التأسيس لثقافة الجلوس مع الخصم
رمضان مصباح الادريسي
موسم الهجرة صوب الروح الافريقية:
لم أرتح – ثقافيا- « ل « البيغ بونغ » الإعلامي المغربي الذي أعقب عودة المغرب الى حومته ،دربه، رفاقه، بيته، ومطبخه ؛ضمن هذه القارة الأم التي نحتل فيها ،جغرافيا، موقع الدماغ من الجسد ؛على أمل أن نثابر جادين ،حتى نصير فعلا عقلا قاريا فعالا ،يساهم في تحقيق الميلاد الافريقي الجديد؛ إيذانا بنهاية النموذج الكولونيا لي الاستعلائي، والانتهازي.
لا خلاف في كون الإنجاز الملكي استراتيجيا ،وحمال رسائل عديدة الى الخارج ،والى الجار الجزائري الذي لم يعرف كيف يُحدث أي نقلة جيوسياسية ،تُقنع بأنه يتفاعل مع التحولات التي يعرفها العالم ،منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ،وتشظي جدار برلين؛ وتجذر الثورة الرقمية، وتمدد جسور التواصل في كل اتجاه.
ان النظر الثاقب لا يخطئ ظهور الجزائر ،أخيرا، بمظهر متدن جدا ؛يكاد لا يستوعب كل دلالات ورهانات عودة المغرب الى موقعه الافريقي ؛تزامنا –ليس صدفة طبعا- مع تباشير نهضة افريقية ،لم يجلس فيها المغرب أبدا على كرسي الغياب.
كل القراءات الجزائربة للحدث اختارت – قصورا – الدخول من بوابة الصحرا ء فقط.
أما القراءات الصحراوية الانفصالية فقد بدا لها أن الزمن للفرح فقط ،بنصر يحمل عنوان:
اعتراف المملكة بما تعتبره حدودا لجمهوريتها القادمة ،على أكتاف -وربما دبابات – الاتحاد الافريقي.
لم ترق القراءتان الى مستوى الرهانات الافريقية الاستراتيجية على التنمية الذاتية ،و التموقع الفعال ضمن قوى العالم الكبرى؛ والقطع مع التشرذم.
هذا السقوط الثنائي (الجزائري والانفصالي )في الفهم والتحليل والاستثمار، يفسر لماذا لازم التخلف ،التصادم ،التشتت – وحتى الارتشاء – الاتحاد الافريقي ؛حتى وقف عاجزا في وجه تصدع وفشل بعض دوله، واندلاع حروب أهلية ،عرقية، حصدت مئات الآلاف من الأرواح الافريقية ؛تفعيلا لألغام استعمارية مؤجلة الانفجار.
منذ خروج المغرب ،مُكرها، من منظمة الوحدة الافريقية لم تنشط الجزائر الا في تعميق الحُفر ،ونَظْم المكاره؛ فهل بهذا يرقى العمل الافريقي ،ويستجمع كل قواه لتحقيق النهضة والاستقلالية؟
هل بهذا يستعيد اللون الافريقي دلالته الذاتية التي طالما تغنى بها « ليوبولد سيدار سنغور »؛ الدلالة التي لا يستمدها من البياض ،لون الحضارة والسيد والنموذج؟
هل يستقيم أن يُضخَّم خلاف محدود – وهو مصطنع طبعا- بين جارين افريقيين ،عربيين ومسلمين حتى؛ ويُتخذ مطية لهدم منظمة دولية كادحة، تكافح من أجل تجاوز كل الاعاقات الكولونيا لية في القارة الافريقية؟
ألم يكن ممكنا تصور جزائر ،راقية سياسيا وأخلاقيا، تخاطب المرحوم الحسن الثاني ،اذ غاضب، ذات تاريخ، منظمة ،يُعتبر من مؤسسيها الكبار:
لا يا ملك المغرب ،ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا ؛وانسحابكم من المنظمة فيه ضرر لإفريقيا ، وحتى للجزائر؟
وبعد عشرات السنين ،وما حبلت به من تحولات عالمية وافريقيه؛ أيظل من الصعب على الجزائر أن ترتقي الى مستوى الحدث لتخاطب ملك المغرب :
بوركت ،والعَوْدُ أحمدُ للقارة ،وكل مشاكلها، وللجزائر ،المهددة دوما في معاشها وأمنها ،وسلمها الاجتماعي؟
لن تقول الجزائر ،طبعا: ان العودة المغربية، في زمن الرهانات الافريقية الكبرى، قادرة على فتح آفاق جديدة، واحداث دينامية قارية تفكك جميع الصعاب ،وتميط الأذى عن كل السبل ،حتى تعبر السابلةُ الافريقية ،ليس بحرا صوب الشمال،كما تنبأ الطيب صالح في سبعينيات القرن الماضي؛بل ثقافيا ،صوب روحها وقيمها وفضائلها.
