الشغب الرياضي من منظور أمني
عبدالله بيداح:
الشغب الرياضي من منظور أمني
عميد شرطة ممتاز بولاية أمن أكادير: هذه هي خطة المؤسسة الأمنية للتعامل مع ظاهرة الشغب الرياضي
« يتطلب تأمين مبارايات البطولة الوطنية لكرة القدم تسخير 120.000 شرطي (بمعدل يومي يصل إلى 3365 رجل أمن و454 عنصرا لكل مباراة) فيما تستدعي مقابلات الديربي ومباريات القمة نشر ما لا يقل عن 2000 شرطي »
أضحى الشغب الرياضي ظاهرة مجتمعية قائمة الذات ومعطى واقعيا يتكرس بملاعبنا ومحيطها بوتيرة متزايدة خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة جديدة ودخيلة على ممارستنا الرياضية أفرزتها مؤثرات خارجية كالعولمة، ولها مسببات أخرى أيضا تتداخل فيها الأسرة والمدرسة ووسائط الإعلام (مواقع التواصل الاجتماعي) ومدى جاهزية وملاءمة المنشآت الرياضية وكذا الوضعية الاجتماعية التي تغدي الجموح التلقائي للجماهير من أجل التعبير عن رفضها لواقع معين.
فقد تحولت المنافسات الرياضية في بلادنا من مناسبات احتفالية للاستمتاع والترفيه وللترويح عن النفس لا يتطلب تدبيرها سوى إجراءات تنظيمية خفيفة، إلى مواعيد يحسب لها ألف حساب، يتطلب التحضير لها تدابير استثنائية وإجراءات أمنية ولوجيستكية مكلفة ومعقدة؛ مما يجعلها تشكل تحديا جسيما بالنسبة لكافة المتدخلين لاسيما الجهاز الأمني.
في هذا الإطار نورد مداخلة عميد الشرطة الممتاز بولاية أمن أكادير « الدروي الطيبي »، ضمن فعاليات الندوة التحسيسية التي انعقدت يوم الجمعة 27 فبراير المنصرم بقاعة العروض بنيابة وزارة الشباب والرياضة بعاصمة سوس، والتي نظمها فرع أكادير للرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين تحت شعار « ظاهرة الشغب بالملاعب الرياضية: الأسباب والعواقب وسبل الحد منها » بمشاركة مجموعة من الأساتذة والباحثين والمهتمين.
نص المداخلة:
أود أن أتطرق في مداخلتي هاته إلى المحاور التالية:
· المبحث الأول: مقومات خطة المؤسسة الأمنية في التعامل مع ظاهرة الشغب الرياضي
1) الجانب التكويني أساس للتقيد بالمرجعية القانونية والحكامة الجيدة :
في إطار مواكبة المستجدات القانونية ومند صدور قانون الرياضة (80-30) والقانون 09-09 المتمم لمجموعة القانون الجنائي والمتعلق بالعنف المرتكب أثناء المباريات أوالتظاهرات الرياضية أوبمناسبتها، فتحت المديرية العامة للأمن الوطني مجموعة من أوراش التكوين المستمر لتأهيل أطرها وموظفيها في المجال القانوني لا سيما في ما يتصل بالتطبيق السليم لمقتضيات القانون 09-09، علاوة على تنظيم دورات تكوينية في المجال النفسي ينشطها أساتذة متخصصون في علم الاجتماع وعلم النفس لتمكين الكفاءات الأمنية من فهم دقيق لسلوك المتفرج خاصة عندما ينصهر في جماعة من الجماهير والأسباب المتحكمة فيها وبالتالي إيجاد أساليب ناجعة ومرنة للتعامل بحكمة مع الحالات الجامحة والطائشة مهما كانت درجة حدتها.
2) إحداث بنيات شرطية متخصصة في المجال الرياضي :
تعززت الممارسة الأمنية بالمغرب بإحداث بنيات شرطية مركزية وغير ممركزة تتمثل في قسم الأمن الرياضي التابع لمديرية الأمن العمومي والخلايا الأمنية التابعة له بمختلف المدن. مهمتها تتبع التظاهرات الرياضية وفق مقاربة علمية تتوخى الدقة وجمع الإحصائيات وإنجاز دراسات تحليلية لمختلف الظواهر المرتبطة بالفرق المنافسة والبنيات التحتية الرياضية مع تحديث أساليب المعالجة والتتبع لسلوكات الجماهير. وكل التقارير المعدة من طرف هده الوحدات يعتمد عليها عند وضع الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنافسات الرياضية المرتقبة بالتنسيق مع باقي المتدخلين.
