قصة قصيرة / رسائل الصباح
رسـائـل الـصـبـاح
نــامَ نــاجــي بـعــد يــومٍ مـلـيء بـالأشــغــال الـتـي لا تــكـاد تـنـتـهـي،إذ يـقـضـي جُـــلَّ نـهـاره فـي الـعــمــل الـمـتـعــب،بـيـنـمـا يــخـصّــص لــيـلــه لــمــراجــعــة دروســــه،لأن الامـتـحـانـات الـجـامـعــيـة بـاتـت عـلـى الأبــواب.
يـحـاول جـاهـداً الــتّـوفــيـق بـيـن الــعــمــل و الــدراســة،مُــرغــمــاً و لـيـس عـن طِـيـب خــاطــر،فــمــســتــلـزمـات اســتـكـمـال الـدراسـة مـكـلـفـة،و هــو مـازال فـي مـنــتـصـف الـطـريـق،و مـازال أمــامـه مـشــوار شــاق و طــويــل،لـكـن مــسـافــة الألـف مـيـل تـبـدأ بـخـطـوة واحـدة.
هـاتـفـه الـنـقـال يُـحــدث أزيــزاً و اهــتــزازاً مـزعــجَــيْـن،لـعّــل ربّ الـعــمـل يـريـده فـي مـهـمـة عــاجـلـة مـع تـبـاشـيـر الـصّــبـاح الأولـى..أخـذ الـهـاتـف الـذي تـعـــوّد وضـعـــه بـجـانـب وسـادتـه،و عــيـنـاه مـازالـتـا مـغــمـضـتـيـن،نَـظـرَ إلـى اسـم صـاحـب الـرسـالـة فـاسـتـغـرب،فـتـح الـرسـالـة فــكـان انـدهـاشـه عــمـيـقـاً،وضـع الـهـاتـف جـانـبـاً،و فَــرَكَ عــيــنــيـه بـيـديـه مـلـيّـاً،ثـم أعـاد قــراءة الـرسـالـة مــجــدداً،فـوَجَـدَ رسـالـة مـن كـلـمـة واحــدة : "أحــبــك".
كـان يـتـوقـع كـلَّ شــيء،أن يـرسـل لـه صـديـقـه فـي ســلا رســالـة يـمـزح مـعـه فـيـهـا، بـذكـر واقـعـة تـعـود إلـى زمـن الـطـفـولـة،أو أن يـرسـل لـه صـديـق آخــر يـنـافـسـه فـي الـدارسـة،رسـالـة فـارغـة تـيـمـنـاً بـيـوم تـعـيـس،أو أي شـيء آخـر،فــذاك فـي اعـتـقـاده أمـر مـقـبـول إلـى حـد مـا،لـكـن أن تـرسـل لـه هـدى ثـلاثـة رسـائـل مـتـتـالـيـة فـذلـك مـا لـم يـتـوقـعـه قــطُُ.
شـغّــل الـمـذيـاع الـذي يـبـالـغ فـي الـمـحـافـظـة عـلـيـه،فـمـن عـاداتـه الـقـديـمـة و الـتـي مـازال حـريـصـاً عـلـى مــمــارســتـهــا،مـتـابـعــة الــبـرامـج الإذاعــيــة الـتـي تـُـذاع فـي الـصـبـاح الـبـاكــر،الــســاعــة الآن تـشــيــر إلـى الـخـامـسـة صـبـاحـاً و ثـلاث دقــائــــق حــســب الـتـوقــيـت الـعــالــمـي،لـقـد فـاتـه مـوجــز الأنـبـاء،لـكــن لا بــأس الأخـــــبــــار لا تـنـقـضـي،مـا قـالـه مـقــدم الأخـبـار فـي الـخـامسـة صـبـاحـاً سـيـعــيـده فـي الـسـابـعـة و الـثـامـنـة،فــالإذاعـة الـتـي يـتـابـعــهـا لـيـســت مـن هـوّاة إذاعـــة الأخــبـار الـطـازجـة لـحـظـة وقـوعـهـا،خـوفـاً عـلـى الـصـحـة الـنـفـسـيـة و الـجــسـمـيـة للـمـسـتـمـعـيـن!
