إزالة اللبس عن الصليب الأحمر
علق أحدهم على مقال كنت قد كتبته تحت عنوان « دلالات الصليب الأحمر » قائلا [مشكور أستاذنا الكريم على هذه المعلومات القيمة , غير أنه يوجد بعض اللبس فيها, أولا اختيار رمز الصليب بالنسبة لهده المؤسسة ليس له ارتباط بالنصرانية , إذ تم اختياره كعرفان لما قدمه »هنري دونان « لهده الجمعية,كمؤسس لها, إذ أن هذا الرمز تم اختياره تكريما له نظرا لأصوله السويسرية. هذا فقط للأمانة العلمية.
أما كون هده المؤسسة تقدم خدماتها في الوقت الحاضر بإيعاز ديني لنشر النصرانية, فأنا لم أتحقق من هذا الأمر, غير أنه و للأمانة أيضا, يتماشى الهلال الأحمر و الصليب الأحمر جنبا إلى جنب في كثير من الأحيان. و لم يثبت قط أن تم الاعتراض على هذا الأمر لا من هذا الطرف أو ذاك. فكلاهما رمز لمؤسسة واحدة. وإن كان ما تقدمت به صحيح, فهدا الأمر يضرب في الصميم المبادئ السبعة التي تقوم عليها هذه المؤسسة الإنسانية, و على رأسها الحياد و عدم التحيز. فالمرجو التحقق من هذا الأمر أستاذنا الكريم ] وقد وقع كلامه ب » مهتم » وكنت قد أخذت على نفسي أن لا أرد على من يخفي شخصيته تحت الأسماء والألقاب المستعارة ، ولكن لما رأيت التعليق كذلك آثرت توضيح الكلام .
اللبس الأول :
[ اختيار رمز الصليب بالنسبة لهذه المؤسسة ليس له ارتباط بالنصرانية ، إذ تم اختياره كعرفان لما قدمه « هنري دونان » لهذه الجمعية كمؤسس لها ، إذ هذا الرمز ثم اختياره تكريما له نظرا لأصوله السويسرية ]
وما علاقة الصليب ب »هنري دونان » حتى تتخذ المؤسسة رمز الصليب كعرفان له ؟ ل
لأمانة العلمية : المنظمة لم تتخذ رمز الصليب كعرفان لهنري دونان لأنه ببساطة هو أول من اتخذ رمز الصليب للجنة الصغيرة المؤلفة من خمسة أفراد سماها « اللجنة الدولية لإسعاف الجرحى » فلم يضع الصليب كعرفان لما قدمه هو بنفسه للجرحى وإنما اتخذه كإشارة إلى أن معظم العمليات التي قام بها طيلة خمسة أيام كانت داخل الكنيسة ، أي أن الكنيسة وقفت معه أثناء المحنة وساعدته في المعركة وكوفاءٍ لها اتخذ رمز الصليب شعارا كعرفان لها ، وراجع كتابه « ذكرى سولفيرنيو » طبعة « مون كارلو 1995 » وبالخصوص الصفحة 75 ، حتى تعلم لماذا كان دونان يضع رمز الصليب على كتفه ومرات على رأسه ولما لم يضعه على ساقه أو بطنه ، وإنما وصفه على كتفه ورأسه لأن الجرحى وهم يموتون كانوا يمسكون بكتفه أو يضع يده على رؤوسهم ليخفف عنهم آلامهم ويشعرهم أنه معهم .
ولو اتخذت المنظمة رمز الصليب كعرفان لدونان لجاز لنا أن نقول أن نقول أن الحروب الصليبية اتخذت رمز الصليب كعرفان لريتشارد قلب الأسد ، وهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء ، وإذا أرادت المنظمة أن تشكر هنري على ما قدمه كان عليها أن تتخذ اسمه شعارا لها لا أن تتخذ الصليب إذ كان يجب أن تسمي نفسها « منظمة هنري دونان لإسعاف الجرحى » كعرفان له .
فما هو السبب الوحيد لاتخاذ المنظمة لرمز الصليب في نظرك ؟ إذا وقعت حادثة لرجل ما ثم جاء مسعف يضع الصليب على عاتقه ، فما الذي يدل عليه هذا الفعل ، هل يقول له بأن يشكر هنري دونان أم يقول له أنا نصراني ، ماذا تقول إذا علمت أن سلطات الاحتلال الصهيوني في حرب غزة الأخيرة كانت تسمح لسيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر فقد بالدخول إلى المناطق الحربية دون سيارات إسعاف الهلال الأحمر ، وابحث في الشبكة العنكبوتية عن هذه الصورة وستجدها بالتأكيد ، صورة جنود من الاحتلال الصهيوني على ممر مراقبة يسمحون بدخول سيارة إسعاف تضع الصليب الأحمر وأقفلوا الباب أمام سيارة تضع الهلال الأحمر ، فلماذا يا ترى ؟ لماذا سمح للصليب دون الهلال ؟ ألأن الصليب له دونان والهلال ليس له دونان ؟ ببساطة حتى يقال للفلسطنيين : المسيح هو من أنقذكم ، النصرانية هي التي أسعفتكم وليس الإسلام .