3) توفير الوسائل البشرية واللوجيستيكية لتأمين التظاهرات الرياضية :
تشكل كل مباراة رياضية إشكالية أمنية كبيرة تحتاج لمخطط عمل استباقي ولتحضيرات أمنية مكثفة واجتماعات تشاورية وتنسيقية بين مجموعة من القطاعات الحكومية والأمنية فضلا عن تسخير مجموعة من الموارد المالية والبشرية واللوجيستيكية المهمة. فلنا أن نتصور كم هي مكلفة أعباء مباراة رياضية واحدة؛ هدا إن جرت في ظروف اعتيادية دون حوادث، أما إن اختلفت الأجواء وسجلت أعمال عنف وشغب وإلحاق خسائر مادية بالممتلكات فالكلفة تتضاعف مرات ومرات.
فبلغة الأرقام، وعلى سبيل المثال لا الحصر ،تلعب على مدى 30 يوما في السنة التي تجرى فيها مجموع منافسات الموسم الرياضي للبطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم، 240 مباراة (دون احتساب كأس العرش)، وهذا يتطلب تسخير 120.000 شرطي لتأمين هذه المباريات؛ أي بمعدل يومي يصل إلى 3365 رجل أمن و454 عنصرا لكل مباراة، مع العلم أن مقابلات الديربي ومباريات القمة تستدعي نشر ما لا يقل عن 2000 شرطي. هذا الانتشار الهائل لعناصر الأمن يتطلب أيضا تسخير أسطول كبير من الوسائل اللوجيستيكية المتنوعة كالسيارات والحافلات لنقل الحصيص والوقود وأذونات الطرق السيارة ومصاريف الإيواء وتعويضات التنقل ونفقات خفر الكلاب البوليسية وفرق الخيالة.
لو افترضنا أن مبارياتنا الرياضية تجرى في أجواء عادية وسلسة خالية من أية مخاطر، فهده الكلفة الباهظة كان أجدر أن تخصص لمكافحة ظواهر إجرامية أخرى أو أن تستثمر في مجابهة تحديات أوتهديدات أمنية أكثر تعقيدا وخطورة.
4) الانفتاح على الفاعلين والمتدخلين في تنظيم التظاهرات الرياضية :
ويتجسد هدا الانفتاح عبر فتح قنوات التواصل والتنسيق الأفقي والعمودي مع جميع الفعاليات التي تتدخل في الممارسة الرياضية خاصة : الأندية – مصالح وزارة الداخلية – المجالس المحلية المنتخبة – مصالح وزارة الشباب والرياضة – الجامعات الملكية المغربية لمختلف الرياضات – فعاليات المجتمع المدني…
فاعتبارا لكون الممارسة الرياضية لا يستقيم حالها إلا بتظافر جهود كل المتدخلين فيها، فإن تدبيرها على الوجه المطلوب يتطلب التنسيق وتبادل الخبرات والتشاور في إطار مندمج ومتكامل، فالتعاطي الأمني الصرف مع الشغب الرياضي لا يمكن لوحده أن يقضي على الظاهرة لأن المنظومة الرياضية متشابكة وكل فاعل يكمل عمل الآخر.
5) الانفتاح على وسائل الإعلام :
يعتبر الفاعل الإعلامي لبنة أساسية في بنية الممارسة الرياضية من خلال مواكبته للمنافسات وتحليلها وتقريب المشاهد والمستمع من الأجواء العامة التي تجرى فيها، علاوة على دوره التحسيسي والتوعوي في تكريس الأهداف الرياضية النبيلة ونبد أساليب العنف والتعصب والشغب والتشجيع على مبادئ الروح الرياضية السمحة.
واعتبارا لهدا الدور الحيوي حرصت المديرية العامة للأمن الوطني على فتح قنوات التواصل الدائمة مع المنابر الإعلامية خاصة منها المتخصصة في المجال الرياضي، حيث تجسد هدا الانفتاح على سبيل الدكر لا الحصر في ما يلي:
· احتضان المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة المناظرة الأولى حول العنف المرتكب بمناسبة وأثناء التظاهرات الرياضية يومي 11 و12 /06/2013.
· المشاركة في برامج إذاعية وإجراء مقابلات تلفزية وصحفية للتعريف باستراتيجية المديرية العامة للأمن الوطني في محاربة شغب الملاعب، علاوة على نشر ملفات صحفية ومقالات وتحاليل ومواد إخبارية لها علاقة في الموضوع.
