« قراءة مغايرة » لنسبة المشاركة في الاتخابات
اذا ما ابتعدنا عن لغة « النجاحات » و « الاخفاقات » و الارقام المنتقاة بعناية، فان القراءة العميقة لنتائج انتخابات الرابع من شتنبر2015 تعطينا رؤية عن المسار السياسي في المغرب،فهذه العملية التي مرت في اجواء اقل ما يقال عناها انها متشنجة،حيث تبودلت كل الشتائم و النعوت،و تم تحميل القاموس السياسي مصطلحات و مفردات غريبة،و اتهم فيه الكل بالفساد و شراء الذمم و تشويه السياسة …ابانت عن نسبة مشاركة يمكن قراءتها على النحو التالي:
أولا:اعلنت وزارة الداخلية ان نسبة المشاركة فاقت 53في المائة،الامر الذي تفاعلت معه العديد من التحليلات و اعتبرته انجازا و تقدما ملموسا يمكن البناء عليه.و الحال ان هذه النسبة تخفي العديد من الحقائق،فالذين يقارنونها بانتخابات 2009 يتناسون ان الانتخابات الحالية جرت في ظل دستور جديد و في سياق ما بعد الحراك العشريني،و التحولات المحلية و الدولية،و بالتالي يمكن ان تكون محطات ما قبل 2011مرجعا يمكن ان نقيس عليه التقدم.
ثانيا:الانتخابات الجماعية تقترن بالقرب و القبيلة و العرق و الخدمات المباشرة،و بالتالي تستجلب غالبا مشاركة قوية لانها في العادة تقام بدون افق سياسي، وهذا ما يستدعي ان تتجاوز نسبة المشاركة فيها 70في المائة على الاقل كما حدثت في فرنسا و ايران و تركيا مؤخرا،سيما و ان السياق المغربي لا زال تحت ثقل القبيلة و الدم و العار و القسم و شراء الذمم،و هذا يعني ان النسبة المعلن عنها تبقى ضعيفة.كما انه من المستغرب ان البعض يقارن بين نسبة المشاركة في المغرب و نسبة المشاركة في دول اخرى ، متناسيا ان نسبة المشاركة في البلدان الدموقراطية يتم احتسابها من مجموع السكان الذين يحق لهم التصويت و ليس من بين المسجلين،و هذا بالضبط ما دفع وزارة الداخلية الى التمسك بالتصويت بناء على قاعدة بيانات اللوائح الانتخابية و ليس على قاعدة البطاقة الوطنية ،حيث يخشى من التحول الى التصويت على قاعدة البطاقة الوطنية ان تكتشف فيها حقيقة نسبة المشاركة.
ثالثا:نسبة المشاركة المعلن عنها لا تشمل الا المسجلين في اللوائح الانتخابية(حوالي 15 مليون) اما الذين اختاروا عدم التسجيل او لم يبالوا به،فهم لا يدخلون في نسبة المشاركة، اي ان حوالي 8 ملايين مغربي من الذين يحق لهم التصويت غير مدرجين في نسبة المشاركة.
رابعا: نسبة المشاركة المعلن عنها تشمل القرية و المدينة، وهذا يستدعي التوقف قليلا،فالتصويت السياسي غالبا ما يقع في الحواضر الكبرى التي استطاعت تدمير اواصر القرابة والعرق و القبيلة، وتضم كتلة كبيرةمن الناخبين يصعب التاثيرعليها بالاموال،اما المجال القروي و الشبه حضري فهو يخضع لمنطق اخر غالبا ما يكون بعيدا عن ثقل السياسة،بل تتحكم فيه العناصر القبلية و الاموال المشبوهة و غيرها من الممارسات التي اضحت معروفة،و بالتالي اذا ما اردناان نبحث عن نسبة المشاركة التي نكون من خلالها تصورا سياسيا فيجب ان نقوم بذلك على مستوى المدن المتوسطة و الكبيرة.فمثلا لو اردنا ان نسقط هذا المنهج على مدينة الدار البيضاء لوجدنا ان اغلب مقاطعاتهالم تسجل الا نسبة قليلة لاعداد المصوتين(ما بين 26 و 28 في المائة) و حتى اذا ادخلنا المناطق المحيطة بها في الحساب فان نسبة المشاركة المعلن عنها هي 32 في المائة،و هذا يعني أن 68 في المائة من المغاربة فضلوا عدم الذهاب للتصويت،فضلا عن الذين رفضوا او لم يتسجلوا اصلا.
ما يستفاد من هذا التحليل ان المدينة الاكبر في المغرب التي تضم نسبة كبيرة من الطبقة المتوسطة ،و عددا كبيرا من المنقبين و المسيسين، و تعرف نسبة متعلمين اكبر،و تشكل محضنا تاريخيا للحركات الاحتجاجية المسيسة،فضل فيها المواطنون اختيار عدم الذهاب الى التصويت لاسباب متعددة ليس هذا مجال عرضها. الامر نفسه يمكن ان نقوله عن مدن اخرى كمراكش التي عرفت نسبة مشاركة ضعيفة(مقاطعة المنارة مثلا تضم اكثر من 200 الف مواطن يحق لهم التصويت و لم يسجل فيها الا 120 الف و لم يصوت فيها الا 36 الفا)أو مدينة طنجة التي صوتت فيها حوالي 293 الف ناخب،بينما هجر حوالي 700الف مواطن مكاتب التصويت (معلوم ان هذه المدينة كانت اكثر المدن احتضانا لحركة 20 فبارير).
