الجنرال الهامل يغير على دولة الرجاء
رمضان مصباح الإدريسي
فجأة،وفي لحظة انتشاء الشعب الجزائري الشقيق بانتصار كروي ،غير منتصب القامة؛رَقَّت الجزائر العسكرية ،وبصفة خاصة جزائر الجنرال الهامل،الذي لم يعد يعرف من أين تهب الرياح، فريق الرجاء المغربي الى مستوى دولة؛وحملته كل أوزار فشلها في ملعب الأمم المتحدة،وحمَّامات مجلس الأمن ؛حيث يتعرى الجميع ليظهر على حقيقته.
وعليه ،فما جرى ،إذ أغارت شرطة الهامل على جمهور الرجاء،الموكول إليها حمايتُه ،غير مُوقرة حتى طاقمه الإداري والصحافة المغربية المرافقة له؛لا يمت بأي صلة إلى الزمن الكروي الذي تمتع به الفريقان والجمهوران.
إن الانتصار ،في الكرة وغيرها،يولد البهجة ؛ارتخاء أو توترا لذيذا- كل حسب طبعه – فمن أين العنف الشرس؛حد الهجوم » المُزروط » و الكاسح على جمهور فريق منهزم،محدود العدد،في حماية الشعب المضيف ،قبل الدولة ؟
« مكان َيا جملُ حُييت يارجل »:
مرت الحبيبة عَزَّةُ ،المغاضبة لحبيبها ،بجمله فحيَّته،إيذانا منها بالصلح؛ولما كان الجمل لايقبل تحية إلا من ناقة،لم يرد.
يتدارك الشاعر كثير سوء أدب جمله فيقدم له النصح الآتي:
حيَّتك عزةُ بعد الهَجْر وانصرفت *** فحيَّ ويحك من حياك ياجملُ
ليت التحية كانت لي فأرددها *** مكان ياجملُ حُييتَ يارجلُ
لم يكن أمر « دولة الرجاء » ،إلا كأمر هذا الجمل الذي حَمَّلته الحبيبة ،بعد جفاء، تحية لحبيبها.
كان مجرد فريق كروي ينجز مع فريق « سطيف » حلقة من برنامج رياضي ليس من وضعه ،تدبيرا ،زمانا ،ومكانا. أما الجمهوران,غير المتكافئين عددا،وليس أخوة، فقد كانا يمارسان الفرجة البكر التي لم تطمثها عفاريت السياسة ؛ويعرف الغاوون ألا شرود عنها ،طيلة تصبب العرق الكروي.
بعيدا ،في استوديوهات الأمن الجزائري ،بكل أصنافه المدنية والعسكرية؛ وهي استوديوهات مفتوحة على كل جروح الشعب الجزائري،القديمة والحديثة- بما فيها التربية على كراهية الجار- كان الجنرالات،وهم لا يرون في الكرة سوى دين بدون نبي،لايُشَرِّع غير التطهير النفسي للشعب؛ يحللون مقابلة أخرى، و يعيدون للمرة الألف سؤال:
أي رحم حمل هذه الهزيمة الأممية التي سكنت عظامنا ،وما فتئت تفرخ في شباكنا إصابات تترى؛
كلما بدا لنا أن الصحراء استوت ،ازَّيَنت ،تدللت ثم نَشَزَت ْ ؛ولم تبق سوى تفاصيل الرحيل، والتحفيظ في اسم المحيط الأطلسي الجزائري؟
لم تكن الإصابات الكروية التي هزت الجمهور لتُنسي الجنرالات، رؤساء الجزائر- مادام الحَكَم الأول في أرذل المرض- في إصابات ،عرف مجلس الأمن كيف يحبكها ،ويلقي بها في وجه تجار تقرير المصير :
الإصابة الأولى: توصبف قضية الصحراء بالمأزق الذي يتطلب حلا سياسيا.طبعا هو مأزق للجزائر وليس المغرب الذي يوجد على أبواب المرحلة التنموية الثانية لصحرائه؛بعد أن أكمل المرحلة الأولى بنظام وانتظام .و يتضمن خطاب الحل السياسي أن المغرب في خريطته وله وحده اختيار النهج التدبيري الذي يرتضيه لمواطنيه.
القول بالحل السياسي يفجر كل مخازن السلاح التي تتوهم جبهة البوليساريو أن بِها بقية صلاح ،توصل الى العيون.
الإصابة الثانية: الحديث الأممي المفرح( في تقرير مجلس الأمن الأخير) عن اتحاد المغرب العربي .
حديث عن دوله الحالية :المغرب،الجزائر،تونس ،ليبيا وموريطانيا. لا مكان لأي ظل خارج أشجار هذه الدول.هل تحتاج الجبهة الى معجم لتفسير المفسر؟ نعم تحتاج لهذا المعجم لفهم أمن الساحل: ماذا يعني لمجلس الأمن،وهو يتعاور قضية الصحراء ويقلبها كل مقلب .
