يعتبر مسلسل باب الحارة من المسلسلات العربية الهادفة التي أنتجتها مدرسة السينما السورية بتفوق و براعة, حيث نجحت هده الأخيرة في وضع يدها على احد ابرز مظاهر المعاناة التي عانى و لازال يعاني منها الشعب العربي و الإسلامي تحت وطأة المستعمر الظالم الغاصب. بالإضافة إلى دلك فأحداث هذا المسلسل الاجتماعي-التاريخي تصور من جهة أخرى مظاهر الكفاح المستميت ضد المستعمر الفرنسي بكل الوسائل, و كذلك مظاهر التكتل و الاندماج و التفاهم و الالتحام حول قضية حاراتيةّ/قومية واحدة لدى سكان حارة الضبع الدين يتمتعون بالعزيمة القوية و رباطة جاش و الروح الدفاعية عن قضاياهم الداخلية و قضية إخوانهم الخارجية.
إن الإقبال الشديد على مشاهدة أحداث هدا المسلسل التي تبث في النفوس روح العروبة و الإسلام و الإخاء و تنفض الغبار عن الحلم القديم بمجتمع عربي إسلامي فاضل تسوده روح السلام و التكافل و الإخاء لتتوافر بشكل سينمائي حي في هدا العمل الرائع الذي ما علينا إلا أن نحييه لدوره أو بالأحرى لأدواره الفعالة في التخفيف من معاناة الشعوب العربية المسلمة, و لو عبر الخيال-الحلم المصور, من صدمة التشتت و التشرذم على مستوى الشأن الاجتماعي الداخلي و القرار السياسي ومواجهة القوى الاستعمارية الجديدة.
حارة الضبع, التي هي مركز المسلسل و زمكان الأحداث, تشكل بساكنتها العربية المسلمة القحة و نمط عيشها التقليدي المحافظ و المتحضر في نفس الوقت أنموذجا رائعا لمجتمع عربي/إسلامي فاضل. عبر فلسفة عباقرة السينما و التاريخ السوريين صار الآن بإمكاننا التحدث عن حارة إسلامية فاضلة على وزن مدينة أفلاطون. فهدا العالم الإسلامي المصغر, الذي يصوره الفيلم و تبث حلقاته استثنائيا قناة ال م-ب-س, يمتاز بتوفره على كل الأوصاف و الأخلاق التي يجب أن تتوفر في الإنسان العربي المسلم و في المجتمع الإسلامي العام.
تقدم لنا السينما السورية عبر هدا المسلسل الذي يحس المشاهد خلاله كما لو انه بصدد التفرج على أو المشاركة في أحداث تدور في حارته, بل على بعد أمتار من باب منزله, نوعا فريدا من الدراما التي تهتم بالواقع لأقصى درجة, فهي لم تغفل حتى ابسط و أدق التفاصيل التي تصنع يوميا مكون سوسيولوجيا البيت أو الزقاق أو الحارة أو القرية أو حتى المدينة العربية المسلمة في الشرق و الغرب. التنظيم الداخلي لحارة الضبع, كيفية تسيير و تسييس شؤون الحارة, التزام الكل بدور اجتماعي و نضالي معين سواء على مستوى الحارة أو على مستوى العالم الخارجي, الارتباط الوثيق بالدين الإسلامي و بالعادات و الثقافة العربية التي لا تتنافى مع الوازع الديني, نبد كل مظاهر التجبر و التسلط و الظلم, تغليب مبدأ التضامن و التكافل على مبدأ الفرقة و الأنانية و الحياد… الخ, كلها أمور جعلت الحارة تبدو كمجتمع عربي مسلم رمزي و فاضل.