أنواع الأشباح في الإدارات العمومية VIDEO
أنواع الأشباح في الإدارات العمومية
محمد شركي
استرعى انتباهي خبر صدور أمر من والي الجهة الشرقية إلى رؤساء المصالح بالكشف عن الموظفين الأشباح ، وذلك بموافاته بلوائح تضم أسماءهم، استجابة وتفعيلا للتعليمات الملكية السامية التي تضمنها خطاب افتتاح دورة البرلمان الجديد الأولى، والتي نصت على ضرورة خدمة الإدارة للمواطن . ولقد كان من المفروض أن يكون أمر السيد الوالي منذ زمن طويل لأن أخبار الموظفين الأشباح في بعض الإدارات هي على الدوام حديث الرأي العام . ومعلوم أن الشبح وهو من فعل شبح بمعنى ظهر ومثل ، فهو موجود يرى، ولكن لا تنكشف هويته. وقد يرى الإنسان شبحا ويتأكد ويستيقن من وجوده ،ولكنه لا يتبين بدقة هويته. وجرت العادة أن تطلق صفة شبح على كل موظف محسوب على إدارة من الإدارات العمومية ،وهو يتقاضى مرتبا دون أن يقوم بمهمته أو وظيفته . ويعرف موظفو الإدارات العمومية حق المعرفة الأشباح أو الشبوح الذين يشاركونهم الانتماء لتلك الإدارات دون أن تسند لهم مهام بعينها . وغالبا ما يثير هؤلاء الأشباح تساؤلات حولهم: كيف صاروا أشباحا ؟ ولماذا ؟ ومن صيرهم كذلك ؟ وهي أسئلة قد تجد أجوبة لها ، وقد تظل معلقة دون أجوبة . وتختلف الشبحية ، ويتعدد الأشباح في الإدارات العمومية : فمنهم من لا يظهر ،ولا يرى ،وهم في حكم الجن ، ولا يعلم بهم إلا من له اطلاع على لوائح الموظفين ، فهم يدخلون في إحصاء الموظفين الذي يرفع إلى مختلف الوزارات ، ولهم ملفات تحتوى على وثائق، وقرارات، وشواهد ،وترقيات ، وتعويضات …ولا وجود لهم في الواقع . وقد تكون لهؤلاء علاقة قرابة أو صداقة مع جهات ذات سلطة ونفوذ يحابيها رؤساء المصالح، ويتوددون إليها من خلال السكوت عن معارفها من الأشباح .
وقد تصدر أوامر من جهات عليا للسكوت عن هؤلاء الأشباح . وقد يجعل رؤساء المصالح في مختلف الإدارات العمومية من أقاربهم وخصوصا الزيجات والأبناء والبنات والأخوات… أشباحا طالما ظلوا رؤساء لتلك المصالح . ومنهم من يظهر ويختفي، ولا يعلم أهو موظف في إدارته أم مخبر سري يتجسس ويراقب موظفي تلك الإدارة ؟ ومنهم من يحسب على إدارة ،وهو يعمل بغيرها دون سند قانوني من إعارة أو إلحاق من أجل مصلحة عامة . ومنهم من يستغل انتماءه البرلماني أو الجماعي أو النقابي ليتحلل من وظيفته بذريعة التفرغ ، وربما تكون رغبته في الانتماء البرلماني والجماعي والنقابي هي التملص من قيامه بواجب يتقاضى عليه أجرا من المال العام ، ويصير بذلك شبحا من نوع خاص . ومما يساعد على الشبحية من هذا النوع وجود تشريع التفرغ المشجع عليها ، فأي قانون هذا الذي يسمح للبرلماني أو لرئيس الجماعة أو لممثل النقابة أن يكون شبحا في الإدارة التي ينتمي إليها بذريعة التفرغ ،علما بأن هؤلاء لا يكونون على الدوام في شغل برلماني أو جماعي أو نقابي ؟ ألا يوجد قانون الإيداع الذي يمكن هؤلاء من ممارسة مهامهم البرلمانية والجماعية والنقابية دون أجر حفاظا على المال العام ؟ ألا يتقاضى البرلمانيون أجرا على برلمانيتهم و مع ذلك يحتفظون بمرتباتهم في وظائفهم الأصلية ؟ أليس في ذلك هدر للمال العام . ومن أكثر الأشباح انتشارا في الوظائف العمومية أشباح يحضرون باستمرار في مقار أعمالهم ،ولكنهم لا يسلكون خيطا في مخيط كما يقال، بل يجعلون من مكاتبهم شبه مقاه أو مقرات لتجاذب أطراف الحديث ، وتصفح الجرائد اليومية أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي عبر حواسيب الإدارة أو ممارسة الألعاب الإلكترونية فيها ،وفي هواتفهم الخلوية الذكية، وتبادل الرسائل الإلكترونية مع معارفهم، وأغلبها رسائل النكت والمستملحات . ومن شر الأشباح في الإدارات العمومية أشباح يلتحون بلحى ، ويجهزون مكاتبهم بسجاد للصلاة، ومصاحف، وسبحات ، ويطيبونها بأعواد وأبخرة الطيب ، و يؤمون الموظفين في قاعات الصلاة ، ومنهم من يقضي في تلك القاعات من الوقت أكثر مما يقضيه في مكتبه ، ولا يفتحون ملفا ، ولا يؤدون عملا ، ويأكلون السحت ، وهم يعلمون .