· المساهمة في الندوات واللقاءات التواصلية التي تنظمها المؤسسات الإعلامية ومختلف المنابر الصحفية.
· تنوير الإعلام الرياضي بجميع المعطيات التي تهم الجوانب الأمنية للتظاهرات الرياضية.
6) التواصل مع الجمهور الرياضي :
تعتبر الجماهير من أهم المكونات التي تؤثت المشهد بالملاعب والمنشآت الرياضية وتضفي عليها رونقا وجمالية، ودورها حاسم في التحفيز على المنافسة والتباري بالنسبة للفرق إذ تدكي الحماس في نفوس اللاعبين كما تعطي شحنة حيوية تساعد أطراف اللعبة على بدل المزيد من المجهودات لكسب الرهان.
غير أن الملاحظ أن جماهيرنا وإن كانت تتكتل على شكل فصائل (LES ULTRAS) فإنها لحدود الساعة تفتقد التنظيم والتأطير والهيكلة الجيدة، ما يجعلها غير منضبطة ولا تتوفر على ميكانيزمات الضبط الداخلي رغم المجهودات التي يبدلها زعماء الفصائل لتربية منخرطيها على الولاء والطاعة والالتزام بمبادئ التشجيع الرياضي السليم من كل الشوائب بعيدا عن كل أشكال العنف والشغب والتخريب والتمييز.
ومساهمة منها في الرقي بالتشجيع الرياضي إلى المستوى المطلوب تحرص المديرية العامة للأمن الوطني على التعامل مع هدا المكون الأساسي وفق استراتيجية تنبني على المرتكزات التالية:
· التواصل والانفتاح اليومي على مكونات الجمهور الرياضي عن طريق عقد دورات تحسيسية لفائدة بعض فئات المشجعين، والاستجابة التلقائية لدعوات الجمعيات الرياضية للمشاركة في الحلقات التواصلية، وفتح قنوات الحوار الهادف مع الإلترات.
· تتبع أخبار ومستجدات الأنصار سواء بطريقة مباشرة عن طريق اللقاءات المباشرة أوبمواكبتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة قبل حلول موعد المباريات للوقوف على اهتماماتها.
· توفير الحماية للجمهور قبل وأثناء وبعد المقابلات عن طريق:
– تأمين فضاءات تجمع المشجعين (خلال وسط الأسبوع) في إطار التدريب على حفظ وترديد الأهازيج والشعارات.
– التأمين الجيد للممرات والطرق التي يسلكها المشجعون خلال توجههم أو مغادرتهم للمنشآت الرياضية.
– التفتيش الجيد بمداخل الملاعب الرياضية لمنع دخول فئات غير عادية من المشجعين سواء الدين صدر في حقهم قرار قضائي بالمنع بسبب سوابقهم في العنف الرياضي أوالأشخاص الدين يفدون إلى الملعب في حالة غير طبيعية (السكر – التخدير – الهستيريا) ولايتحكمون في تصرفاتهم وقد يتسببون في إيذاء أنفسهم أويصدر منهم تصرف عدائي في حق الغير أويلحقون خسائر مادية بالتجهيزات، وكذا لمنع إدخال أية أشياء خطيرة أومحظورة إلى داخل الملعب (المقدوفات – الألعاب النارية – الأسلحة البيضاء – المخدرات) قـــد تــلــحـــق الأذى بـبـاقـــي المشجعين أو باللاعبين أو بالحكام أوالمسيرين أوالإعلاميين أوبالقوات العمومية…
– وضع حواجز بشرية بين مختلف أصناف المشجعين سواء تعلق الأمر بين الجمهور المحلي والجمهور الضيف أوفي ما بين الفصائل المتناحرة من جمهور نفس الفريق لمنع الصدامات والمشاجرات.
– تشديد المراقبة داخل المدرجات لضبط أي إخلال قد يتسبب في حوادث خطيرة حفاظا على سلامة وراحة المشجعين.
– التدخل لدى المصالح المختصة لتوفير وسائل النقل للجمهور وتأمين نقط الإركاب وكدا وسائل النقل.
– منع دخول القاصرين غير المرافقين بأولياء أمورهم حماية لهم وحرصا على سلامتهم الجسدية لهم نظرا لوضعيتهم الهشة.
– ترسيم مرافقة الخلايا اللاممركزة للأمن الرياضي للمشجعين خلال تنقلاتهم خارج القواعد.