مَـكَـثَ لـحـظـة يـغـيـر الـمـحـطـات الإذاعـيـة لـيـطّـلـع عـلـى مـا تـقــدمـه،لـعّــل بـرنـامـجـاً مـا يـسـتـوقـفـه فــيـنـصـت إلـيـه،فِـعـلاً اسـتـقـرَّ عـلـى مـحـطـة إذاعـيـة جـهـويـة،إذ آثــار انـتـبـاهـه،و شــدّه إلـى الـمـتـابـعــة عـنـوان الـبـرنـامــج الـذي كـانــت تُــنـطــق كـلـمـاتـه اعـتـمـاداً عـلـى الـمـؤثـرات الـصــوتـيـة،مـا إِنْ سـمـع "رســائــل الـصـبـاح"حـتـى وضـع الـمـذيـاع جـانـبـاً،وراح يُـنـصـت إلـى الـمــذيــع الـذي كـان يُــذيــع رســالــة مـن صـديـق لـلــبــرنــامـج الـذي يــوجــه فـيـهـا الـتـحــيـة و الـســلام لأهــلــه و أصــدقــائــه..انـتـقـل الـمـذيـع إلـى الـرسـالـة الـثـانـيـة فـي هـذا الـيـوم الـربـيـعـي،و ســمــع نــاجــي الـمــذيــع يـردد: "رسـالة مـن هـدى..إلى ناجـي..أحـبـك أحـبـك أحـبـك.."،أطـلـق مـذيـع الـبـرنـامـج ضـحـكـة مـقـتـضـبـة مـعـلـقـاً عـلـى الـرسـالـة،بـيـنـمـا كـان انـدهـاش نـاجـي عـظـيـمـاً.
يـبـدو أن هـذا الـيـوم،هـو يـوم الـمـفـاجـآت،و لـيـس أي مـفـاجـآت،بـل الـسـارة بامـتـيـاز، هــذا مـا وقـــرَ فــي ســريــرتــه و هــو يــتـأمّـل مـا يـــقــع.. لـقـد اعــتــرفـت لـه أخـيـراً بـحـبـهـا،و كـانـت ذكـــيـّــة جـــدّاً فـي اخــتــيــار الــزمــان،يــوم رائـق رقــراق مـن أحــد صـبــاحـات نـيــســان الـجــمـيـلـة،حـيـث الـطـبـيـعــة تــشــي بـيـوم مــتـفــائـل،الــشـمـس الـذهــبــيـة تـرســل أولـى خـيـوطـهـا مـحـيّـيَـةً الجـمــيـع،و قـائـلـة بـكـل ألـوان الـطـيـف: "صـبـاحـكـم سُـكـر".
لـقـد فــعــلـتـهـا أخـيـراً،أرادت أن تـثـبـت لـه و لـلــعــالــم أنـهــا تـحــبـه عـلـى الــهــــواء مـبـاشــرة،و عـبـر الأثــيــر،و لـم تـخـتـر أي يــوم بـل الـعـــشـــريـن مـن نــيــسـان،الـذي يـصـادف يـوم عـيـد مـيـلاده.
لـم يــســتــســغ نـاجــي الأمــرَ بـعــدُ،فـجـلـس يـرتـب أوراق هـذا الـصـبـاح الاسـتـثـنـائـي بـكـل الـمـقـايـيـس: يـوم ربـيـعـي جـمـيـل،عـيـد مـيـلاده،ثـلاث رسـائـل مـتـتـالـيـة،أحـبـك، بـرنـامـج رسـائـل الـصـبـاح،هـدى..كـاد يــجــن،الـكـلـمـات تـتـراقــص فـي ذهــنــه،مـا إنْ تـجـتـمـع عـلـى فـكـرة أسـاس،حـتـى تـتـبـعـثـر مـن جـديـد،مـخـلـفـة ضـبـابـاً كـثـيـفـاً.
لـقـد كـان ســبّـاقـاً إلـى الاعــتـراف،و الإقــرار بـحـبـه الـصـادق لـهـا،و تـعـلـقـه الـشـديـد بهـا،لـكـنهـا أبـــت أول الأمـر إبــــاءً شـديـداً،فـأثـبـت لهـا بـكـل الـطـرق و الـوسـائـل أنهـا وحـيـدة قـلـبـه،كـانـت تـظـن أنـه يــكــذب عـلـيـهـا،و أنـه يــريــد اسـتــغـلالـهـا،فـإبـلـيــس الـلـعــيـن قـد وسـوس لـهـا،و لـعـب بـعــقـلـهـا،لـكـن مـع مـرور الأيـام بـدأت تـعـي صـدق مـشـاعـره،و سـمـو أحـاسـيـسـه،فـتـعـلـقـت بـه تـعـلـقـاً شـديـداً،و لـم يـعـد لـلـحـيـاة طـعـم فـي نـظـرهـا إذا أصـبـح الـصـبـح و لـم تـسـمـع صـوتـه يـتـردد فـي أذنـيـهـا.
غـيـر أنـهـا امـتـنـعـت أن تـقـر بـحـبـهـا لـه،فـكـان أن اخـتـارت وقـتـاً لـم يـخـطـر لـنـاجـي عـلـى الـبـال فـأعـطـت بـذلـك لـحـبـهـمـا نـكـهـة خـاصـة،و لـمـسـة سـاحـرة.
لـقـد أحـــبّ فـيـهـا الـصــدق و الـصــراحــة،و عَـشِــقَ فـيـهـا حـســن الـسـلـوك و صـفـاء الـسـريـرة،كـانـت تـبـوح لـه بـمـكـنــونـاتـهـا،فـكـان مــســتــودع أسـرارهـا،و هـي أحـبّـت فـيـه الأمـانـة و الـتـواضـع،و لـيـن الـجـانـب و صـدق الـنـيـة،و رفـعـة الـخُـلـق.
