منازلة أقوياء الهمة, رغبة بنكيرانية
تقديم: لم يستحضر كل من كتب- من المغاربة والأجانب- عن تعيين جلالة الملك لفؤاد علي الهمة مستشارا له سوى كون الرجل له سوابق في التضييق على المد الإسلامي في المغرب؛بأي مسمى تسمى.
بدءا ب »حركة لكل الديمقراطيين » التي يخرج منها-كما يعبر الفقهاء- كل المعتبرين غير ديمقراطيين ؛ووصولا إلى « حزب الأصالة والمعاصرة » الذي يتضمن أن الأصالة – في المغرب- ليست خطابا ,أو قيمة, اسلاموية فقط؛بل هي ارث مشاع بين الجميع.
وبين المحطتين – وهما متقاربتان – تفاصيل تنفيذية ؛توزعت بين وزارة الداخلية ,وقبة البرلمان.حتى نبقى في ما هو رسمي عمومي ؛لأن المحللين, الذين يقحمون الصداقة في تسيير دواليب الدولة ,يخلطون الشخصي بالعمومي ,فيجانبون الصواب.
غاب عن الجميع- في ما قرأت ,وما استمعت- أن ملك البلاد لم يزد على الاستجابة- في هذا التعيين- لرغبة بنكيران نقسه ؛حتى قبل أن تستجيب له الأحزاب التي يعول عليها ل »تسخين كتفيه ».
كيف؟
منازلة الأقوياء:
ربما من تخصصي في الدراسات الإسلامية ؛واشتغالي في تأطير تدريس مادة التربية الإسلامية ؛مفتشا ومنسقا جهويا ,ومؤلفا للكتاب المدرسي؛لم تستهوني أبدا الأحزاب الإسلامية ؛فكان حالي كحال كطبيب ,صديق لي ؛وهو اختصاصي في أمراض الكلي:حينما نكون جالسين ,في حفل شواء,مما تقيمه جمعية مستفركي للقنص ,في افتتاح مواسم القنص ؛يسارع إلى إزاحة كليتي الخروف المشوي, من مجال بصره ,ثم يبدأ الأكل:نقول له مازحين: لأنك تعرف ما بداخلهما.
اكتفاءا بانخراطي المهني في الحقل التربوي الإسلامي, لم أسع لمعرفة قادة التوجهات الإسلامية في المغرب ,إلا لماما ؛فحينما تكون مؤطرا لمئات من أساتذة التربية الاسلامية- وبالتبعية لآلاف التلاميذ- لا تفكر في معرفة المزيد؛بل من الأفضل أن تخصص وقت فراغك للنشاط في مجالات أخرى ,وكان هذا ديدني إلى أن تقاعدت.
لهذا كله تتبعت ,بشغف وتوقد, استضافة القناة الأولى للسيد رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران؛فاكتشفت رجلا غير الذي كنت أتوقعه: رجلا بسيطا ,عفويا,تخال أنك ستصادفه ,في الحافلة,أو ما شيا في الأسواق؛ويمكن حتى أن تواصل معه الحديث ,في ما لم يسعه وقت السيدة البارودي من مواضيع.
بدا وكأنه كان –فقط- مارا من أمام مبنى التلفزة ؛فدعي لدردشة عفوية ,بدون « كاميرا شاعلة » ؛ذكرتني بساطته ,وعفويته بالرئيس الفرنسي الراحل فرونسوا ميتران ,حينما قصد مبنى التلفزة الفرنسية ,ماشيا على الأقدام,متأبطا جريدته المفضلة,ليجري أول مواجهة مع غريمه السياسي,في الرئاسيات التي شدت أنفاس الفرنسيين والعالم.وقد حسمت النتيجة لصالحه ؛كما يعرف الجميع.
وقفت على تميز الرجل(بنكيران) عن سياسيينا- حزبيين ومسؤولين- الذين بذلوا ما في وسعهم لحمل المواطنين على كراهية السياسة ,والشأن العام.أقرب مثال هو عباس الفاسي ؛فحينما تسمعه يتحدث يتبادر إلى ذهنك أنه يفكر في أشياء أخرى غير ما يتحدث فيه؛و ربما يخفي أربعة أخماس الحقيقة.
بساطة السيد بنكيران ,وانفتاح قلبه إلى حد الانشراح السياسي ,والوقت وقت شد وهيبة,صنعت قوته التي عبر عنها صراحة حينما تحدث عن تفضيله لمعارضيه الأقوياء على موافقيه ,الطيعين والمهذبين؛وضرب مثالا بشاب « عدالي » فضل – للجاجته- إدخاله مربع الأمانة العامة حتى يستفيد أكثر من معارضته .
حينما استمعت إلى تعيين السيد الهمة مستشارا لجلالة الملك ,استحضرت « هواية » بنكيران المتمثلة في منازلة الأقوياء ,فبدا لي أن جلالته أول من استجاب للمشاورات, فقدم أول هدية لرئيس الحكومة بالاستجابة لرغبته هذه.
نعم الدعم, لأن النصال لاتبريها غير النصال .
الحلبة:
بعد أن أسقط الهمة,وهو مستشار ملكي ,الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة, لم تعد الضربات ,تحت الحزام ,مسموحا بها؛وإلا فسدت الأحوال كلها ,وانهار التناوب الثاني- على حد عبارة عبد الرحمن اليوسفي- وخرجت البلاد من خانة الاستثناء إلى ما لايرضاه أحد لها ؛بله ملك البلاد ,الذي يعيشها حاضرا ,وستعيشه تاريخا؛بعد عمر مديد ,بحول الله .