· المبحث الثاني: معيقات العمل الأمني في تأمين التظاهرات الرياضية تشكل في جزء كبير منها أسباب معاناة الجماهير
من خلال التجربة التي راكمتها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني في تأمين التظاهرات الرياضية، واستنادا إلى التقارير التحليلية والدراسات التقييمية التي أنجزت في هدا الإطار، وبغض النظر عن الأسباب الذاتية المنتجة للعنف الرياضي، والمتمثلة أساسا في السلوكات التلقائية للأشخاص نتيجة تناول المخدرات أو الخمور أو طيش المراهقة وعدم التحلي بالروح الرياضية والتعصب للفريق أو الرغبة في الدخول المجاني إلى الملعب وغيرها من المؤثرات النفسية؛ فإن عوامل موضوعية خارجة عن اختيار المشجعين تساهم في جعل سلوكه يتسم بالعدوانية، عوامل تشكل بنفسها معيقات أمام الفاعل الأمني الذي يتحتم عليه التعامل مع جمهور مشحون ومنفعل تصعب السيطرة عليه. ومن أهم هده المؤثرات الخارجية التي تؤثر سلبا على سلوكات المشجعين وتزيد أعباء إضافية على عاتق المؤسسة الأمنية وتعقد من مهامها.
فقد يكون المشجع دومزاج هادئ ومنضبط ويتحلى بشخصية مسالمة، لكن سلوكه يبدأ في التوتر منذ تحضيره للتوجه صوب المنشأة الرياضية أو أثناء تواجده بداخلها أو بعد مغادرتها بفعل إحساسه بخدش كرامته نتيجة للمؤثرات السلبية التالية:
· صعوبة اقتناء تذاكر الولوج إلى الملعب أو عدم طرحها للبيع في الزمان والمكان المناسبين حتى تكون في متناول الأنصار بكل يسر وسهولة.
· عدم توفر وسائل النقل إلى ومن الملعب مما يزيد من معاناة المشجعين ويؤدي إلى توتر أعصابهم.
· المشاكل التنظيمية التي يتخبط فيها الجمهور بسبب تخصيص عدد كبير من التذاكر لمنطقة معينة بالملعب رغم أن طاقتها الاستيعابية لا تتحملها.
· ضعف البنية التحتية للمنشآت الرياضية سواء من حيث هشاشة الشروط الأمنية اللازمة لتنظيم التظاهرات (عيوب أمنية كثيرة تتمثل في ضعف أوغياب الحواجز – الإنارة الكافية – محيط مهيأ) أومن حيث عدم تجهيزها لاستقبال الجمهور في ظروف جيدة تتوفر فيها شروط الراحة والاسترخاء (الالتزام بترقيم المقاعد)؛ فملاعبنا نفسها تشعر جمهورنا بالضجر والتعب مما يجعله متوتر الأعصاب وقابل للانسياق بشكل جماعي مع السلوكات السلبية للتعبير عن رفضه للواقع (الإحساس ب »الشمتة » لكون الخدمات التي يستفيد منها لا تتناسب مع المال الذي أنفقه للتنقل والدخول إلى الملعب).
· التعبئة والشحن الإعلامي الزائد والسلبي للجماهير؛ فالخطاب الإعلامي الموجه إلى الجمهور الرياضي لا ينبغي أن يتسم بالحدة لأنه يؤدي إلى تأجيج المشاعر وتجييشها.
· عدم برمجة المنظمين لأنشطة وبرامج وفقرات ترفيهية ومسابقات داخل الفضاء الرياضي لمساعدة المشجعين على الاسترخاء والتزام الهدوء وضبط النفس.
كل هذه العوامل والمؤثرات السلبية تجعل التظاهرات الرياضية تتحول من مناسبات احتفالية وترفيهية بالنسبة للمشجعين إلى مواعيد للتعب والإرهاق والإحساس بالإهانة، ومع غياب مهدئات تقنية وترفيهية موازية يتسرب التوتر إلى نفوسهم مما يؤدي إلى انفجار غضبهم (حتى رغم انتصار فريقهم) في شكل أعمال عنف مادي ولفظي وتخريب واعتداءات على الأشخاص والممتلكات ورشق القوات العموميـة بالحجارة، مع عدم تقبل أي شكل من أشكال الضبط، وعندما تأخذ الأمور هذا المنحى ويصبح الإخلال بالأمن والنظام العامين قائما، تبقى الأجهزة الأمنية لوحدها في المواجهة للسيطرة على الوضع وتهدئة الموقف، بينما تتوارى باقي المكونات الرياضية مؤقتا عن الأنظار باستثناء الفاعل الإعلامي الذي يتحدى المخاطر لتوثيق مثل هذه الحوادث.
Aucun commentaire