وقد تظل أجهزة الحواسيب الإدارية تصدح بتلاوة القرآن ومحاضرات العلماء في مكاتبهم ، وقد يجتمعون في مكتب معين للاستماع إليها، كما يجتمع غيرهم من الأشباح لممارسة الألعاب الإلكترونية والتندر بالمشاهد الطريفة . والغريب أن المتظاهرين بالتدين من الأشباح ينكرون ذلك على هؤلاء ،وهم يأتون منكرا لا يقل عن منكرهم ،بل هو أشد من منكرهم لأنه يكون باسم الدين والتدين . ومن الأشباح أشباح الصهوات الذين لا يقر لهم قرار ، و لا يترجلون من سيارات الدولة ، وهم في سفر مستمر كلما سأل عنهم سائل قيل له إنهم في سفر للقيام بمهمة . ومنهم من لا يقنع بركوب السيارات داخل الوطن، بل يطير على متن الطائرات خارجه بذريعة القيام بالواجب . ولا يكتفي هؤلاء الأشباح بهدر وقود سيارات الدولة بل يسودون دون خجل ملفات التعويضات عن السفر وتعويضات الإقامة . ومن هؤلاء من يجعل شغله الشاغل نقل الزيجات إلى مقار أعمالهن إن لم يكن أشباحا أو كن يعملن في مؤسسات خاصة أو يمارسن أعمالا حرة ، أو نقل الأبناء إلى مدارسهم ، أو السهر على تجاراتهم أو مزارعهم ، أو إدارة مشاريعهم الخاصة . ومن الأشباح أشباح المقاهي الذين يسجلون حضورهم في الإدارة لبضع دقائق ثم يلتحقون بمقاهيهم لاستهلاك وقت العمل المؤد ى عنه. وهناك أشباح يشغلون مناصب شاغرة لم تكلف الإدارة من يشغلها دون أن يقوموا بواجبها أو ليسوا مؤهلين للقيام بذلك . وهناك أشباح وأشباح لا يعلمهم إلا الله عز وجل . فعن أية أشباح ممن ذكرنا يتحدث السيد والي مدينة وجدة ؟ وإذا تم رصد الأشباح الذين لا يحضرون إلى مقار أعمالهم ، فكيف يرصد غيرهم من الأشباح الذين يحضرون ولا يشتغلون وهم كثر ؟ وهل يعلم السيد الوالي أن بعض رؤساء المصالح يعانون الويلات لمجرد كشفهم النقاب عن الأشباح الغائبين عن مقار عملهم ، أو لمجرد تنبيه ومحاسبة أشباح يحضرون بأجسامهم ولا يقومون بواجبهم ؟ والأدهى من ذلك أن يتعرضوا لأنواع التهديد من طرف رؤسائهم إن هم حاولوا استئصال داء الشبحية بكل أنواعها من الإدارات التي يشرفون عليها . وأخيرا نتساءل كيف يمكن وقاية المواطن من آثار الشبحية المتنوعة في كل الإدارات خصوصا مع غياب أجهزة المراقبة الفاعلة والجادة والصارمة في بعض القطاعات ؟ ونأمل أن تكون الرغبة صادقة في جعل الإدارة في خدمة المواطن ، وأن ينتهي زمن الشبحية التي تهدر إمكانيات البلاد ، وتستبيح المال العام الذي يستخلص من جيوب المواطنين.
Aucun commentaire