حب الدنيا أخرس العلماء وكراهية الموت أخرست الفقهاء (2)
أما الفقهاء ، فهم الذين مكنهم الله من الفهم ،والإدراك الواسع، والعقل الراجح ،والخبرة المتميزة ، والعلم بالأحكام الشرعية ، والقدرة على فهم المسألة ، أو النازلة ،و معرفة الأدلة ،وقواعد استنباط الأحكام…وفوق هذا فالفقيه رجل عملي يهتم بالحياة اليومية، وما يجري فيها من أحداث، ووقائع، وأعمال، وتصرفات بشرية…فيحلل ، ويحرم .وهذه هي وظيفته الأساسية ،كوارث لسر النبوة،و قائد للأمة وضميرها، والناطق باسمها. فتواه تلزم كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي. وهذا ما يشهد به التاريخ الإسلامي ، وما ينطق به التراث الفقهي الضخم ، وما يمكن أن نستخلصه من التحليل المنطقي للفقه نفسه .إن العلماء كما أخبر سيد البرية ، محمد صلى الله عليه وسلم ،هم ورثة الأنبياء [ …إن العلماء ,رثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ،وإنما ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظ وافر ](رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه).وهذه تركة خطيرة ، تلزم الفقهاء بطاعة الله ، وقيادة الأمة قيادة حكيمة ، إلى ما فيه خيرها ،وصلاحها ،ونصرها على عدوها ، لأن وارث النبي ، يفترض فيه أن يكون مؤهلا للمهمات الصعبة ،والمسؤوليات الجسام ،و هو أول من يضحي بنفسه وماله ، من أجل نجدة المسلم أين ما وجد .لأن[ المؤمن أخو المؤمن، كالجسد الواحد، إذا اشتكى شيئا منه ،وجد ألم ذلك في سائر .أن أرواحهم من روح الله تعالى، وإن روح المؤمن ،لأشد اتصالا بروح الله ،من اتصال شعاع الشمس بها ].{ إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .} (الحجرات آية10). كما أن الوطن ،في عرف المسلم غير مرتبط بحدود مادية معينة. بل هو مفهوم مجرد متعلق بالعقيدة الإسلامية .وقد عبر عن هذه الرؤية الشاعر الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله حينما قال :(وحيثما ذكر اسم الله عددت أرجاه من لب أوطاني ) وقوله :(الصين لنا ،والعرب لنا، والهند لنا … والكل لنا أضحى الإسلام لنا دينا ،وجميع الكون لنا وطنا… ) كما يفترض في وارث النبوة أن يكون محبا للموت، مقبلا عليها، لا كارها لها .يواجه الظلم ،ولا يسكت عنه، ولا يسمح بأدنى مس بثوابت الأمة ،حتى وإن كان في ذلك قطع عنقه .لا يتملق لحاكم ، ولا يخاف من سخطه ، ولا يخشى من التضييق عليه في رزقه ،أو محاصرته في حركته …فإن لم يفعل فعليه أن يعلن التخلي عن إرث وتركة النبوة ، والدفاع عن الأمة ،ويكتفي من الفقه بمقالة ، أو خطبة جمعة، أو نطق كلمة ، ويترك الفعل للحاخام الأكبر صفد شلوم إلياهو الذي قال محرضا عسكر اليهود على قتل الفلسطينيين:( إذا قتلنا مائة 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك فلقتل منهم ألفا 1000 وعلينا أن نستمر في قتلهم، حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون 1000000 قتيل . وأن نستمر في القتل مهما استغرق ذلك من الوقت ).إن العديد من الحاخامات ، أصدروا فتاوى مشابهة لفتوى شلوم إلياهو ،أذكر منهم على سبيل المثال مردخاي إلياهو (المرجع الديني الأول للتيار القومي الإسرائيلي )ويسرائيل روزين ، وآفي رونسكي …إن هؤلاء الحاخامات، الذين يصدرون الفتاوى، التي تبيح القتل دون تمييز ،وتعشق الدم.هم أنفسهم الذين يصافحون،ويجالسون شيوخنا وفقهائنا الكرام. في ما يسمى بمؤتمرات حوار الأديان .التي لا نجني منها إلا الخزي والعار، والتخلي عن الأوطان .إن الفقهاء ، يوميا، يفقدون جزءا من سلطتهم الدينية ،على الجماهير الشعبية ،التي بدأت تفقد الثقة فهم, لأنهم أصبحوا يهتموا بالكماليات ،كاللباس الأنيق ، وحضور المؤتمرات الشكلية ،وتزيين الولائم الفاخرة بالكلمات المؤثرة ، والتملق لأصحاب الجاه والمال، وإصدار الفتوى ضد بعضهم بعضا، إرضاء لغيرهم. ..وفتاوى حرب العراق الأولى المتناقضة، والمتعارضة شاهد على ذلك .فهذا الفقيه يبيح الاستعانة بالكافر على المسلم ،والآخر يحرم ذلك .وهذا مع السياسة ،والآخر مع الجهاد…كل ذلك بسبب كراهية الموت . وليعلم الفقهاء، أن الجماهير ذاقت بهم ذرعا ،وهي تريد ذلك النموذج من الفقهاء ،الذي لم يكتف بالفتوى ،بل خرج في وجه الاستعمار، يندد بالظهير البربري تريد الجماهير الفقهاء ،على رأس المظاهرات في الشوارع ،تريد منهم التضحية وبذل الغالي والنفيس … تريد نموذج الإمام مالك ،والإمام أحمد بن حنبل ، والشيخ البنا والسيد قطب ،والعز بن عبد السلام … وإلا لجأت إلى ذاتها، لتصدر الفتوى التي تروقها ،غير مكترثة بالفقه والفقهاء .لأنها تكره الحياة مع الذل والهوان ، خصوصا إذا كان من بني صهيون وتعشق الشهادة مع الكرامة .وليعلم العلماء والفقهاء وكل من يحب الدنيا، ويكره الموت .أن حرب إسرائيل على العرب ، نستفيد منها نحن العرب ،أكثر مما تستفيد إسرائيل من انتصاراتها علينا .لأن حرب إسرائيل علينا ،تذكرنا بقضيتنا القدسية ،ولا تسمح لنا بنسيانها،وتحثنا على الجهاد ،وتعطينا فرصة الاستشهاد ، وتعلم أبناءنا كراهة اليهود، وهذا ما يضمن الانتصار، ولو طال الزمان .
Aucun commentaire