ماذا بعد عُمْرَة ويكيليكس الرقمية؟
رمضان مصبا ح الإدريسي
توطئة:
» في أسطورة الدكتور فاوست،التي ظهرت في أشكال مختلفة على مر القرون؛يعقد بطل الرواية صفقة مع الشيطان ،تجري من خلالها مقايضة روحه ،لقاء الحصول على المعرفة والملذات الدنيوية غير المحدودة ..(وصولا إلى السعادة القصوى ،كشرط للنهاية المأساوية)
في عصرنا هذا ،عندما نُغير عمليات تفكيرنا لاستخدام الانترنيت ،والأجهزة وقواعد البيانات المتصلة بها ؛كامتداد لعقولنا،ندخل في نوع من صفقة فاوستية حاسوبية ،في العالم الافتراضي للانترنيت . ومع ذلك إذا لم نُحَسِّن ضمانات الخصوصية والأمن ،فإننا قد نخاطر بقيم أغلى وأثمن بكثير من ثروات الدنيا الفانية. »
آل غور: المستقبل ،ستة محركات للتغيير العالمي.سلسلة عالم المعرفة ع423
ص:109/110
في تسريب كان مقداره سِتين ألف نَمِيمَة:
وانه لمُوسِع نمائمه السعودية ،كما يَعِد ،وصولا إلى نصف مليون. لكن لمن تُقرع الأجراس؟
على مدى أيام وأنا مُقيم مع « الهاكر » الكبير « جوليان أسانج » – أوقل أكبر نمام أنجبته البشرية إلى يومنا هذا- في خرائطه الأخيرة التي اختار لها – لأمر ما – أن تشتغل على تضاريس المملكة العربية السعودية ؛التي نعرف والتي لانعرف؛بعد أن أقام،منذ سنين، مناحة ديبلوماسية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية؛ لاتزال تبعاتها تلاحقه إلى اليوم ؛حيث يوجد بسفارة الأكواتور بلندن؛لاجئا سياسيا تطلبه حتى السويد؛لكن، فقط، بتهمة اغتصاب جنسية.
وهل له ،اليوم،وهو الكفء رياضيا وبرمجيا،اهتمام آخر ،خارج اغتصاب قواعد البيانات الدولية؟ وهل له من شغل خارج عولمة النميمة؟
أسانج اليوم ،ومؤسسته ،يتربعان على الأنفاس الخفية للدول ؛تستهويه ،بالخصوص ، الكريهة منها ،لأنها تصنع الفتنة،في هذا العالم الافتراضي الجديد،الذي يشتغل خارج العالم المادي الذي عمر ملايين السنين.
ألح علي ،في خرائط النميمة هذه، صداع الأجراس وأسئلتها ،أكثر من الوثائق المسربة؛وهي تتراوح بين طلبات السماح بالزواج لسعوديين من أجنبيات- وهذا مقحم على أركان النكاح الشرعي – ومتابعات للشأن السعودي، في الشأن الإيراني.
وأغلب ما بين هذه وتلك رغبات لمؤسسات وأفراد،إعلاميين وسياسيين ووعاظ، في ذَهب « زَيْ الرُّزْ » كما تلهف الرئيس السيسي ،وهو يقطع لسان الرئيس المُغيب مرسي؛لأنه تجرأ وأذن فوق كرسي الرئيس جمال عبد الناصر، الذي شهد مصرع الرئيس المؤمن السادات ،ذي الغرة المكتحلة سجودا.
لماذا اختيار المملكة بالذات ، في هذا الظرف العربي الكارثي؛الذي أفضى بنا إلى وضع مفارق ،نَحِن فيه إلى الديكتاتور العربي؛ونتمنى لو لم يُشنق في العراق؛ولو لم يُقتل ويُرمى في الخلاء الليبي،تتخطفه الضباع؛ولو لم يُخلع ليصبح رئيسا لقطاع الطرق في اليمن؛ ولو لم يُصفع على قفاه، إذ فكر في مُلك الكنانة لابنه .