خـرج مـن الـمـنـزل مـتـجـهـاً إلـى الــكــلـيـة،لـيـطـلـع عـلـى جــدولــة الامـتـحـانـات الـتـي سـتـنـطـلـق بـعـد أسـبـوع،مـن بـعـيـد لـمـحـهـا واقــفــة قـرب الـبـاب الـرئـيـس لـلـكـلـيـة، فـفـرح لـقـدومـهـا،حـيّـاهـا و طـلـب مـنـهـا مـرافـقـتـه إلـى ســبــورة الإعـلانـات،لـكـنــهـا رفـضـت مـعـلـلـة ذلـك بــأنــهـا تــريـــد أن تـتـحـدث مـعــه فـي أمــر عــاجــل..كـانـت جـدّ مـضـطـربـة،و عـلامـات الارتـبـاك بـاديـة عـلـى وجـهـهـا،أوضـحـت لـه بـأنـهـا تـسـرعـت كـثـيـراً فـي إرســال رســائــل الـصّـبـاح،فـهـي كـانـت فـي حـالـة نــفـسـيـة مـهـتـزة،و لـم تـكـن تـعـي مـا تـفـعـل..أوضـحـت لـه بـأنه بـمـثـابـة أخـيـهـا الـذي فـقـدتـه جــرّاء حـادثـة سـيـر مـروعـة،و أن عـلاقـة حـــب بـيـنـهـمـا سـتـجـــر عـلـيـهـا مـشـاكـل هـي فـي غـنـىً عـنـهـا،بـقـي يـنـظــر إلـيـهـا فـاغــر الـفــم،لا يـعـرف مـا يــقــول،كـل شـيء انــهــار،فــي ظـرف أقـلّ مـن ثـلاث سـاعـات تـحـوّل مـن أسـعـد رجـل فـي الـعـالـم،إلـى أتـعــس رجُـــل فـي الـعـالـم..لـم يـفـهـم الـمـسـكـيـن أن كـل الـمـشـاعـر الـتـي كـانـت تـبـديـهـا نـحـوه لــم تـكــن إلا نــفـاقـاً،كـانـت تـصـطـنـع أنـهـا تـحــبـه،و تـتـفـنـن فـي إظـهـار ذلـك،لـكـن حـبـه الأعـمـى لـهـا جـعـلـه يـغـفـل عــن تــبـــيـان ذلـك،تـركـهــا تــشـرح لـه أسـبـاب عـدولـهـا عـن مـوقـفـهـا،و انـسـحـب لا يــدري إلـى أيــن.
لـم يـبـقَ نـاجـي مـكـتـوف الأيـدي بـل بـحـث عـن سـبـب هـاتـه الارتـجـالـيـة فـي مـواقـف هـدى،فـوجـد أنـهـا عـلـى عــلاقــة مـع زمــيـل لـه فـي الـدراسـة،يـكـرهـه كـرهـاً شـديـداً،
لا لـشـيء سـوى لأنـهـمـا اخـتـلـفـا فـي نـقـاش داخـل الـمـدرج،حــول مــوضـوع حـــريـة الـعـقـيـدة بـيـن الـمـرجـعـيـة الإســلامــيــة،و كــونــيـة حــقــوق الإنـــسـان،فـراح يـشـوه سـمـعـتـه داخـل الـكـلـيـة،و تــعــدى ذلـك إلـى اسـتــغـلال هــدى فـي تـصـفـيـة حـسـابـاتـه الـضـيـقـة مـعـه،فـأقــنـعــهــا بــضــرورة الاســتـمـرار مـعـه،و تـوهـيـمـه بـأنـهـا تـحـبـه،
و مـحـاولـة إغـــراءه،فـانـسـاق نـاجــي مـع الـوهــم الـذي كـانـت تــبــيـعــه لـه كـل يـوم، إلـى أن اصـطـدم بـالـحـقـيـقـة الــمُـــرّة،مـجــردة مـن كـل الـمـسـاحـيــق.
عـبـد الـرحـمـن عـلال
وجدة
abd_arahman@hotmail.fr
4 Comments
أحييك قصة رائعة أعجبتني جدا أتمنى لك التوفيق و أتحفنا بالمزيد
انا قرات القصة واعجبتني جداالي درجة اخدت منها كلامات وعبارات اسستخدمتها جميلة جدا.ننتظر المزيد وبالتوفيق انشاء الله
execellent c’est une histoire trés jolie et reflète la réalité des chose au sien de la fac des histoires d’amours juste pour passer du temps et qui perdre l’amour sa valeur
شكرا على المقال وخدمة الارسال متوفرة لدينا مجانا
موقع مغربي لارسال SMS مجانا بدون اشتراك بدون تسجيل و غير محدود link to maroc03.com
لا تبخلو علينا بتعليقاتكم حول الخدمة