الذي يملك قدرة التأثير على إسرائيل لرفع الحصار على غزة يملك العكس أيضا
اشتد الحصار على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى حد الاختناق؛ وتعالت الأصوات المنددة والمستنكرة والمستعطفة في كل بقاع الأرض؛ وراجت أخبار اليوم مفادها أن العدو الصهيوني وافق على بعض التخفيف من الحصار. والمثير في القضية هو أن إسرائيل الخارجة عن القانون منذ نشوئها ككيان غاصب تتصرف خارج الإرادة الدولية بالمعنى الصحيح لهذه الإرادة ؛ وهي تعتمد على الدعم الأمريكي والأوروبي الغربي للتصرف غير المسؤول. وجرائم العدو الصهيوني لا يحصيها عد؛ ولم يجر لحد الساعة تحقيق فيها ولا حصل تجريم الصهاينة بل الرد الروتيني على جرائمهم هو شماعة الدفاع عن النفس دون اعتبار للإجراء الإجرامي الصهيوني ولحجمه؛ ولما يقابله من إجراء فلسطيني أو عربي.
واستجابة إسرائيل لطلب رفع الحصار عن غزة عبارة عن إجراء لتوريط الجهات المتدخلة ذلك أن من يملك قدرة التأثير على إسرائيل لفعل شيء ما له القدرة على فعل العكس ؛ وهذا هو سر المؤامرة الصهيونية التي تهدف إلى إقحام الأطراف المتدخلة في مسؤولية ما ترتب عن الحصار من خسائر خاصة البشرية منها.
ولست أدري لماذا يسارع بعض الزعماء العرب للإعلان عن كونهم كانوا وراء عملية تخفيف الحصار؛ دون تريث. فمهما كانت الجهة المؤثرة في قرار إسرائيل فإن ذلك يعني أن الحصار تم التخطيط له بعناية من أجل تحقيق أهداف معينة وعلى رأس الأهداف إقناع الشعب المحاصر بأن المطلوب منه هو القبول بما يسمى عملية السلام مهما كانت فداحة الخسارة وعلى رأسها خسارة القدس وخسارة العودة.فإسرائيل تظن أن حصارها سيقنع الإنسان الفلسطيني بأن خسارة الأرض والعودة لا تساوي شيئا أمام خسارة الحصار.ولقد نحج العدو في توريط بعض القيادات العربية المتدخلة لرفع الحصار في تحمل مسؤوليته حيث سيستنتج الإنسان العربي للتو أن الجهات المتدخلة لها يد في أزمة الحصار تساوي يدها في انفراج هذه الأزمة. فمن ذا الذي سيقتنع بأن الحصار لم يحصل لتقوية الطرف المتدخل ؛ وتعزيز وضعيته التفاوضية ؛ حيث سيفهم أن المتدخل لفك الحصار أقدر على حل ما فوق الحصار من معضلات ؛ أو هكذا تريد إسرائيل توريط المتدخلين وهي تروم أحد أمرين تركيع من شملهم الحصار ؛ أو تأليبهم على من كان سببا فيه سواء بطريقة مباشرة أم بطريقة ضمنية . فإن تنكر أهل غزة المحاصرين للرافضين لمسلسل السلام ؛ أو أدانوا شركاء إسرائيل في السلام ؛ أ و قبلوا السلام فإسرائيل هي الرابحة في كل الحالات حيث سيتأجج الصراع بين الفرقاء الفلسطينيين لصالح إسرائيل.
لقد كان من المفروض أن تنأى القيادات العربية المستعطفة لإسرائيل بنفسها عن هذا الاستعطاف ؛ وفي المقابل تشعر إسرائيل بطبيعة عملها الإجرامي ؛ ولا يستغل هذا العمل الجبان لتسجيل نقط على حساب كرامة الأمة من المحيط إلى الخليج ؛ فالتفاوض بثمن باهض كثمن الحصار هو إهانة ليس بعدها إهانة.
ففي أي منطق بشري يمكن الرد على إطلاق صواريخ بحصار من حجم حصار غزة خصوصا وقد تم الرد على إطلاق الصواريخ؛ إن صح أن تسمى كذلك باستعمال الآلة العسكرية الباطشة والمدمرة دمارا شاملا ولا مجال لمقارنة بطش هذه الآلة بصواريخ متواضعة الصنع والفعالية ؟ وفي أية عدالة يكون العقاب بأضعاف مضاعفة ؟؟
لقد عهدت البشرية أن المفاوضات لا تستقيم إلا بعد عقد هدنة تعتبر ضرورية لتوفير المناخ المناسب للمفاوضات ؛ ولا يمكن أن يكون إطلاق الصواريخ ذريعة للعدوان مع وجود طرف مفاوض لا يتحمل مسؤولية إطلاق الصواريخ بينما تتحمل إسرائيل مسؤولية العدوان لأنها تستطيع وقفه ؛ بينما الطرف الفلسطيني المفاوض لا يستطيع وقف إطلاق الصواريخ لأن قناعة الشعب الفلسطيني ليس واحدة بخصوص السلام مع العدو الغاصب للأرض ؛ بينما قناعة الصهاينة واحدة في احتلال الأرض .
فإذا ما خطر ببال الصهاينة أن الحصار سيخدم وضعية الفلسطيني المفاوض حينما يتدخل لوقفه وتستجيب إسرائيل أو تتظاهر بالاستجابة مما يوحي بقيمة المفاوض على حساب الرافض للتفاوض ؛ أفلا يمكن أن يفهم العكس حيث يصير الطرف المفاوض في وضعية أضعف ؛ بل يدان لأنه يفاوض مع وجود الحصار مما يعني التقليل من أهمية حياة الفلسطينيين المعرضين للهلاك بسبب الحصار ؛ وكأنهم قرابين المفاوضات؟؟؟؟
Aucun commentaire