إذا كانت المنظمة تضع الصليب كعرفان لهنري دونان فإن منظمة الهلال الأحمر الإسلامي تضع الهلال كعرفان لصلاح الدين الأيوبي ، وهذا ليس من الأمانة في شيء ، وإذا وضعت المنظمة الصليب شعارا لها كعرفان لهنري فليس لأصوله السويسرية وإنما لديانة سويسرا التي يبدأ دستورها الفدرالي بعبارة « باسم الرب » و41% من شعبها كاثوليك و 35% بروتستانت ، وهل كان يضع ريتشارد قلب الأسد الصليب فوق عربته في الحروب الصليبية كإشارة على أنه سويسري الأصل أم إلى أنه يحارب من أجل المسيح .
اللبس الثاني :
[ المؤسسة لا تقدم خدماتها في الوقت الحاضر بإيعاز ديني لنشر النصرانية ] يؤسفني أن تقول هذا وأنت تعيش في المغرب ن اذهب لأسفي وانظر من يوزع الإنجيل هناك .
وإذا كان ما تقوله صحيح فماذا كان يفعل ممثلوا المنظمة في الخطاب السري الذي ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية في الإسكندرية في شهر مارس سنة 1973 الذي قال فيه [ يجب مضاعفة الجهود التبشيرية التي وضعت وبنت على أساس هدف اتفق عليه للمرحلة القادمة وهو زحزحة أكبر قدر من المسلمين من دينهم والتمسك به ، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم وتشكيك الجموع الغفير في كتابهم وصدق محمد ](1) . وماذا كانوا يفعلون في المؤتمر التنصيري الذي عقد بجبل الزيتون في القدس في فلسطين المحتلة سنة 1927 وحضرته أربعون دولة من الدول الغربية الصليبية حيث قام احد أقطاب هذا المؤتمر قائلا [ أتظنون أن غرض التنصير وسياسته إزاء الإسلام هو إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا نصارى ؟ إن كنتم تظنون هذا فقد جهلتم التنصير ومراميه ، لقد برهن التاريخ من ابعد أزمنته على أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانيا مطلقا .. ولكن الغاية التي نرمي غليها هي إخراج المسلم من الإسلام فقط ليكون مضطربا في دينه وعندها لا تكون له عقيدة يدين بها ويسترشد بهديها وعندها يكون المسلم ليس له من الإسلام إلا اسم احمد أو مصطفى ، أما الهداية فينبغي البحث عنها في مكان آخر ] (2) .
وينقل عن السموأل صموئيل رويمر في هذا الصدد قوله [ لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن الأداء ووفقتم لها أسمى التوفيق وإن كان يخيل إلي أنه مع إتمامكم العمل على أكمل وجه ، لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه ، إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقين لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة : إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام وإما رجل مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته وقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش وإما آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية ، ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريما وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله ] (3).أترى أي توصيات طبية في هذه الخطابات حتى يعذر الأطباء في حضورها ، ويكفي من المهتم أن يبحث عن أي منظمة يدخل فيها المبشر للعمل في أرض المسلمين ، بل يكفيه أن يعرف أسماء المتطوعين في منظمة الصليب الأحمر في جنوب السودان ويعرف خلفيتهم الدينية .
وما هو الدافع الذي دفع بروبرت ماكس أحد المنصرين من أمريكا الشمالية للقول [ لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قداس الأحد في المدينة ] (4) . فهل يقصد روبرت بالصيب ما تقصدة المنظمة من أنه عرفان لهنري دونان .
ولتبسيط هذه النقطة أقول : أن التنصير في الأراضي الإسلامية يتخذ اشكالا مختلفة فهناك وسائل صريحة وهناك وسائل خفية ، وقد أوصلها بعضهم إلى سبع مائة طريقة أو خطة للتنصير . فأما القسم الأول وهو التنصير الصريح فهو على نوعين : التنصير العلمي القائم على النقاش أو على السفسطة والتشكيك والنوع الثاني وهو التنصير القسري ويتمثل في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واختطاف الأطفال .
والقسم الثاني وهو التنصير الخفي ويشمل البعثات الدبلوماسية عن طريق السفارات والقنصليات والملحقيات الثقافية والتجارية والمؤسسات الأجنبية ومثال ذلك قصة القنصل البريطاني في زنجبار جون كرك الذي دعا سنة 1877 الأمين العام لجمعية الكنيست التنصيرية هنري رايت إلى سرعة إرسال المنصرين .
