أزمة البنزين في الجهة الشرقية وتداعياتها على الحياة المعيشية للمواطنين
لم يكن أحد يتوقع أن يحدت ارتفاع سعر البنزين المهرب من الجارة الجزائر، هذا الاثر السيء على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالجهة الشرقية. ومن سوء الصدف، ففي الوقت الذي قل تدفق البنزين والكازوال عبر الحدود، ازداد سعر الوقود بالداخل على إثر الزيادات المتتالية كل شهر، تحت ذريعة نظام المقايسة. وقد كان بالإمكان تلافي حدة الأزمة لو أن سعر البنزين بقي في حدوده المعقولة، فجهات المغرب الخمسة عشر تأثرت بهذه الزيادة، لكنها لم تبلغ الحد الذي تأثرت به ساكنة الجهة الشرقية. فكيف يتحمل المواطن هنا بين عشية وضحاها ارتفاع الثمن بثلاث أضعاف.
لقد أصبح الحديث عن سعر البنزين لا يخلو منه مجلس من مجالس الساكنة، منذ بداية الصيف الماضي، حين شرعت السلطات الجزائرية في تشديد المراقبة على تهريب البنزين، ونحن هنا نتحدث عن توصيف سياقات الأزمة، لا تبرير التهريب، فذلك موضوع آخر، وهذه الحالة التي وصلت إليها الجهة الشرقية كانت متوقعة، بسبب اعتماد الحركة الاقتصادية والتجارية على عملية تهريب السلع سواء من اسبانيا عبر مليلية أو الجزائر عبر الحدود.هكذا يصبح اقتصاد الجهة الشرقية رهينا بتقلبات المد والجزر بما يحدث في البلدان المجاورة، بل صار بإمكانها التحكم في مجريات الاقتصاد المحلي متى شائت، وهو بالفعل ماحدث هذه السنة. فقد تسبب توقف عملية تهريب الوقود إلى الجهة الشرقية في اضطراب تجاري أثر هو الآخر على قطاعات أخرى، زاد في اسفحال الأزمة، والتي أصلا كانت قد بدأت تشل قطاعات حيوية أخرى مثل البناء والتجارة والنجارة، بسبب تقلص عائدات الجالية بالخارج.
وقد سبق لمدينة الناظور ونواحيها أن اهتز اقتصادها، منذ بضعة سنوات حين شرعت اسبانيا في استخدام عملة الأورو وما نتج عنه من ارتفاع في أسعار السلع ومنها البنزين، فتحولت أنظار الساكنة نحو البنزين الجزائري مما خفف من حدة الأزمة عندهم.
أشرت إلى هذين الحدثين داخل الجهة الواحدة، لنتأكد مرة أخرى أن الجهة الشرقية منطقة حساسة، يجب أن تعتمد فيها حكامة ذات بعد استراتيجي، يستبق وقوع الأحداث، عوض التحرك في شكل ردود الافعال، ولا أحسن من بناء اقتصاد وطني ذاتي باستثمار الإمكانات والمبادرات المحلية، لا تؤثر فيه تقلبات الرياح السياسية والاقتصادية للبلدين المجاورين، أي الجزائر وإسبانيا.
