الربيع الخادع
الربيع الخادع
بقلم :ذ.عبد الفتاح عزاوي
تعـــيش المنطقة العربية والإسلامية زمــنا استثنائيا من أشد أزمنة العنف ،في ظل حالة خطيرة من الاستقطابات المثيرة والانقسامات الحادة ،ما ساهم في إعدام أي شكل من أشكال الحلول والمبادرات الرامية إلى حقن دمـــــــــاء أبناء الوطن الواحد . فـــكـــيف ستنتـــهي هذه الصراعات الرهيبة ؟
لايختلف اثنان على أن هناك أسباب وجيهة أدت إلى » صومـلة » العديد من الأوطان العربية والإسلامية (العراق،ليبيا ،اليمن ، سوريا ،الصومال …)، وبروز حـالة » اصطفاف سياسي » أعــمى فــي مناطق أخـــرى (مصر،تونس،الجزائر…)، إلا أن الردة الفكرية التي تعيشها الأمة ساهمت بشكل كبير في تجميد التاريخ وإعادة نسخ ما كان قائما بصـــورة أكثر بشاعة .
لقد خيب ما سمي »بالربيع العربي » طموحات وآمال فئات عريضة من أبناء هذا الوطن ،فبدل نقل الأوطان من وهاد التخلف والبؤس الفكري إلى ركب الدول المتحضرة والمتطورة ،تــــم اقبار جمـــيع الأحلام والأماني المشروعة ،ودخلت المنطقة في أتون الصراعات الطائفية والاقتتال الوحشي ،فشرد من شرد، وقتل من قتل ، وهام على وجهه من بقي من الأحياء ، يتسول في بقاع مختلفة من العالم .
إنها لعنة الربيع الخادع التي زادت من تعميق مأساتنا ،وأصبح الكثير من أبناء جلدتنا يتحسرون على الأوضاع السابقة، رغم عــــلتها وفساد النخب الحاكمة .فهـــــــل الوضع العربي والإســـــــــلامي الراهن نتاج لتراكمات سابقة ،أم أن الأمر يتعلق بمؤامرة خارجية هدفها إعادة ترتيب أوراق المنطقة برمتها وتدمير حضارة أمة بــــكاملها ؟ .
مهما تكن الأسباب والمبررات ، فهذه التساؤلات التي تخالجنا تتطلب إجابات شجاعة ومنطقية من مثقفي الأمة الذين لاذوا بصمت مريب ،فقد عرفت أوربا نفس الـــوقائع وبشدة أكثر ، لكــــن الحركة النقدية والفكرية التي رافقتها حللت الأحداث لحــــظة بلحظة ،وكان لها الأثر العميق في إرجاعها إلى جادة الصواب والانبعاث من جديد بوثيرة أكثر حيوية وتطور .
فهل يستفيد بني يعرب من تاريخ الشعوب والأمم ،أم أن »العرب أمة وحشية ، أهل نهب وعَبَث ، وإذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ، يهدمون الصروح و المباني ليأخذوا حجارتها أثافيَّ للقدور ( ما يوضع تحت القدور وقت الطبخ ) ، ويخربون السقوف ليعمّروا بها خيامهم ، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ، وأنهم أبعد الناس عن العلوم و الصناعات » على حد تعبير المؤرخ الشهير ابن خلدون .
fattahazz@yahoo.fr
Aucun commentaire