ظاهرة الغش في امتحان الباكلوريا .. مقاربة تربوية أم أمنية ..
كثر اللغط في الفترة القريبة عن ظاهرة الغش خلال امتحانات الباكلوريا، باعتبار هذه الأخيرة من أهم الامتحانات الإشهادية التي يتقرر من خلالها مسار التلميذ ليرتقي درجات المعرفة والوظيفة .. وهو لغط افتعله الوزير السابق سي الوافا صاحب الخرجات الفاتنة – من الفتنة النائمة – باعتبار أن الغش فعل منبوذ بين الأمم .. لكن طريقة إثارة الفعل ومقاربته استدعته السمعة التي أضحى يحظى بها دبلوم الباكلوريا المغربية بين بقية البلدان، والعيب في طريقة مقاربته التي طغى عليها الأمني قبل التربوي. الأمني المبتذل، أي الذي لا يميز بين التلميذ والمجرم.. فبابتدع ما أضحى يعرف بالغش أثناء التصحيح، أي تطابق الأجوبة، وهو أمر لن يتناطح حوله كبشان، لأن الغش لا يجب أن يغتفر كيفما كانت طريقته، لكن الاختلاف قائم حول جزر التلميذ الغشاش دون محاسبة الأستاذ المكلف بالحراسة.. فأعتقد أن للحارس نصيب في عملية الغش وإلا ما جدوى تكليفه بعملية الحراسة، وبالتالي لابد وأن هناك خللا لابد من تقويمه .. لأنهم أبناؤنا، فلذات أكبادنا وأطر المستقبل.. هم الذين سيحملون مشعل التحديث والرقي بين الشعوب في مختلف المجالات ..
صحيح أن الغش ظاهرة مرضية ما فتئت تنخر الجسد التعليمي في أعلى مستوياته، وقد نستثني المرحلة الابتدائية من هذا الورم.. فالحديث عن الغش كالحديث عن الرشوة، لا يمكن القضاء عليهما بالتعنيف والقوة بل بالقيم التي ضاعت بين سياسة وسياسة مستوردة، أو لنقل في غياب سياسة تعليمية واضحة المعالم تمتح من واقع الشعب المغربي وحضارته العريقة وثقافته الأصيلة متفاعلة مع الثقافات الأخرى التي مرت بهذا البلد، ثم إحالة الشأن التعليمي لذوي الاختصاص والعارفين بخباياه بعيدا عن أي إسقاطات وإملاءات خارجية، لأن الميزانية التي تهدر في مجال التربية والتعليم ضخمة جدا مقابل هزالة النتائج التي تحققها. إنها خيبات راكمتها تجارب لا شعبية فأوصلت القطاع لما هو عليه من مستوى لا يليق ببلد كالمغرب. لهذا نجد أجبالا لا تزال تذكر سي أحمد بوكماخ رحمه الله بكل خير، فالرجل وبفضل مجهود شخصي استطاع أن يقترب من فكر أجبال متعاقبة، وفي ذلك أكبر دليل على أن المخزن لن يولي يوما ما للتعليم العناية التي يستحقها .. يأتي وزير لينصرف آخر، وهكذا .. ليست نظرة سوداوية، يا عزيزي، بل هو أمر مدبر c’est voulu .. ما بالك لو أن التعليم اصطلح شأنه وأضحى البحث الأكاديمي قائما، تم توطينه، والأستاذ استعاد كرامته .. كيف سيصير حال البلد ..؟ هل ستتولى سياسته جماعة من الجاهلين؟ طبعا ستؤول أمور تدبير الشأن العام لمن هم أهل لذلك.. لا أقصد التقنوقراط، بل المسؤول المثقف العارف العالم .. والمسيس طبعا ..
ثم إنه من أبشع صور التعليم بالمغرب، الإقصاء الممنهج الذي انتهج ضد المرأة التي كان لزاما تدريسها وإعدادها لمهامها قبل الرجل. لأن المرأة هي من يتولى قيادة سفينة الأسرة وتنشئة الأجيال، بمعية الرجل، لكن هي القطب وهي الراحلة بالنسبة للخيمة.. أما الآن وقد انصرمت كل هذه العقود، ما الجدوى من تنظيم برامج محو الأمية لسيدات مسنات ينتظرن أجلهن ويتم استهلاكهن عبر وصلات إشهارية وشراكات للحصول على دعم خارجي .. إنه مجرد بيزنس .. كم سيلزم بلدنا من الزمن كي يحقق ذاته ويرتقي ويعيد أمجاد حضارات الأجداد؟ الأمل في الأجيال القادمة لتصنع لحظات الفرح وتقطف زهرة الياسمين من بستان الفراشات .. هناك في الأفق البعيد، رغم كل الإحباطات والتشريد والزج في نفق العطالة والفقر والحرمان والخذلان، خذلان الحق واستعلاء الباطل ..
إنها جيوش المعطلين القادمين من المستقبل لاجتثاث الظلم والحرمان .. لترحيل كل من تآمر على بصيص الأمل في درب طويل معتم …
رحم الله جدتي الحاجة رقية البويحياوية العثمانية الزناتية بنت خرباش التي كانت تردد على مسامعي بلسان أمازيغي ..لا تخشى الشبعان إذا جاع بل اتق شر الجائع إذا شبع .. لقد أخذوا الأرض واستباحوا العرض .. وها نحن صامدون مثل هذه الجبال نشهد على تاريخ وحضارة لن تموت ..
Aucun commentaire