رحيل الوفاء
ترك المختار مسكنه الذي أمضى فيه أحلى أوقاته مع عائلته الصغيرة الحديثة مع ابن وحيد..وباع مقر جنته بأبخس الأثمان ..هروبا من سوء وشر وظلم جار سوء ..طال صبره وحيلته مع من يتفنن فيه من حيل شيطانية مؤدية ..وتصرفات ومآسي سلوكية تعكر صفو العيش الكريم ..
جاء إلى مدينة ابعد بكثير من الأولى واشترى بيته الجديد ..وكله أمل ألا يتكرر ما رأته عيناه وما عاناه قلبه من ضغوط ..من هول ما شحن به راح يخرج ويدخل بيته الجديد غير آبه بجواره..ومتحاشيا كل تحية أو سلام قد يورطانه في علاقة تدميه وتطال عائلته بشر مستطير..
طالت المدة والجوار في حيرة كي يصلوا إلى مودته ومعرفة ما يكتنفه صدره من أسباب حذره من كل علاقة حميمية ..ولكن تفاعل الإنسان واجتماعيته لن تتركاه طويلا خارج السرب..بدأت خيوط علاقة تنسج مع جاره الأيمن ورويدا رويدا تيقن أن ما يتميز به صاحبه غير ما رآه من سابقه ..وبدأت ثقته تتوسع وتنفرج غمة همه ..أصبح له أخ لم تلده له أمه ..وأنسته الأخوة الجديدة كل هم وغم وقلة ثقة طالته ردحا من الزمن الماضي ..
يوما ما غادر المختار بيته في عطلة صيفية دامت عشرين يوما ..كانت فترة فرصة ذهبية ..وفترة كافية لجار آخر مترصد تدخل بخيوط الشر كي يسبكها على صاحب المختار بانيا صرحا من أوهام الشك بخيوطه ومصيبا فكر الصاحب بالشلل ..نسج قصة تورط المختار في خيانة تاريخية ..كونه كان يسر له بأسراره وكونه كان خائنا له مفشيا أسرار بيته وكان لا يتورع في إبداء فنون الخيانة اللسانية فاض كأس القلب حنقا على جاره ..وأقسم بأغلظ الأيمان أن ينتقم من المختار الذي اختاره أخا وصاحبا ورفيقا ووعاءا لأسراره..شر انتقام..
عاد المختار من إجازته وكله نشاط وحيوية وشوقا للقاء أخيه جاره..لم يرد فتح بيته إلا بعد إطلالته على جاره..فتح الباب في وجه المختار وكانت فتحة النار عليه أصابته شرارتها في قلبه فأدمته وأصابت عقله فأفقدته..لم يسلم عليه ولم ينبس ببنت شفه وأزاح عنه وجهه وأوصد باب العهد القديم …صدمة وشلل فكري تركته يرجع لبيته كي يلملم أفكاره ويحاول فك لغز ما وقع..عاود الكرة في الصباح لكن نفس الطلقة ..وطلقة ثالثة ورابعة ..أفقدته صبره..راح المختار يتحين فرصة خروج جاره كي يعرف مكنون غل صدره..وحالته الغريبة المفاجئة ..لكن صاحبه واجهه بمدفع الصمت ..ولم يكشف له سره ولا سر الشيطان الجار..أدماه وتركه يتمرغ في بركة دماءه غير آبه بروح ولا بقدسية علاقته به..وأصر على قتل المختار بأفظع وسيلة وأنذلها …الصمت ..
نفدت وسائل المختار لإعادة سبك خيوط ما تمزق ..وبناء جدران ما تهدم..انتهت به إلى سلك سبيل اللاتفكير ..واللاعودة..
في صباح ليس كباقيها وجد الجار رسالة تحت بابه..ارتجفت يداه لالتقاطها وقرء ما كتب فيها..
**أنا الذي ملكتك كل كياني وحياتي وأخلصت لك في كل أقوالي وأفعالي وتخليت في علاقتي معك عن كل أنفتي وكبريائي وكنت قد قررت أن أنهي معك باقي ما تبقى مخلصا وفيا غير محيد عن سبيلك..ها أندا بعد الصدمة الكبرى والمفاجأة الصادمة العظمى أقرر من أجلك إنهاء حياتي ..والرحيل بجسدي وإنهاء تعاستي**
نعم الإخلاص وبئس جزاء الإخلاص ..وأريد هنا أن اقتبس قصة معبرة عن جزاء الوفاء والإخلاص..
***كان لصياد ابن وحيد..وكان يترك كلبه لحراسته أثناء غيابه في رحلة الصيد..في طريق عودته في يوم اعترض الكلب سبيله بالنباح فرحا ومنتظرا لشكر صاحبه..عند قربه منه وجده ملطخا بالدماء وزاد نباحه ..بدون رمشة عين تفكير راح فكر الصياد ضانا أن الكلب قد قتل ابنه وأن الدم دمه وأخذ بندقيته وأطلق الرصاصة القاتلة أردت الكلب قتيلا ..توجه الصياد للبيت ليجد ابنه يلعب ويلهو مرحا..وأمامه أفعى كبيرة وسط بركة دماء تحكي عن أشرس مواجهة بينها وبين المخلص..***
مات الإخلاص والوفاء وبقي الحاكم المتسرع على قلة وفاء الأوفياء…
أفضل للوفي أن يموت بشرف من أن يظل حيا خائنا لمن استأمنه سره…
Aucun commentaire