لقد ساهمت الجزائر،ولو بكيفية غير مباشرة ،في الهشاشة الأمنية بهذا الساحل ؛وبصفة خاصة شمال مالي؛وقد تعرضت لهذا في مقالات سابقة. لقد راهنت على تربية التوحش الديني والتهريب التجاري والبشري، لتكثير سواد البوليساريو ؛وخلق منطقة مضطربة تختلط فيها كل الأوراق ،لدفع المجتمع الدولي إلى نصرة الانفصاليين كأخف الأضرار، لصد الأضرار الكبرى.ولا بأس أن تشرب المملكة البحر ،وهي ترى حقوقها التاريخية والجغرافية تداس أمميا.
اليوم ينقلب السحر على الساحر ،ويصبح أمن الساحل – فعلا -مطلبا أمميا ،كما أرادت الجزائر،لكن ضد رغبتها في فرض الأمر الواقع على المغرب. هكذا يضغط أمن الساحل على من أشاع فيه اللاأمن.
وإذا أضفنا الى هذا كون البوليساريو لم تشتك ،ولو مرة واحدة من جماعات إرهابية وتهريبية تحاذيها – مما يصحح مقولة »الطيور على أمثالها تقع » – تنكشف لنا كل أبعاد هذا الحرص ألأممي على أمن الساحل؛في ربطه بقضية الصحراء.
الإصابة الثالثة: إفراد مقترح الحكم الذاتي المغربي بتوصيف اختيرت له ألفاظ دبلوماسية بأعالي وأسافل ؛كما قال الأعرابي وهو يستمع الى القرآن لأول مرة.ويقابل هذا ذكر مقترح البوليساريو(10 أبريل 2007) « حافيا » كخبز شكري.السكوت الأممي عن الوصف –هنا- أبلغ من الكلام.
الإصابة الرابعة: مأزق حقوق الإنسان في الصحراء، من جنس سحر الهشاشة الأمنية في الساحل الذي انقلب على الساحر .الجغرافية الحقوقية التي يرسمها مجلس الأمن تغطي حتى مخيمات لحمادة بتندوف؛ حيث ينتصب أكبر وأقدم سجن مفتوح
على وجه البسيطة. سجن لايذكر سوى بمحاجر النازية وأفرانها .ولكل ناشط حقوقي –حتى في مجال الحيوانات- أن يتصور كيف قضى الصحراويون المحتجزون أربعين صيفا،أربعين شتاء،وكيف حلموا بملايين الأحلام ،في بؤس صحراوي مطبق.
لتتضح لنا الصورة التي جمع فيها مجلس الأمن بين حقوق الإنسان ،عندنا وعندهم في المخيمات،نستعيد حكاية عون الخدمة لدى الباشا،الذي سُئل عن راتبه فأجاب متندرا: » أنا والباشا نربحومليون ». انه مأزق حقيقي لادخل للمغرب في حبكته.
الإصابة الخامسة: التكرار الغني بالدلالات لمطلب تسجيل اللاجئين الصحراويين. هل يعقل أن يولد ل »اللاجئين » أطفال يرثون اللجوء طبعا،ويُعمرون أربعين عاما ،دون أن تفكر دولة اللجوء في تسجيلهم،وتمكينهم من كافة الحقوق التي تضمنها لهم القوانين الدولية ؟ وإذا علمنا أن هذا « اللجوء » تتقاضى عنه الجزائر أموالا ومساعدات ،فهل نفهم شيئا آخر خارج استثمار الممانعة والتدليس والغبن الحقوقي في مراكمة ثروات شخصية « على ظهر تقرير المصير »؟
الهامل في حالة شرود:
يركب شروده ليحط بملعب الكرة ؛لم تعد الإصابات السطيفية تهمه ،ولا حتى انتصار الفريق الوطني إن حصل.
ينتبه الى الجمهور الجزائري عساه يسمع سِبابا واحدا بطعم الصحراء. لا أحد يفكر خارج الكرة ،عدا فريق الجنرالات.
يتساءل غاضبا :ألهذا الحد يُهمِل الشعب الجزائري قضيته « الوطنية » الأولى، ويشيع الود في ملعب توجد به دولة الرجاء القادمة من الصحراء؟
تستعيده عبارات جلسائه المزمجرة ،وثرثرة الهزيمة الأممية،ويقتنع ألا مناص من فعل شيء ما لتأليب الشعب الجزائري على فرحة المغاربة ،ولو منهزمين كرويا.
يضغط على زر الحقد الذي يحمله في صدره كقلب ثان ؛ثم يتابع في شاشات الكراهية استئساد شرطته على مغاربة عزل
يعرفون الرجاء أكثر مما يعرفون الصحراء .والبقية يعرفها الجميع.
ويظل المغرب في الصحراء, والرجاء في البيضاء ؛ولو كره جنرالات الشقاء المغاربي.
لقد وصلت تحية الشعب الجزائري للشعب المغربي ؛وأكرم بها من تحية مغاربية بادرت بتفعيل قرار مجلس الأمن الذي انهزمت الجزائر في ملعبه.
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire