يوسف في بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
يوسف في
بغداد
بوعلام دخيسي
أفديك بشعبي و بنفسي **** نادت مراكش في أنس
بغداد أحبك لكني **** أخشى أن أغرق في البؤس
يكفيني عزاء و رثاء **** للمجد هوى في الأندلس
يكفيني عزاء و بكاء **** للمسجد يشكو في القدس
بغداد سلبت بهجتنا **** وخشيت لواءك ينتكس
و ظننتك بغداد سلمت **** من نار تعبد من رجس
هل قدر نارك أن تبقى **** لتوسوس شرا للناس
فبنوك كانوا أنصارا **** عادوا للخزرج و الأوس
و إلام ستغزوك الأمم **** تترا تتقلب في اللبس
و عجبت لقدرك بغداد **** يرميه الحاقد بالدنس
فالنهر ليشهد بالحبر **** عن جهل ينخر في الحس
و رعاة البقر و إن علموا **** فمغول أبصم بالخمس
و لكل سعيد حجاج **** جلاد قاس مفترس
لو أن ليوسف آخرة **** في الدنيا يبعث من رمس
لوهبته إياك عريسا **** و طربنا جميعا للعرس
و لأهداك المهر سيوفا **** و النبل رماها بلا قوس
يرجو ليلاه أنا قيس **** لا أعرف غيري من قيس
و لجاءك يجري بل يسري * من أقصى المغرب في الغلس
ليرى من صنع الصلبان **** ليرى من آيات اليأس
ودوا لو أن مساجدنا ***** آذانها أضحى بالجرس
ودوا لو أن الإسلام **** آثارا صار بلا حرس
ظنوك هشيما بغداد **** و أتيت الدنيا بلا غرس
ظنوك خرابا بغداد **** لا يصلح إلا للحبس
قالوا عن نورك ظلمات **** كالأرمد ينظر للشمس
فأتوك نهارا و جهارا **** لا كالغاصب يختلس
قالوا بغداد خذي درسا **** و استمعي الجارة و تأسي
هاب الجيران و لقنت **** للغاصب أكثر من درس
بغداد ألفتك شامخة **** كالنخلة سامقة الرأس
بغداد ألفتك مؤمنة **** و تبالغي في كره الفرس
ما بالك أحنيت جبينا **** و جباها أركعت بأمس
ما بال الخضرة قد ذبلت **** و فراتك أضحى كاليبس
إن جف الماء ففي نجف **** دم صهر ضحى بالنفس
و السبط حسين يروينا **** و لكل نوائبنا ينسي
و كذا النعمان و جلاني **** و الفاتح ابن الوقاص
أين الفرسان الرهبان **** و شديدو النخوة و البأس
لم يبق إلا ممتطيا **** حلسا يحسبه كالفرس
كم فينا يوسف معتمد **** عباد المنصب و الكرسي
فأدن أذنيك لأخبرك **** سرا و أشد من الهمس
في كل معابدنا صنم **** إن جئت فأغلظ في الفأس
اعتذر لاعادة ارسال هذه المحاولة الشعرية بسبب بعض التعديلات وشكرا على تفهمكم و تشجيعاتكم و الله الموفق و هو يهدي السبيل
5 Comments
لقد تعودنا منك أخي الإبداع الحسن، وإنا إن شاء سنتناول هذه القصيدة بالقراءة والتحليل، لأن الشعر بدون نقد يبقى حبيس الرفوف. والقراءة هي التي تسهم في بناء الدلالات من جديد، وتحاور النص على اساس التفاعل والانفعال. ويتكون القراءة حاضرة في الموقع ذاته في أقرب وقت إن شاء الله.
تنقسم القصيدة حسب سياق الموضوع إلى مقطعسن كبيرين ومتداخلين:
أما أولهما: فتنغمس فيه ذات الشاعر مع الواقع، ولا يمكن أن نرمز لها يذبالسياق الواقعي، لأنها في الحقيقة ليست جدلية الواقع، ولا محاكاة له. بل هي ملامسة له من قبيل الانفعال والتفاعل.
