستقر في العقل، فعوض أن يركز التلميذ على الحضور الدائم الذي يرن في أذنه دائما وأبدا، ويصبح فعلا لاإراديا، يتحول الغياب إلى هاجس مستقر في حلم وهدف التلميذ.
وقبل ذكر مآلات خطأ حصاد لابد أن نذكر ابتداء من أن هذه الفئة القليلة التي تغيبت لديها شواهد طبية تثبت ذلك، وإن كان بعضها كاذبا فجلها صادق، ولا يمكن أن نطلب من جميع الموظفين ألا يتغيبوا لأنهم بشر معرضون للعديد من الآفات والعلل، وحتى إذا اعتبرناهم آلات فالآلات نفسها يدركها العطب وتنالها الأعطال.
إن نشر حصاد للائحة الغياب من شأنه أن يحقق نتائج سلبية وخطيرة في التعليم منها:
– قتل ثقة المغاربة في تعليمهم، وتعبئتهم بأن لا ينتظروا شيئا من تعليم أصحابه عبثيون متغيبون.
– نشر لائحة الغياب قد سبقه نشر لائحة بعض المؤسسات التعليم الخصوصي التي عملت على تزوير نقط الباكالوريا، وهو نوع من حصار المغاربة حتى لا يثقوا في أي من أنواع التعليم الموجودة في البلاد، أي هي محاولة لضرب مصداقية التعليم الخاص والتعليم العام، وكان من المفروض أن يتم التعامل مع تلكم المؤسسات المذكورة في التعليم الخاص بنفس الطريقة التي يمكن التعامل بها مع الأساتذة المتغيبين كشأن داخلي يعالج دون إثارة هذه الفوضى والفضيحة.
– بتهويل أمر غياب نسبة قليلة من رجال التعليم، ستتحقق نتائج عكسية وهو انتقام وتدمير رجال التعليم مما سيشل من طاقاتهم وعزمهم، وسيجعل حتى المجتهدين منهم يتراجعون قليلا، أي عوض أن يمدحوا على انضباطهم وجديتهم وإخلاصهم كأغلبية ساحقة، راحت الوزارة تشهر بهم وتتهمهم بالعبث والتماطل والغياب من خلال فئة قليلة، لأن في آخر المطاف، جسم التعليم جسم واحد ما يضر بعضه يضره كله.
– بكل صراحة إن بعض الإدارات لو تم تسريب لوائح غيابها لكانت كارثية بجميع المقاييس. وبذلك وبكل موضوعية ستعتبر نسبة الغيابات في التعليم هي أفضل نسبة مقارنة مع نسب الغياب في جميع الإدارات العمومية التي تزخر بالعبثية والتماطل والغيابات غير المبررة والتستر على الأصحاب والأصدقاء.
Aucun commentaire