ويعتمد كذلك على المستكشفين أمثال الطبيب الأسكوتلندي ديفيد ليفينجستون والصحفي الامريكي ستانلي هنري مورتون . ثم التطبيب التي يبدو من ظاهرها الإسهام في مجالات الإغاثة الطبية والصحية وأقرب مثال حي على هذا جهود المنصرة الراحلة تيريزا التي تدعى بالأم والحائزة على جائزة نوبل ، وهي في حقيقتها ممرضة كانت تنقلها سيارات الصليب الأحمر على مستوى القارة الهندية وشمال العراق في محنة الأكراد ، ومن أسهل المور وجود صورة الأم تيريزا وهي راكبة في سيارة تابعة للصليب الأحمر . فلماذا يا ترى كانت تنقلها سيارات وطائرات الصليب الأحمر ؟ هل لأنها ابنة خالة هنري دونان ؟ ثم لماذا كانت المنظمة تقدم الدعم والنقل والمال للدكتورين المنصرين الطبيب شارون توماس وآرثر بينيت ؟ هل لأنهما ابنا عم هنري دونان ؟ والكثير من أعمال المنظمة وغيرها التي فضحها رجل منهم يدعى كونوي زيقلر في كتابه « أصول التنصير في الخليج العربي » ترجمة مازن صلاح مكتبة ابن القيم طبعة 1990 ، فهو لا يساوي إلا 70 درهما ، واشتري معه كتاب « منظمة الصحة العالمية مؤسسة تبشيرية ، الحيل والأساليب في الدعوة إلى التبشير » للدكتور مصطفى فوزي غزال ، فهو كذلك زهيد الثمن لكن غالي المعلومات، واسأل أبناء الإسلام في البوسنة والهرسك ماذا كانت تفعل المنظمة . فيمكن أن يتصور امرؤ منظر أم تحمل رضيعا شاحب الوجه بارز الأوداج متضخم البطن ليستقر في ذهن هذا المرء استعداد الأم على منح ابنها لأي شخص سيعمل على شفائه بأي اسم من الأسماء وتحت أي منظمة من المنظمات .
يقول الدكتور سلمان العودة في كتابه « السلفية » في خضم كلامه حول وسائل التنصير [ استغلال الكوارث الطبيعية وغيرها وهم يعتبرونها فرصة ذهبية كما هو حاصل الآن في بلدان كثيرة وبوادره بدأت الآن في العراق ، ومن المؤسف أن بعض الإعانات التي تجمع من المسلمين ويوزعها النصارى باسم الصليب الأحمر ] (5) .
اللبس الثالث :
[ الهلال الأحمر والصليب الأحمر جنبا إلى جنب في كثير من الأحيان وكلاهما رمز لمؤسسة واحدة ]
لا يشك أحد في أن من ضمن العاملين في منظمة الصليب الأحمر ناس محادين ولا يرجون أي شيء إلا خدمة الإنسانية وتقديم العون للفقراء وأنا أعرف الكثير منهم ، ولكن مرد اللوم ليس لهم ، وإنما هم مشكورين على سعيهم ويعملون بجهد مع إخوانهم من الهلال الأحمر تحت شعار الكرستالة الحمراء – التي سيأتي الحديث عنها عما قريب إن شاء الله- بأنفة وعزة في سبيل خدمة الإنسانية جمعاء دون تعصب لمذهب أو نزعا لدين وإنما مرد اللوم على من يملونهم ويؤطرونهم من جمعيات تنصيرية ومنظمات ومعاهد ومؤسسات .
ـــــــــــــــــــ
1 – محمد طاهر التنير : العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ص : 18 .
2 – إبراهيم عكاشة علي : ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي ، الرياض ، جامعة محمد بن سعود الإسلامية 1987 ص : 38 .
3 – عبد الله التل : جذور البلاء ، الطبعة الثانية ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1988 ص: 275 .
4 – عبد الودود شلبي : الزحف إلى مكة : حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي ، القاهرة ، الزهراء للإسلام العربي 1989 ص: 13 .
5 – ص : 03 .
1 Comment
انت صديقي لا تفرق بين انواع الصلبان
الصليب الروماني:هو شعار الصليب المسيحي و يكون الذراع الاسفل اطول من باقي الاذرع
الصليب المتساوي(+):و هو شعار العلم السويسري و الصليب الأحمر و يرمز الى التوازن
و لهذا لا علاقة للصليب الاحمر بالنصرانية سوى انه كان يستخدم الكنائس لعلاج الجرحى
و قد اتخد هذا الرمز هنري دونان بنفسه بالفعل و ذلك لافتخاره بعلم بلده و نلاحظ ان شعار الصليب الاحمر ما هو الا انعكاس للعلم السويسري
تقبل مروري