ونتمنى لو لم تَنخر الأرَضَة ُعرشه في سوريا ؛كما فعلت مع نبي الله سليمان.لو دامت له القامة الممشوقة ،وفصاحة اللثغة، لَلزِم ملايين السوريين مدنهم وبلداتهم،بين أشجار الزعرور والفستق الحلبي.
وكدت أضيف إلى كل هؤلاء الدكتاتور الهارب ،لولا شمس الأمل التي تسطع في تونس.
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا***وحسب المنايا أن يكن أمانيا
صدقت أبا الطيب،وصدقت في الدوي الذي تركته لنا ،حتى لم نعد ننتج و نسمع غيره ؛ولو استغشينا ثيابنا، وأولجنا أناملنا العشر في آذاننا. حتى الله أكبر المُفجِّرة والمُدمِّرة كرهنا سماعها ؛لأنها شُبهت لهم لفظا ،وليست هي هي.
الله أكبر،نعم ؛لكن كُفّوا دماركم ودعوه،جلت قدرته، يتدبر ملكه الأرضي،كيف يشاء؛كما يتدبره ،ومنذ ملايير السنين،في مجرات الكون كله ؛السعيدة بعدم وجودكم فيها . إذا مجتكم الأرض فلن تقبل حتى السماء غسل جرائمكم.
لن نُصدق وكيليكس ولو صدق:
ليس دفاعا عن مملكة تبدو،إراديا، في شغل – بمكانتها الدينية وثرائها -عن البناء الديمقراطي للدولة؛مما سيكون له ،لو تحقق، انعكاس على محيطها الخليجي والعربي كله؛في اتجاه إعادة ترتيب كل الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية ؛خصوصا في هذه المرحلة المفصلية التي تمر منها المنطقة العربية ،دون أن تكون مآلاتها بكامل الوضوح إلا في منمنمات هؤلاء الكبار ،المتلاعبين بالعقول ،قبل الخرائط.
ليس دفاعا عنها ،وإنما عن دورها الاستراتيجي في الحد من الطموح الإيراني ،الذي لم يعد يخفي خريطة فارس الكبرى القادمة من عمق التاريخ الساساني لتقتص من هؤلاء الذين لا يُصلون بسينية البحتري،التي أعادت – ذات شعوبية- بعث إيوان كسرى من أطلاله ؛وكأنه طائر الفنيق الخرافي.
إن إيران التي دخلت القرن العشرين بالمحراث الخشبي،كما قيل، تغادره بمفاعلات نووية ؛لا يملك الغرب المُباغَت،الكسول في مادة التاريخ- عدا تاريخ إسرائيل – إلا أن يغري ساستها وعلماءها بعطل طويلة ،مدفوعة الأجر.
مع التمكين ،في المنطقة العربية السنية والشيعية، لكل ما يقطع أوصالها ،تحت أي مسمى ؛حتى يحقق التشيع الإيديولوجي السياسي كل أجندته ، بسلاسة ؛وبأموال عربية.
دهاء بني الأصفر – وليس محبي آل البيت كما يزعمون- الذي انحنى لعواصف القرون، لينتصب واقفا يمد خطواته العملاقة حيث يشاء.ولو إلى طنجة بوابة البحرين،ومدينة ابن بطوطة.
جوليان أسانج الإيراني:
هل نصدقه – ولو صدق في تتبع وديان المال النفطي السعودي – وهو ينقل حرب الحوثيين على الشرعية المعترف بها دوليا في اليمن ، إلى الشابكة الرقمية ،لتخترق دفاعات وزارة الخارجية في الرياض ؟
هل نصدقه ،وهو أبعد ما يكون عن الموضوعية ،في عرض الوثائق المسربة: يركز ،بكيفية مثيرة، على الشأن الإيراني،المشتغل عربيا وسعوديا . يتوقف ،غير ما مرة،عند العلاقة المغربية السعودية ؛ليغير بوثائق يَفترض أنها أكثر إثارة للشقاق : المملكة السعودية تعترض على العرض الخليجي( القطري) بانضمام المغرب الى المجلس.
المملكة السعودية متوجسة من حكومة الإسلاميين في المغرب. وزير الخارجية سعود الفيصل أميل إلى الطرح الجزائري في قضية الصحراء المغربية. المملكة السعودية تقيس علاقاتها مع موريتانيا بالمحرار المغربي….