إن الواقع لا يرتفع، وحقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتازم لا تخفى على أحد، والشمس لا يحجبها الغربال كما يقوا المثل الشعبي.لقد انقلبت الحياة الميعيشية لساكنة الجهة الشرقية إلى الأسوء، فالحركة التجارية من بيع وشراء شبه جامدة، ما عدا نهاية الأسبوع، أو آخر الشهر، أما سائر الأيام فأسواق وقيساريات الملابس وما جاورها والأفرشة والسياغين، شبه خالية، إلا من أصحابها،وحتى لا نبالغ فقد أغلقت كثير من المحلات، وكتب على أبوابها إما للبيع أو للكراء، خاصة تلك التي تروج الملابس الجديدة والأحذية، بسبب ضعف القدرة الشرائية، فقد انصرف الناس إلى اقتناء الملابس المستعملة لانخفاض سعرها، فحتى الطبقة المتوسطة من الموظفين والمستخدمين أصبحت تتزاحم مع غيرهم في مثل هذا النوع من الأسواق، لعجزهاعن سد مصاريف الألبسة الجديدة، ما عدا مناسبات العيد، فهي الاخرى أصبحت تعاني من تداعيات الازمة، فالأجور مجمدة، والأسعار في ارتفاع متزايد، وفي كل بلدان العالم، فالطبقة المتوسطة هي المعول عليها في تنشيط الحركة التجارية، زد على ذلك أن مصاريف التنقل من مقر سكناهم اغلبهم نحو مؤسسات عملهم أصبحت تبتلع ميزانية هامة، أعرف موظفة تتنقل نحو مقر عملها بمصاريف تقارب ألف وخمس مئة درهما شهريا، ماذا يتبقى لها من أجرتها؟ وأمثالها كثير، وقد أخبرني أحد موزعي السلع أن مصاريف البنزين لم يعد يبق له ربحا، لا يتجاوز دخله خمسون درهما، ناهيك عن ضعف الطلب على السلع من قبل البقالين، أما مهنيو سيارات الأجرة فقد كانوا أول المتضررين، وخاضوا نضالات، توجت بالسماح لهم باستبدال محركات البنزين بالكازوال. فقد انخفض الدخل عندهم إلى نحو الثلث، وطبيعي فإن سعر البنزين في الجهة الشرقية تضاعف ثلاث مرات والوجديون يعرفون ذلك، وبنفس المستوى ينخفض الدخل، وهكذا أصبح مهنيوا الميكانيك والمطالة وتجار السيارات المستعملة وبائعوا قطع الغيار الجديد والمستعمل وكل من له ارتباطا بالوقودمن قريب أو بعيد يشكون من ركود غير متوقع.
لا نريد من خلال هذا المقال المتواضع أن نؤجج مشاعر الغضب والاحتقان، فسكان الجهة الشرقية، يعرف عنهم الصبر وتحمل الصعاب في أوقات الأزمات، فقط نأمل أن ينتبه المسؤولون المحليون إلى أن الوضع الاجتماعي يزداد تدهورا يوما بعد آخر، بعدما كانت الجهة الشرقية ملاذا مغريا يأتيها التجار والحرفيون من كل الجهات، فها هي اليوم تضرب بها الأزمة الاقتصادية للأسباب التي ذكرناها والبنزين واحد منها، لكنه تبين أنه كان المحرك لعجلة الاقتصاد فتوقف البنزين المهرب أو ارتفاع سعره شل قطاعات متعددة، مما يتطلب التفكير لايجاد فرص الشغل لمئات الناس ممن لهم ارتباط ببيع وشراء واستعمال البنزين والكازوال كذلك.
فقد أصاب المهن والحرف والتجارة كساد، و أفق انجلاء الأزمة ليس بقريب، والتعويل على الهجرة إلى الخارج كما كان الشأن سابقا أضحى غير ممكن، وحديث الناس لا يخلو من الشعور بالقلق والشكوى، ونتمنى أن ينهض الجميع كل من موقع مسؤوليته، وبدافع الغيرة عن الوطن، وعن الجهة بالخصوص، لايجاد الحلول الواقعية لكل المشاكل وأسبابها، أما القول بأن الوقت كفيل وحده يجعل الناس يتكيفون مع الوضع الجديد، فما هو إلا هروب للأمام، فبالحوار وحده واستشارة أصحاب الخبرة في الاقتصاد والتخطيط والاجتماع والمثقفين والمتضررين المباشرين بالأزمة، عبر فتح قنوات للإنصات يمكن الحد من تداعيات الأزمة، بعيدا عن الحسابات السياسوية الانتخابية الحزبية الضيقة والمقاربات الأمنية السطحية.
بنيونس شعبي
1 Comment
لو تم نهج سياسة دعم المحروقات بالجهة الشرقية لمملكتنا ، لاستغنى سكان المنطقة عن بنزين الجزائر ليتمكن فلاحوهامن سقي أحواض البطاطيس به.