حدث جلل وجديد، بفرح قديم:
أغلب ما اطلعت عليه من مقالات ،وتصريحات الفرح المغربي بالعودة الى الديار ،لم يتجاوز القاموس الموظف منذ استعاد المغرب كل جنوبه الصحراوي ،واندلاع حروب السنان واللسان.
تم السكوت كلية ،حتى من طرف بعض الجهات الأكاديمية ، على أننا ،وبموجب ما خوطبنا به افريقيا، وقبلناه ووقعناه، سنجلس ،جنبا الى جنب ، مع المطالبين بجنوبنا الصحراوي دولة لهم ؛يقررون فيها مراجعة التاريخ والجغرافية على هواهم.
نجالسهم ،ونحن نعترف لهم – ضمنيا – بما اعترفنا به لسائر دول الاتحاد الافريقي؛ وبصفة خاصة صرنا نحمد لاتحادنا هذا الالتزام بالحدود الموروثة عن الاستعمار.( تصوروا كيف يُحَكم المغربُ والجزائر- رفقة السلاح والقمر ذات كفاح – خرائط المستعمر الفرنسي في رسم حدودهما. البادئ أظلم طبعا.)
توقع الدولة وثائقَ افريقية ،يعلم الجميع محتوياتها ؛لكن الفرح الإعلامي يأبى الا أن يندلع شتاما سبابا ؛ناسيا أنه بهذا ينال من مصداقية الدولة المغربية.
يندلع الفرح « المتوحش » بعيدا جدا عن رسائل العاهل المغربي ،التي تضمنها خطابه بالقمة الافريقية.
يخاطب ملك المغرب الاتحاد الافريقي ، مستنهضا الهمم ،صوب الوثبة السياسية والاقتصادية الكبرى؛ ويأبى اعلامنا ،واعلام الجزائر ،واعلام الانفصاليين ،الا البقاء بين الحفر؛ متسائلا:
من يتغلب على من ؟ من يطرد من؟
أيها السادة بدل هذا يجب أن نؤسس لثقافة مجالسة الخصوم ،في البيت الافريقي الواحد؛ دون أن يعني هذا التفريط ،ولو في كثيب رمل واحد نحوزه حقا تاريخيا خالصا لنا.
نحن نقترح على الانفصاليين، ومنذ سنين، الحكم الذاتي ؛ أي نريدهم طلائع مغاربة، وفق منظور جهوي متقدم اختارته الدولة نهجا لها ،في جميع الجهات. فكيف لا نجالسهم ؛وقد يُصَبِّحوننا غدا بقبول حكيم ،يمتح من الحكمة الافريقية – ان لم أقل الحكامة- المستعادة.
ثقافة مجالسة الخصم لا تعني السلم فقط، لأن القرب أدعى للتشابك بالأيادي.
ومهما يكن فتأسيس ثقافة سياسية جديدة ،تؤطر عودة المغرب الى أهله وحومته أصبح أمرا ملحا.
لا اعتقد أن ملك المغرب قرر العودة الى الاتحاد الافريقي لتأزيم أوضاعه؛ بل أراده اتحادا قويا حكيما ،وفاعلا في رأب كل التصدعات الداخلية والخارجية.
اذا ساهمت عودة المغرب في جبر العثرات الافريقية، وطرد كل الأشباح النفاثة في العقد لتتفكك روابط القارة السمراء وتفشل دولها تباعا ،فستتضاءل كل المشاكل تدريجيا الى أن تطوى نهائيا.
ولنا العبرة في كل تفاصيل الحرب العالمية الثانية، بالقارة الأوروبية؛ وكيف ارتقى الاتحاد الأوروبي الى مستوى تذويب كل المشاكل الداخلية؛ في عنفوان نهضة اقتصادية واحد ة ورائعة .
ويبقى على الجزائر أن تتجاوب مع الحدث المغربي الافريقي ،وتخلص في انتمائها للقارة ونهضتها المنشودة ..
Sidizekri.blogvie.com
Aucun commentaire