لسنا بحاجة إلى « كابلات » أسانج لنعرف بأن المملكة المغربية تشكل ثقلا سنيا في شمال إفريقيا ،و العديد من دول جنوب الصحراء.بل إن رسالة المرحوم الحسن الثاني إلى الإمام الخميني لم تكن مما يُسرب فقط؛لأنه أعلنها مدوية:
دونك مائة مليون من السنة في شمال إفريقيا ؛إن وُفقت في رسم الهلال الشيعي في المشرق.
كل شيء كان واضحا بكيفية مذهلة في ذهن باني المغرب الحديث؛والاتحاد ألمغاربي ؛وان لم يَرشُد بعد للنزال « الشيعي » القادم. وعساه يفعل قبل فوات الأوان ؛حتى لا يُلعن الصحابة الكرام،وأمهات المؤمنين، في مساجد الإمام مالك.
وحتى لا نرى من يبكي لموت الإمام الحسين ويضحك حينما تشطر أجساد العراقيين والسوريين – حتى لا أقول السنيين- في مذابح الحشد الشعبي التي لا تقل وحشية عن مذابح داعش.
وعليه فهل نصدق « الهاكر أسانج » وهو يدعي أن مؤسسته غير ربحية ؛في الوقت الذي يكشف فيه عن تآمر كبير ،ضد استراتيجية المملكتين -ولو متباعدتين في أمور عديدة- في صون ما تبقى من خريطة عربية آخذة في التآكل؟
هل يفهم الهاكر في تاريخ الصراع السني الشيعي ،أم أوحي له، أن اعتمر فهو موسم الهجرة صوب الحجاز المقاتل؟
ماذا تعني « الفاوستية » في كل هذا؟
لم ننتبه في عالمنا العربي أن الشرط الفاوستي متضمن في شابكة رقمية لم تشبك فقط بين كل عُصَيبات العقل العالمي، وتمدداته في عالم الذكاء الاصطناعي ؛لتتركنا بعدها أحرارا نفعل ما نشاء بدولنا وشعوبنا؛نعيث فسادا -وحتى إصلاحا لكن على هوانا- في قيم غدت كونية ،وفي حقوق للإنسان غدت عالمية ،وفي حريات مكتسبة أمميا؛ سال على جوانبها الدم الإنساني ،عبر حقب التاريخ.
لم ننتبه إلى أن تفسيرنا لهذا التاريخ ،وللدين أيضا، لا يمكن – ولا ينبغي له- أن يكون مقبولا من طرف كل عُصيبات الشابكة الآدمية العالمية والذكاء الاصطناعي. ومن هنا اختلال الشرط الفاوستي، لأننا اقبلنا على متع التواصل الآني الإنساني – وهو لا يتحقق حتى لملائكة الأديان- وفاضت علينا معارف الكون، وأسكرتنا السعادة الشيطانية حد الثمالة ؛إلى درجة نسينا معها أن أوان زفاف أرواحنا إلى الشيطان قد آن.
لم نعد نملك إلا الخضوع للشرط الفاوستي ،لأن الامتناع يلزمنا بمغادرة الشابكة العالمية، والصوم المعرفي ،وتحريم السعادة البشرية ؛ثم تفكيك دولنا الى قبائل وعشائر تستعيد حروب داحس والغبراء ،تمهيدا لفتوحات أخرى ،وصولا إلى داعش الحمراء .
لن يوقف أحد عولمة النميمة على طريقة جوليان أسانج. حتى رؤساء فرنسا وألمانيا ،وغيرهم،لم يُمكِّنهم كلُّ التلاحم الاستراتيجي مع ما يسميه « آل غور » شركة الأرض، والعقل العالمي ،من الإفلات من قبضة هذا المارد الكبير.
يبقى أن نلعب اللعبة كاملة،في اتجاه المواطنة العالمية ؛وبكل الشفافية المطلوبة ،حتى لا نترك شغلا لنمام عالمي.
لايمكن أن نواصل التصلب ،وحتى الغزو،لنخسر ،في النهاية كل شيء.
mesbahramdane@yahoo.fr
Aucun commentaire