ثانيهما: الحضور الرمزي والتاتريخي: وقد استغلت جملة من الرموز الدينية والتريخية والمكانية، على سبيل الامتثال للواقع و، ومعاناة الذات الشاعرة وسطه.
لكن بالرغم من ذلك، لا بد من إشارة لها جانب الأهمية في ميدان التقويم الشعري، وأخص بالذكر جانب العروض الخليلي. فالواضح أن الشاعر يأخذ بعين الاعتبار إيقاع القصيدة وموسيقاها انطلاقا من السمع والجرس الموسيقي العام. وتبقى هناك اختلالات وزنية ، ربما لو تتبعها الشاعر وأحاط بقواعدها لسلم من المجازفة العروضية. وأظن أن الأخ قادر على تجاوز هذا الخلل بالقراءة في هذا الميدان والاستشارة الميدانية.
نعود إلى جانب الحضور الذاتي في النص. ونقول إنه من الأكيد التنويه بانغماس الذات في الكل، أو بمعنى أكثر دقة: انغماس ذات الشاعر في محيط القصيدة أولا، وفي واقع المدينة المأساة: بغداد ثانيا. ويمكن ان نمثل لهذا التجاوب بالعناتصر التالية:
أولا- ذات/ واقع: من خلال الأبيات الأولى، حيث انعدام الصلة والعلاقة، وحضور الجانب العاطفي والوجداتني في علاقة الشار بالعراق عامة وبغداد خاصة.
ثانيا- ذات / واقع: ويتم خلالها الكشه عن ماهية الذات أولا: الذات المسلمة المواجهة للتشردم والتشتت العربي، والمستعدة للمواجهة. مقابل واقع بغداد المحاصر وحبيس.
ثالثا- ذات / واقع: ويحضر هنا التساؤل الانفعالي، الذي يتوقع تفاعل الذوات الأخرى معه.
رابعا- ذات / واقع: وهنا بؤرة النص، حيث تنكشف عوالم الذات على المستقبل، ويتحول الشاعر إلى نقطة الأمل في المحيط.
أما الشق الثاني والذي اخترنا الحديث فيه عن جانب الترميز واستغلال الجوانب التاريخية في النص. فيمكن افشارة فقط أن هذا الشتغال كان على أساس المحافظة على السياق الديني والتاريخي الذي حضرت فيه. وهو ما ينعت بالتناص الإيجابي، دون خلخلة للحقائق. ومن الرموز الحاضرة هناك:
يوسف، ونعلم أنه معروف من جانبين أساسين. أولهما حسد إخوته وتعاملهم السلبي معه، ثم اتهام زوجة العزيز له ومؤامرتها.
يتبع…
إضافة إلى ما سبق يحضر الرمز الديني يوسف في شكل رجل سلام لعالم الدمار، ويحضر رمز الحجاج سلطة للتدخل القمعي، ثم الحسين سبط الرسول (ص) رمز الاستشهاد البطولي، وغيرهم من الفاتحين التاريخين.
إذن القصيدة تقف بين منحذر الماضي الغائر، والحاضر الحائر والمستقبل الثائر. والشاعر يحبذ الشكل الثوري رمزا للبطولة، وتستعصي معه الكلمة لينادي الفعل القمعي والردجعي سبيلا لتويم الاعوجاج وتصحيح الأخطاء.
من ناحية الصور البلاغية ، لا بأس أن نشير إلى أن الشاعر كان واضحا في دلالاته، غير موغل في الغموض، ولاا باحث عن المتاهات الي تغرق القارئ في سؤال المعنى. بالرغم من أن الشعر الحديث يتوسل بهذه المعطيات لأنه أولا شعر قراءة أكثر منه شعر إنشاد كما كان بالماضي، ثم إن الشاعر مثقل بالحمولات المرجعية التي يوظفها في إبداعه وينتطر أن يكون هناك متلقيا قابلا لمعطسياته، عالما بها، ساعيا إلى فك ألغازها انطلاقا من سياقاتها.
