هل كان طارق بن زياد إرهابيا؟
أحمد الجبلي
وقف أثنار رئيس وزراء إسبانيا أمام طلاب جامعة جورج تاون الأمريكية ليقول لهم: « أؤكد لكم أن دعم الحكومة الإسبانية للحرب على العراق لها جذور ضاربة في التاريخ منذ أن غزاها المسلمون وإن أول خلية لتنظيم القاعدة في إسبانيا كانت بقيادة طارق بن زياد وليس كما يعتقد القاضي غارثون أن أول خلية للقاعدة يقودها أبو الدحداح التى تأسست في نوفمبر 2001 »
إن كثيرا من التصريحات التي صدرت عن قادة عالميين كدولاند رامسفيلد وزير الحربية الأمريكي السابق، وبوش وقادة إسرائيليون كثر لا تخرج عن المعنى الذي تضمنه تصريح أثنار، ولا تهمنا باقي التصريحات بقدر ما يهمنا تصريح أثنار لكونه إسبانيا جارا شماليا من المفروض أن يكون أكثر معرفة من غيره عن التواجد الإسلامي في الأندلس. وأكثر معرفة بحقيقة المسلمين وأخلاقهم وتسامحهم ووسطيتهم، لأن التواجد الإسلامي في الأندلس شكل أنموذج التعايش والتسامح والرحمة وهو الشيء الذي لم يعرف أبدا في أي بلد يدين بغير الإسلام. وإذا كانت تصريحات الإسرائيليين أنفسهم تسير في منحى أثنار فإن العديد من اليهود لازالوا يقرون بأنهم لم يسبق لهم أن عاشوا في سلام وأمن ومارسوا جميع شعائرهم وسلطاتهم في الدولة واحتلوا مراتب عليا في هرم سلطتها وتصرفوا بكل حرية في معتقداتهم وأموالهم إلا في كنف الحكم الإسلامي، إلى درجة أنهم يطلقون على تواجدهم بالأندلس بالعصر الذهبي.
وما كان لليهود أن يحتفلوا بانتصار المسلمين في معركة وادي المخازن وأثناء احتفالهم يتصدقون ويتوقفون عن العمل ويدعون للخليفة عبد الملك المعتصم بالله، لو لم يكن هذا الانتصار الإسلامي كما يرون خيرا لهم من أن ينتصر الصليبيون البرتغال والإيطاليون والإسبان والألمان والبابا لأن دون سباستيان قد توعدهم بالذبح فردا فردا لكونه قد أجبرهم على التنصير فأبوا ذلك. فاليهود يعون جيدا أن المسلمين لا يرغمون أحدا على اعتناق دينهم لأن إرغام أحد ما محرم شرعا، ولذلك عاشوا عصرا ذهبيا لازالوا يحلمون به إلى الآن إلا من جحد منهم ذلك.
وإذا كان كما يبدو أن أثنار لم يستطع نسيان طارق بن زياد ويعتبره أول من أسس أول خلية للقاعدة، فإنه لا يجهل وإنما يتجاهل بأن أول لقاء جمع بين المسلمين والقوط قبل معركة وادي برباط جنوب إسبانيا كانت مع مجموعة من جنود لذريق (رودريك) والتي قبل أي قتال تكلم الجنود المسلمون فخيروا جنود القوط بين ثلاثة أشياء إما أن يسلموا ويؤمنوهم على أنفسهم وأموالهم، وإما أن يدفعوا الجزية وإما القتال، فالقتال اختاره جنود لذريق بزعامة قائدهم الذي يسمى ( بنشو). فكانت هذه الحادثة هي الشرارة الأولى التي دفعت بلذريق لينزل من الشمال في جيش عرمرم قوامه 100 ألف جندي وأكثر من سبعين بغلا محملين بالحبال بنية اعتقال هؤلاء الشرذمة من العرب المسلمين كي يبيعهم في السوق.
إذن فالمسلمون دخلوا فاتحين ناشرين لدين الله، ولهذا بعد انهزام لذريق في معركة وادي برباط فتحت إشبيلية أبوابها دون قتال فلم يتم أي اعتداء ولا أي قتل أو ضرب بل حافظ الإسبان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم في حياة عادية جدا بل واستحسنوا الحكم الإسلامي لما أذاقهم لذريق الانقلابي، الذي انقلب على ملكه الأسبق غيطشة واستولى على أمواله وضيعاته، من العذاب الشديد وإثقال ظهورهم بالضرائب والمكوس.
إن الإسبان الأحرار العقلاء حينها اعتبروا بحق الدخول الإسلامي للأندلس عبارة عن تحرير من الظلم والطغيان والجبروت الذي مارسه لذريق، فعاشوا في كنف الإسلام ما لم يحلموا به أبدا من حيث الرخاء والأمن والعدل والحرية والدين فاحترمت كنائسهم وعاداتهم وألبستهم وأكلهم وشربهم، وقد دخل أكثرهم الإسلام عن طواعية لما رأوا فيه من تسامح وحقوق وأمن وأخلاق ما لم يروه في غيره من الأديان.
فكيف يمكن اعتبار طارق ابن زياد الذي لم ينهب ثروات الإسبان، ولم يغتصب امرأة، ولا قطع شجرا، ولا فجر كنيسة، ولا ألغى دينا أو شريعة، ولا قتل مدنيا صغيرا كان أو كبيرا رجلا كان أو امرأة، هو من قاد أول خلية للقاعدة؟
إن الإجابة الوحيدة هي أن الغرب لازال صليبيا في تفكيره بالتالي لن يرى في المسلمين سوى أولائك الهمج الرعاع المتعطشين للدماء وهم في نظر الغرب دائما كذلك ماداموا متمسكين بدينهم، فلا داعي إذن للمغالطات فالدين الإسلامي عندهم يساوي الإرهاب، ولكن أكثر حكام العرب المسلمين لا يعلمون.
Aucun commentaire