إغلاق باب التوظيف و فتح باب جهنم
كل وزراء الحكومة تحدثوا و قرروا إغلاق منافذ التوظيف و أبوابها في جميع الوزارات،و جعل السد بين التكوين و التوظيف،و الدعوة إلى إنشاء مقاولات خاصة أو البحث عن عمل في القطاع الخاص، لأنه القطاع الذي يدر على الدولة إيرادات و مداخيل، بخلاف التكوين و التوظيف الذي يثقل كاهل الخزينة بالإنفاق، ذلك ما صرح بعه رئيس الحكومة مرارا.
و هذا المنع يطال كل أشكال التكوين ابتداء من الجامعات و مراكز التكوين التربوية و المعاهد العليا و المدارس العليا،و في جميع التخصصات ،الطبية و القانونية و الأدبية و السياسية و الاقتصادية و الهندسية بشعبها المختلفة و …الكل في سلة واحدة و لمصير واحد؟
إذا كانت الحكومة تشجع الشباب على البحث عن عمل في القطاع الخاص فهي تعلم جيدا أن الخواص في بلادنا لا يؤدون أجرا مناسبا للعمل المبذول،و العامل مهدد في كل وقت بالطرد و مستغل إلى أقصى حد لا إنساني،و المؤسسة الخاصة غير المواطنة دائما يضعها مالكها في حالة إفلاس و يطرد عمالها، حتى يتهرب من الضرائب.ناهيك عن هضم كل حقوقهم القانونية و المالية.بخلاف الدول الغربية، التي يفضل فيها المواطن هناك، العمل في القطاع الخاص و الهروب من القطاع العام لأجره المنخفض.
لا أهمية في نظر المسؤولين أن الدولة أنفقت على الأطر في تحضيرها و تكوينها الشيء الكثير من أموال الأمة،فالصناديق العالمية المقرضة هي التي تتحكم في المسؤولين و تشير عليهم ما يجب اتخاذه من قرارات لا وطنية و لا معقولة و لا تصب في مصلحة الوطن و لا المواطنين، و خاصة ذوي الدخل المحدود منهم،أما الأثرياء فلا خوف عليهم و لا يحزنون.
قد جعلوا التعليم استثمارا فاشلا و فاسدا في نفس الوقت،رغم ما أنفقت في سبيله من أموال طائلة من عرق المواطنين .وحولوه إلى تجارة كاسدة رغم أن التعليم هو القاطرة الوحيدة نحو الرقي و التقدم و التطور.
إن الوزراء، رغم وضوح الشمس في النهار الصيفي أن التعليم هو رئة المجتمع و شريانه الأساسي، إن ذهب إلى الإفلاس ذهبت الأمة إلى الهاوية يرون أن التعليم قطاع لا ينتج الثروة،بل يستهلكها.
ما هو عليه الغرب و الأمم تطور و تسابق في اخذ مكان بين الأمم المحترمة عالميا هو اتخذها قرارات الاستثمار في التعليم المنتج،وهو قرار استراتيجي كقرار الدفاع عن الوطن. إن التعليم استثمار استراتيجي على المدى المتوسط و البعيد(انظر ما كتبه محمد عابد الجابري في كتابه:من اجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية و التربوية.مطبعة دار النشر المغربية 1977)،فرغم أن الكتاب يعود إنتاجه إلى 40 سنة مضت فلا زالت كثير من الحقائق موجودة إلى الآن. كاعتراف الدول الغربية أن التعليم و المدرسة هي المكان المقدس لانتهاج الباحثين في العلوم النظرية و التطبيقية و العلوم المعيارية كالعلوم الإنسانية ،و الآداب: من الروائيين و الشعراء و المسرحيين و الكتاب و الرسامين و الموسيقيين،كلهم وجه واحد للنهضة و تعبير عن رقي المجتمع.فالتطور عندما يحدث يمس جميع العقليات و جميع المبدعين و المخترعين و المكتشفين….انه استثمار تمس نتائجه و آثاره جميع المواطنين…
الدول لا تصنع التقدم و التطور بساكنة لا تعرف القراءة و لا الكتابة و لا تؤمن بقوة العلوم ،و تعيش بالشعوذة و التفكير الخرافي الأسطوري.
عندما يغلق المسؤولون أبواب المدارس،و يعتبرون المدرسة بأنواعها العليا و المتخصصة عالة على الخزينة و استثمار غير منتج للثروة،و لا يحقق ربحا، بل مجرد مجال لهدر المال .إن من يفكر بهذا المنطق إما انه فاقد لقواه العقلية أو جاهل أو انتهازي أو منافق أو يشكو من قصر النظر أو تنعدم فيه الروح الوطنية،و ليس له وعي بالمصلحة الوطنية،أو أنه في سبيل المصلحة الخاصة عازم على اتخاذ قرارات تأخذ الوطن إلى جهنم.
