البي جي دي ورهانات المرحلة
بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
إن ما يجري من سوء فهم وتقاذف بين الفرقاء وبين الاصدقاء بشأن التطورات السياسية التي يعرفها المغرب، يستدعي الوقوف على المتغيرات الدولية والوطنية علّنا نصل إلى جَسْر الهوة والمضي إلى كسب رهانات حزب العدالة والتنمية والتغلب على التحديات السياسية التي سواجهها المغرب في المرحلة القادمة.
بداية دعوني أسأل بكل موضوعية، هل الظروف التي أوصلت بنكيران إلى رئاسة الحكومة لا زالت قائمة؟ ألم تحدث أي تحولات دولية أو اقليمية أو وطنية؟ لماذا تمكن المغرب في عهد حكومة بنكيران وولاية أوباما من قلب الطاولة سريعا على الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والأمين العام للامم المتحدة بشأن مشكلة الصحراء؟ وكيف يتلكأ اليوم في الرد على قرار مجلس الامن الافريقي القاضي بـ »إعادة فتح مكتب الاتحاد الإفريقي في العيون »، باعتبارها « عاصمة » لدولة عضو في إشارة إلي جبهة البوليساريو؟ ولم انصاع المغرب إلى الانسحاب من منطقة الكركرات الاستراتيجية في الصحراء ؟ وما السر وراء عودة الاتحاد الأوربي إلى عرقلة ولوج المنتوج الفلاحي المغربي إلى أوروبا زمن البلوكاج الحكومي؟ وبعيدا عن المغرب ألم تروا كيف صار أردوغان بدون حليف حقيقي في منطقة تأبى الحرب فيها أن تضع أوزارها؟ وكيف صَعّد الصهاينة في قطاع غزة بإطلاق الأسير « مازن فقها » من أجل اغتياله بدياره وبين أهله؟ بل كيف نبكي ونتحصر على اغتيال الديمقراطية في بلادنا ونهمل تزوير الانتخابات في أكبر دولة ديمقراطية بأساليب عالية التكنلوجيا؟ وغير ذلك كثير مما لا يخفى عن المتابعين الكسالى.
لن أتولى الاجابة عن كل الأسئلة أعلاه، فبعضها يحمل بحد ذاته أجوبة، وقد أثير أسئلة أخرى وأتركها بلا إجابة، غير أن كل هذه التطورات التي تحملها الأسئلة تعبر عن معالم مرحلة جديدة عنوانها الجزر القوي والتراجع على مكتسبات الديمقراطية والسيادة والوحدة، إنها تشير بقوة إلى عودة عالم القطب الواحد حيث التحكم في الدول بالتحكم في الأسواق وتأبيد النزاعات بأفق تجزيء الموحد وتفتيت المجزأ.
بداية أرى في الجولة الطويلة غير المسبوقة للملك في إفريقيا، وإطلاق مبادرة جديدة تروم تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة، وفي التعثر غير المسبوق الذي عرفه تشكيل أغلبية حكومية من قبل عبد الاله بنكيران، إشكالية تتجاوز الخلاف حول دخول حزب أو خروج آخر في التشكيلة الحكومية.
إن السلوك الدبلوماسي الملكي دوليا والسلوك السياسي للفرقاء وطنيا، يدل على السعي إلى خلق ظروف تتيح المرونة الكافية والشروط الملائمة للتكيف مع الوضع الدولي الجديد، بعد فترة من توغل المغرب في افريقيا كاسرا الاعراف الاستعمارية ومتشبثا بالخيار الديمقراطي سياسيا ومحبطا كل التهديدات الارهابية أمنيا. لا شك في أن بلدا بهذه المواصفات ويتلمس سبل النمو يثير حنق قوى الاستكبار العالمي ويزيد في رغبتها بتحجيمه وإرهابه والتحكم فيه.
تواترت مجموعة من الاحداث وطنيا بموازاة البلوكاج ومن نفس الجنس، أذكر منها إغلاق مدارس الخدمة الاسلامية، وحضر البرقع الاسلامي، واعتقال أفراد من شبيبة العدالة والتنمية بتهمة تشجيع الارهاب، وفي هذا السياق خطب أخنوش إبان « البلوكاج » قائلا بأنه لن يسمح بوقوع المغرب في أيدي الظلامية؟ ! فما الرسائل التي تريد الدولة بعثها وإلى من تريد توصيلها؟
إن طول أمد المشاورات الحكومية تأثر أساسا بالخارج، ففي اتخاذ المغرب قرارات سياسية مهمة (العودة إلى الاتحاد الافريقي) وتكثيف استثماراته بإفريقيا بحضور ألوان سياسية يغيب عنها الاسلاميون، وفي غياب تنصيب بنكيران الذي تلقى نبأ فوز « ترمب » بعدم الارتياح، رسالة إلى من عاد اليوم للسيطرة على القرار الدولي(إدارة ترمب)، ولذلك تعزز هذا المسار بإغلاق مدارس الخدمة الاسلامية، وحضر البرقع، واعتقال أفراد من شبيبة الاسلاميين، لتبديد التشويش الذي يصور دولة المغرب متجهة إلى غياهب الأصولية.
وبالرغم من استباق المغرب استعداد للوضع الجديد لم يفلح، إذ مُنِي بتراجعات سريعة في ملف الصحراء وعلاقته بالاتحاد الاوروبي.
وإذا استوعبنا هذا السياق سيصير ما نعتبره تخليا عن الديمقراطية والتفافا على نتائج الانتخابات، انتصارا للخيار الديمقراطي في أحلك الظروف، وفي هذا الإطار تُفهم الرسالة التي نقلها سعد الدين العثماني إلى المجلس الوطني « الملك لا زال يرغب بالعمل مع العدالة والتنمية »، ونقك لغز تصرف العاهل الأردني مع بنكيران بعفوية ومرافقة الأخير له إلى الطائرة، إذ بعدها سيوصل عبد الله الثاني الرسالة إلى السعودية ومنها إلى الولايات المتحدة.
وعند استجلاء هذه المعطيات سيكون من اللازم على حزب العدالة والتنمية مد يده لكسب رهانات الوطن والحزب في نفس الآن، وبات على مناضليه ومتعاطفيه استيعاب قبول الحزب تسيير حكومة لا يتحكم بأغلبيتها، إذ صار كل فعل وطني رسائل توجه إلى الخارج أكثر من الداخل، وفي هذا السياق يشتغل كل فاعل حزبي لتحقيق أعلى المكاسب وتفويت أخطر التهديدات.
ترى هل استحضر الشامتون في العدالة والتنمية كل هذه الأسئلة؟ وهل أدرك الحاقدون على الدولة والراغبون بانهيارها المسار الجديد الذي ترسمه نُخَبُ هذا الوطن؟
Aucun commentaire