ستكون المنازلة دستورية ,وتحت ضوء الشمس –في الداخل والخارج؛ولن يسمح الحكم ,وحماة الدستور ,بتأويلات منفلتة تغلب طرفا على طرف ؛بغير وجه حق.
سيتعلم رئيس الحكومة الشيء الكثير مما لم يكن يعرفه عن خصمه ؛فهذا القادم من صخور الرحامنة –وليس من « قيساريات فاس »- لم يكن ليرتقي إلى أعتاب السدة لولا مؤهلات فكرية ,وهمة عالية فعلا.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الرجل –حتى وهو يرتكب خطأ تحويل حركته ,التي كانت واعدة,إلى حزب قائم ,مكتمل البنيان تقريبا,وفي زمن قياسي,لم يستعن بالجان, بل بسياسيين ,وجمعويين مغاربة من اليمين واليسار؛تهافتوا على الحركة أولا ,وعلى الحزب ثانيا.
بل حتى الصحف التي كانت تنتقده ,وعلى رأسها المساء,لم تزد –من إدمانها حديث الهمة- على توطيد
اسمه ومشروعه في الوجدان المغربي.
لعله بهذا أهدى إلى الساحة السياسية المغربية عيوبها؛وقد انطلق أصلا من اقتناعه بوجود عيوب حزبية في المغرب ؛تعكسها تحالفات غريبة نراها اليوم ؛وتعكسها نتائج انتخابية في منتهى الغرابة أيضا.
إن الضربات التي تلقاها حزب الأصالة والمعاصرة ,من حركة عشرين فبراير فقط,وليس من بعض السياسيين المنافقين,ما كان ليتلقاها لولا الربيع العربي ,الذي انطلق من تونس وليس من المغرب .
ذنب هذا الحزب – إن كان له ذنب- أنه آخر من التحق؛كما أن الطريق إلى مصارع قادته(المتوهمة) كانت ممهدة سلفا- تظاهرا أحيانا ,ولاغير, من طرف أحزاب لم تجد في صدورها – وليس في قانون الأحزاب ,وتاريخها في المغرب- متسعا ل »الوافد الجديد »,شكلا وليس مضمونا .
لو لم يكن هناك وافد جديد لانهالت العصا على رقاب أحزاب راسخة في الوطنية و التدبير الحكومي.
الآن, فقط, سيلتقي الرجلان ,بعيدا عن التحريضات المخدومة ,لأولاد الحومة ,وسيصلان حتما –باعتبار عصاميتهما معا,وألمعيتهما-إلى التكامل الضروري ؛الذي تتطلبه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم ؛وبصفة خاصة الدول العربية.
لست هنا للدفاع عن أحد منهما ؛وليسا بحاجة إلى دفاعي , لكنها الحقيقة ,كما أراها؛وقاتل الله المنافقين و المتزلفين.
الجمهور:
يتوزع بين المؤسسي والشعبي ؛قد يبز بنكيران في ما هو شعبي,دون أن يفتقد المؤسسي ؛وقد يبدو الهمة بثقل مؤسسي أكبر؛دون أن تنقصه الشعبية ممثلة في المعارضة بالبرلمان.
ليس للأول أن يدلي إلا باختصاصاته ,المحددة دستوريا,وبقاعدته الشعبية والحزبية؛وحتى تحالفاته لا يمكن أن يثق فيها دائما للأسباب المذكورة؛وليس للثاني أن يدلي بغير اختصاصاته الاستشارية ؛المؤطرة باختصاصات الملك في الدستور.
طريق بنكيران إلى « قلوب » المعارضة,في البرلمان, قد يكون الهمة على كل حال ؛وطريق الهمة إلى شعبية الشارع ,هو بنكيران.
أما المؤسسة الملكية فهي حكم على الجميع؛ ويهمها ,كما يهمنا جميعا, أن تسير الباخرة ,بالمحرك الأمثل ؛وليس على متنها ,إطلاقا, من يريد غرقها.
أين الغرابة في هذا التوازن؟لماذا التوجس من رئيس الحكومة الجديد؟ لماذا التوجس من تعيين الهمة مستشارا؟لماذا تغلب علينا ثقافة الاقتتال دائما؟ لماذا نحن لائيون دائما؟
إن الناظر إلى موقع المغرب الجغرافي؛المستحضر لكل تاريخه ,كما تناسلت أحداثه ,شرقا وشمالا وجنوبا ؛منذ استوى دولة مستقلة ؛قائمة منذ أزيد من عشرة قرون ؛ لا يرضى له بغير رجال أقوياء يديرون شؤونه ,ويحافظون على تفرده.
كل الضعفاء الذين مروا من هنا فضحهم ضعفهم أولا وطواهم النسيان في ما طوى.
Ramdane3@gmail.com
1 Comment
انا لااريد ان اخوض في نظرة الاخ مصباح للسياسة والسياسيين ..ولست قادرا على مزاولتها . لكن سؤالي موجه الى الاخ مصباح رمضان الذي اعرفه جيدا منذ زمن طويل وهو ابن المنظقة التي انتمي اليها وهي ( الزكارة ) بمعنى ان الاخ رمضان منذ معرفتنا له فهو زكراوي والذي لاحظته مؤخرا وفي موضوعين قراتهما له يكتب اسما ثلاثيا وهو ( مصباح رمضان الادريسي ) بمعنى انه ينتمي للشرفاء الادارسة .. وساكون شاكرا وممتنا اذا قدم لي توضحا وشروحا لهذا اللقب لعله يكون قد اهتدى الى شجرة نسبه ..وكيف ذلك ..وشكرا له ولوجدة سيتي