ها هي الدول الغربية و أمريكا و كندا تمد الأيدي إلى هذه الفئة من العقول المغربية المكونة من اجل إدماجها في محيطها الاقتصادي،و تقترح تأشيرات دائمة الاستعمال مع إمكانية للتجنيس، كما تقترح لهم امتيازات مالية في المنحة و الأعمال الإضافية التي يمكن للطالب و الطالبة جني أموال إضافية (بعض الدول سمحت للطلاب العمل 20ساعة أسبوعيا).دون الحديث عن فتح الآفاق في التكوينات العلمية المختلفة العالية الجودة،مع أجور و مستوى عيش و احترام ومعاملة إنسانية و امتيازات، لا توفرها له الدولة التي تربى في أحضانها، بل كل ما تفعله الحكومات أن ترميه إلى سلة المهملات و الضياع و التشرد كبطالي chômeur وكإنسان منعدم القيمة؟
الوزراء في الحكومات لا يعاملون أبناءهم الحقيقيين كأبناء الشعب الذين يشربون من البحر.الوزراء كفقهاء المشرق الذين يدعون الشباب إلى الجهاد ليقتلوا و يقتلوا، بينما أولادهم في المال و خيرات آبائهم ينعمون و يتنعمون(حرام عليهم و على أبنائهم الجهاد حلال على أولاد المسلمين).كذلك الوظائف السامية وذات الأهمية و المهمات القيادية حلال عليهم و على أولادهم وأولاد الأثرياء و الأغنياء، و حرام على أولاد الفقراء والموظفين و الأجراء…
إنها الحكومة التي تحكم و تتحكم في رقاب الناس و مصائرهم و أرزاقهم، و تعاملهم كبضاعة أو كمواد أولية (أهلا بعملتنا بالخارج) قابلة للبيع و التسويق و السمسرة ،بما فيها الفتيات المغربيات اللواتي يصدرن بعقود للعمل في البيوت و المقاهي و الفنادق و المطاعم و المواخير الخليجية،و السمسرة في السياحة الجنسية في النساء و الأطفال و الشباب،كل بثمن…انه المغرب بلد الانفتاح الاقتصادي والحريات بكل أنواعها،الحلال منها و الحرام…
سيأتي يوم يخلو فيه الوطن من مواطنيه الشباب المتعلم والأطر العليا من الباحثين و المفكرين،وإذ ذاك هل باستطاعة أية حكومة مغربية أن تصنع التقدم و التنمية مع ساكنة بلغت الجهل والعجز و الشيخوخة؟؟
العالم الغربي يرحب بالأطر المغربية الشابة و من العالم الثالث المتعلم،و تضع في خدمتهم كل المغريات المادية و المعنوية، حتى تساهم في تعويض السكان في مرحلة الشيخوخة وهم بأعداد كبيرة،و حتى تحافظ على وتيرة النمو السريعة.
أما الوطن فيكفيه أنه جعل كل شيء للبيع: البحر و البر و الشجر و الحجر و البشر،و غدا الهواء و الماء والسحاب و المطر و أشعة الشمس؟
وغدا سيتحول الوطن إلى مستودع و مدفن لنفايات الغرب:اسبانيا الآن تقترح على الحكومة المغربية مالا مقابل استقبال نفاياتها، و هذا ما ستقدم عليه كل البلدان الأوروبية أن تجعل المغرب موطنا لمزابلها، فهي تعرف حاجة الحكومات المغربية إلى المال.ومن أجل المال تفعل كل الحكومات المغربية كل شيء مباح و محرم و مضر للإنسان و الحيوان و الغطاء النباتي.
تعلمنا في المدارس أن » من فتح باب مدرسة أغلق أبواب سجن » ومن يبحث عن إغلاق أبواب المدارس فانه ينوي فتح أبواب السجون، هذا هو منطق التفكير…
فأغلقوا باب التوظيف و المدارس و افتحوا أبواب جهنم.و لتنعموا أنتم وحدكم في خيرات الوطن…
و بيعوا الإنسان لمن يريد الشراء، فكل شيء يباع في سوق البشرية …ذلك ما عبر عنه المطرب و الموسيقار المغربي عبد الوهاب الدكالي في أغنيته ذات الشهرة داخل وخارج الوطن….
انتاج صايم نورالدين
Aucun commentaire