خامسا:نسبة المشاركة المعلن عنها تفتقد الى عنصر مهم وهو عدد الذين صوتوا و عدد الذين ابطلوا اصواتهم،وهذه الارقام لها دلالات كبرى،فمعرفة الذين صوتوا يعطينا فكرة حقيقية عن عدد المشاركين نسبة الى عدد السكان،حتى تتضح نسبة التمثيلية و معرفة عدد الاوراق تعطينا فكرة عن السلوك الانتخابي.فصحيح ان الغاء الصوت لا يعبر من خلاله صاحبه عن موقف سياسي حيال اللعبة السياسية برمتها.الا ان ارتفاع اعداد الاوراق غير المعبر عنها يطرح العديد من الشكوك خاصة في المكاتب التي لا تتوفر فيها الاحزاب على مراقبين او لا يوجد فيها مراقبون مستقلون،مما يفتح المجال للرفع المتعمد من نسبة الملغاة بهدف زيادة نسبة المشاركة،و هذا ما تم تسجيله في انتخابات 2011 التي سجلت اكثر من مليون بطاقة ملغاة من ضمن 6 ملايين ،وهو رقم مرتفع و مبالغ فيه،صحيح ان الارقام كلها اضحت متوفرة على موقع وزارة الداخلية،لكن هذه الارقام لا تبرز اثناء الاعلان عن نسبة المشاركة،لان من شان ذلك ان يؤثر على التوجه العام حول اظهار التقدم الانسبي في نسبة المشاركة.
سادسا:اذا كان البعض يشكك في ان الذين قاطعوا الانتخابات لم يفعلوا ذلك من منطلق سياسي او عن وعي،ورغم عدم توفر اصحاب هذا الراي على معطيات ميدانية تؤكد رايهم،فان المؤكد ان نسبة كبيرة من الذين يصوتون في الانتخابات لا يفعلون ذلك من منطلق سياسي بل منهم من يحفزه المقابل المالي(و هذا باجماع كل الاحزاب المشاركة التي اقرت بوجود المال الانتخابي). ومنهم من ينجر وراء القبيلة ،ومنهم من يتحكم فيه الخوف خاصة و ان الخطاب الملكي حذر المواطنين من مغبة عدم التصويت بدعوى انه لا يحق لهم الاحتجاج اذا لم يشاركوا،و هو الخطاب الذي سيجد له اصداء داخل دواليب السلطة المحلية،ويتم تنزيله بالطرق المشروعة و غير المشروعة.
سابعا:لا بد من التوقف كثيرا عند نسبة المشاركة المرتفعة في الصحراء ،فهل هذه النسبة تعبر حقيقة عن الواقع الصحراوي؟و هل اللوائح الانتخابية تضم جل المواطنين؟و اذا كانت نسبة المشاركة في الصحراء بهذه الكثافة لماذا يسارع المغرب الى تنظيم الاستفتاء حول الصحراء مستغلا هذا » الالفاف القوي » حول المؤسسات السياسية كما يقول الخطاب الرسمي؟
يمكن الخلوص الى ان نسبة المشاركة المعلن عنها تبقى عامة من دون تفاصيل، فهي لا تعطينا فكرة عن اعمار الذين صوتوا و لم تميز بين المدن و لم تبين اتجاهات الفئات المتعلمة و الطبقة المتوسطة و الاوساط العمالية و الشباب العاطل، ومن المعلوم ان هؤلاء هم من يرفع من نسبة المخاطر المجتمعية و يقلل منها في التجارب الديموقراطية ،فاذا ما تم تسجيل مثلا ان الشباب بقاطع العملية الانتخابية و ان نسبة المعطلينكبيرة في صفوف الممتنعين عن التصويت فان نسبة المخاطر المجتمعية تزداد، وتصب في نهر الحركات الاحتجاجية و تقدم لها مبررات اضافية.وهذه الحركات هي التي تؤثر في السياق السياسي ،و التجار التي تثبت هذا القول موجودة سواء في الماضي او في الحاضر.فاذا كانت الانتخابات عنوانا للرضى ورغبة في مواصلة المسار فانها ايضا ترسل رسائل سلبية،على الفاعل السياسي ان يدرسها و يعالجها قبل فوات الاوان و تضيع الفرصة السياسية.اما الاختباءوراء الارقام المنتقاة بعناية فهو لن يسهم الا في ايهام الناس اولا و تضليل الشارع ثانيا.
عبد الرحيم العلام استاذ باحث في العلوم السياسية
Aucun commentaire