شَرّحْ … مَـلّــحْ (34)

دَقّا تَابْعا دَقّا …. أُو شْكون يْحَدْ الباسْ

أتذكر أنه في إحدى لقاءاتنا بمسؤول مديرية من مديريات وزارة الصحة حول مشكل يخصنا بالجهة الشرقية، أول ما بَادَرَنا به أنه لا يمكننا قطع كل تلك المسافة و التواجد بالرباط إذا لم يكن الموضوع الذي جئنا من أجله مهما للغاية و يستحق كل هذا العناء … كذلك الثورة المباركة التي يبصم عليها الممرض المغربي لا يمكن أن تنبني على فراغ أو نزوات عابرة إذ أن آلاف الطلبة الممرضين المقاطعين للدروس و المعتصمين في العراء يوميا بين أحضان الليالي الباردة و تجاهل وزارة الصحة و المجتمع المدني و الإعلام الأكثر برودة و وقعا على نفوسنا لا يتكبدون كل تلك التضحيات هباءً. لنفترض عبثا أن شرارة هاته الثورة قامت على باطل إلا أن استمرارها بين صفوف الطلبة بمقاطعتهم للدروس لما يقارب الشهرين حتى الآن و انخراط أولياء أمورهم في ذات النهج يقودنا إلى التفكير في الجانب الآخر من المعادلة و ذلك بتقييم ظروف التكوين و آليات التواصل و منهجيات التلقين داخل معاهد أو بالأحرى مخافر تكوين الممرضين حيث أن الضغط و الوصاية المريضة المُمَارَسة داخل هذه المعاهد منذ سنة 1993 كان لا بد لها أن تُوَلّدَ الانفجار و ما شرارة مرسوم إدماج تقنيي القطاع الخاص إلا الفتحة التي سببت النزيف، سأضرب مثالا بمنهجية التكوين في السلك الثاني لهذه المعاهد حيث يبلغ عدد الوحدات المُدرَّسَة سبع عشرة وحدة في السنة في حين تبلغ ثمانية فقط على صعيد المؤسسات الجامعية المغربية ناهيك عن اعتماد مقاربة تكوينية تجريبية تجعل من الطالب مصدراً للمعلومة و باحثا عنها في الوقت ذاته في غياب الإضافات التي يحملها الساهرون على التكوين من خلال تجاربهم و إنجازاتهم في التسيير الصحي، أما السلك الأول فغالبية المُلَقّنين فيه لا يتوفرون على تكوين بيداغوجي علمي يخول لهم أداء المهمة كما يجب… إضافة إلى استعمالات الزمن الممتلئة التي لا تترك المجال للبحوث خارج الفصول أو حتى لأخذ الأنفاس بُغية الاستمرار بنشاط و فاعلية … إلى غير ذلك من الظروف اللاإنسانية التي تجعل من هاته المخافر مؤسسات سجنية للترهيب و التأديب و التهذيب قبل التكوين و التأطير و صناعة أُطر قوية الشخصية عالية المهنية (الفڭوسة ما حدها تكبر أو هي تعواج).

في ذات السياق و لأننا بلغنا ذروة النضال و التصعيد و للضرب بقوة أقترح على التنسيقية الوطنية للممرضين و الطلبة و الخريجين تكوين ثلاث لجان الأولى خاصة بالسلك الثاني و الثانية بالسلك الأول و الثالثة بالممرضين المزاولين بحيث يتدارس أهل كل لجنة شِعَبَها و مطالبها (كل واحد عارف خرّوب بلادو) و تلتزم جميع اللجان بالنضال إلى جانب أخواتها تحت لواء التنسيقية الوطنية السالفة الذكر.

خرجت وزارة الصحة من « رُونْدَتِها » فضربت في العمق الملف المطلبي للممرضين بمساواتهم بتقنيي القطاع الخاص و هم مُجازون، حرمتهم الترقي في الدرجة بعد التخرج من السلك الثاني و شطبت عليهم في مشروعها لتعديل المعهد الوطني للإدارة الصحية فأعلنت بذلك كُرهها و تضييقها المفضوح عليهم في جميع النواحي، و أعلنها شرفاء الوزرة البيضاء أن التمريض لم يعد بالنسبة لنا مهنة فقط بل هوية و انتماءً و شرفاً، نحيا بحياة ثلاثتهم و نموت بمساس أحدهم. لقد ولّى زمن الطاعة و التبخيس جناب الوزير و لتُعلن لزبانيتك و لمن سيأتي من بعدك أن التمريض أضحى قلعة من قلاع الشرف و الكرامة لا يحكمها إلا من أخلص النية لهذه المنظومة و عرف قدر الأمانة. و اعذروا زلات و شخدات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.