شكرا أخي ابا اسامة على ملاحظاتك القيمة و زادك الله من فضله و علمه امين
اشارة و طلب
اما الاشارة فان المقصودة بيوسف في القصيدة فيوسف مراكش – يوسف بن تاشفين- و هذا يظهر في قولي على لسان مراكش–لهديته اياك عريسا–و في اخر القصيدة في قولي–كم فينا يوسف معتمد **** عباد المنصب و الكرسي—اشارة الى المعتمد بن عباد الذي اتى به يوسف من الاندلس ليسجن في المغرب كما هو مذكور في التاريخ
اما الطلب
فحبذا لو أشرت بالواضح و التحديد للهفوات العروضية و غيرها لاستفيد اكثر و الله الموفق
أشكرك أخي على هذا التوضيح. لكن ما سبق أن توصلت غليه من تأويل لدلالة النص يبقى قائما كذلك. لأن سياق الجملة يوسف مراكش لا يعني ضرورة أنه يوسف بن تاشفين. ويمكنك أن ترجع مثلا إلى توظيف بعض الرموز التاريخية والدينية في الشعر العربي عامة والمغربي خاصة. إذ يمكن أن تجد مثل هذا التوظيف. والنموذج القريب منا نأخذه من شعر المنطقة الشرقية. وتحضرني ثلاث عينات الآن:
أولها: تحولات يوسف المغربي وهي قصيدة للشاعر محمد لقاح، يقول في بدايتها:
أنا يوسف المغربي
فتلت من الدم والحب حبل الصعود
ثانيها: الديوان / القصيدة، تحولات يوسف المغربي للشاعر عبد الرحمن بوعلي. يقول في مقطع منها:
أترى سيقولون نسينا
أن نخبره..
أن اسمه يوسف
ان بدايته
كنهايته:
سفر وجنون
ثالثا: نموذج محمد علي الرباوي، وهو يستغل رمز السندباد، ليعنون به ديوانه: من مكابدات السندباد المغربي. وهي صيدة طويلة، ازخر بمعادلات مووضوعية لللرمز المذكور.
إذن أمام هذا التوضيح، وبالعودة إلى قصيدتك، يمكن أن يكون الرمز قادرا على التلاعب في معياري الزمان والمكان. وأن يؤول القارئ كل رمز حسب ما تقتضيه ضرورة السياق النصي. وبما أن رغبة الشاعر هي ضرورة اختراق الجاهز، واكتناه السرائر، فالأولى أن يكون للقارئ دور فاعل في مشاركته إخراج الدلالت إلى الوجود. وهو دور القارئ النموذجي كما عند إيزر وأصحاب نظرية التلقي. التي تجعل النص ملكا للقارئ بعد أن يخرج للوجود، ولا مجال للمبدع في إبراز دلالاته.
فأشكرك على التوضيح. لكن لكل تأويل مبرراته كذلك.
بالنسبة للشق الثاني من الموضوع وهو المتعلق بالجانب العروضي. فأقول إن ما سميته في مقاربتي النصية هفوات، هي في الواقع عدم وضوح رؤية إيقاعية في النص، بمعنى أن النص يحمل إيقاعا موسقيا جذابا، وهو إيقاع يشارك فيه النبر الموسيقي الذي تخلقه الألفاظ صوتيا. بعيارة أدق هناك جرس موسيقي بديع في النص يخفي ما يواريه من عدم وضوح الوزن الخليلي العروضي التقليدي.
نأخذ البيت الأول مثلا فتقطيعه هو:
-0-0—0-0—0-0 / -0-0-0-0—0-0-0
والبت الثاني:
-0-0—0—0-0-0/ -0-0-0-0—0-0-0
فلم أجد بحرا شعريا يناسب هذه التفاعيل، بالرغم من تناسقها بين الشطرين، وتناغمها الموسيقي، فالمرجو أن توضح لي ذلك غن كنت مخطئا.
مع ذلك فالقصيدة جميلة وبارعة من حيث توظيف السياقات الشعرية والبلاغية والصور الرمزية.