الغرب ونحن « فرصة تقارب سانحة « أم « لا اجتماع بين الأروى والنعام « ؟
الغرب ونحن « فرصة تقارب سانحة « أم « لا اجتماع بين الأروى والنعام « ؟
محمد شركي
حضرت محاضرة المفكر المغربي الأستاذ الدكتور حسن أوريد ،التي ألقاها بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة تحت عنوان : » الغرب ونحن » يوم السبت الماضي بعد صلاة المغرب . وكان من المفروض أن يفتح باب النقاش جريا على عادة المحاضرات ،إلا أنه ربما حال دون ذلك ضيق الوقت بسبب حفل توقيع كتب هذا المفكر. ولما كان كل فكر يعرض لا محالة يناقش، أو ينتقد إما له أو عليه فلا بد من هذه المناقشة المتواضعة . فبعيدا عن سوء فهم هذا المفكر ،أو الشك في نواياه ، أو تخطئته في دعوته لفهم الآخر ، وما هذا الآخر سوى الغرب الذي قص علينا قصته من فترة تعصبه الديني إلى فترة تعصبه العلماني مرورا بكل ما أفرزه تعصبه الأول والثاني من شذوذ وتطرف نحاول مناقشته مع كل تقدير واحترام . ولا أعتقد أنه يوجد عاقل في الدنيا يستطيع أن يقع في الخطأ الذي وقع فيه الغرب عندما فكر في عولمة نموذجه الحضاري على حساب غيره من النماذج الحضارية ، ولكن مع ذلك لا بد من جر الحضارات الأخرى حضارة الغربية إلى حوار حقيقي وهادىء ومتزن يقوم على أساس التعايش لا على أساس الهيمنة والإقصاء . ولقد عرف العصر الحديث العديد من محاولات التقريب بين الحضارة الغربية وغيرها من الحضارات الإنسانية بما في ذلك حوار الديانات ، وهي محاولات حضرها المفكرون والفلاسفة ورجال الدين والساسة ، لكنها كانت دائما تنتهي إلى نفق مسدود ،لأن الحضارة الغربية لم يكن في نيتها أن تحاور، بل كانت تريد عولمة نموذجها على حساب غيرها من النماذج الحضارية . فالمشكل في اعتقادي أن الغرب هو الذي يرفض الآخر وليس الآخرهو الذي يرفضه. وعندما نقرأ عنوان محاضرة مفكرنا المحترم : » الغرب ونحن » قراءة أهل اللغة على أساس وجود محذوف في العبارة ،إما مبتدؤها أو خبرها نكون أمام فرضيتين اثنتين . فإذا قدرنا المحذوف مبتدأ قلنا : » هذا الغرب ونحن » وتكون الفرضية أن المحاضر يريد أن يخبرنا عن الغرب فحسب وما أظنه أراد ذلك أو قصده . وأما إذا قدرنا المحذوف خبرا قلنا : » الغرب ونحن متقاربان ،أو بإمكاننا التقارب أو ….. » تكون الفرضية أن المحاضر يريد هذا القصد ، وهو قصد نبيل من مفكر راجح الفكر. وقبل أن نتحدث عن إمكانية الفرضية الثانية ،لا بد أن نستحضر مقومات حضارتنا الإسلامية ونقابلها بمقومات الحضارة الغربية ، لسبر أغوار كل تقارب ممكن بين الحضارتين . فالمحاضر ذكر الاستخلاف في حضارتنا مقابل السيادة والهيمنة في حضارة الغرب . وذكر المسؤولية في حضارتنا مقابل الحرية المطلقة في الحضارة الغربية . وذكر تواضع حضارتنا مقابل صلف وتنطع وتحدي الحضارة الغربية . ومن خلال مقارنة عابرة يبدو التناسب بين الحضارتين أشد ما يكون بعدا ، وعليه يصدق المثل العربي : » لا يجمع بين الأروى والنعام » ذلك أن الأول يسكن الوعر ، والآخر يسكن السهل ، وبينهما من الفرق ما بين الوعر والسهل . فالحضارة الغربية سكنت الوعر ، بينما سكنت الحضارة الإسلامية السهل .
والمشكل ليس في حضارة السهل ، بل في حضارة الوعر . وشتان بين حضارة الإنسان فيها عبد مخلوق لله تعالى ، وحضارة العبد فيها متنكر لعبوديته متجاسر على خالقه ، وينازعه الألوهية والربوبية . وما أرى مفكرنا المحترم وهو يبسط يده إلى الغرب سوى هابيل الذي بسط يده المسالمة لأخيه قابيل الذي بسط له يد القتل والاستئصال . فحال حضارتنا الإسلامية اليوم مع الحضارة الغربية هي حال نبأ ابني آدم الذي تلاه علينا القرآن الكريم بالحق : ((إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين )) أما قربان الحضارة الإسلامية فهو الإقرار بالعبودية لله رب العالمين ، والتواضع له، وتحمل المسؤولية وفق إرادته . وأما قربان الحضارة الغربية فهو التنكر للعبودية لله تعالى ،وادعاء السيادة والحرية المطلقة في الكون ، والتحدي والتجاسر على إرادة الخالق جل وعلا . ولما تقبل الله عز وجل من الحضارة الإسلامية تواضعها أغضب ذلك الحضارة الغربية المتنظعة ، فبسطت يدها لقتل الحضارة الإسلامية . و قد قتلتها بالفعل وأصبحت بذلك خاسرة ، وهي اليوم تردد قول قابيل : (( يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي )) أجل لقد بسطت الحضارة الغربية يدها بالقتل للحضارة الإسلامية التي بسطت في المقابل لها يدها بالأنوار. وكان أكبر خطأ ارتكبته الحضارة الغربية هو الإجهاز على الحضارة الإسلامية في الأندلس عوض تعميمها في كل أرجاء أوروبا ،لتنقل إلى كل أرجاء الدنيا .
فلو قدر للحضارة الإسلامية أن تبقى في الأندلس، وتمتد إلى باقي أوروبا والعالم لكان للعالم اليوم شأن آخر. ولقد أخذت الحضارة العربية فلسفة الأنوار من الحضارة الإسلامية ، ولكنها أساءت استخدامها ،فكانت النتيجة هي تشيىء الإنسان ، وتفضيل ما سخرله من مادة عليه. وها هي الحضارة الغربية لا تزال تبسط يدها للحضارة الإسلامية لتقتلها في كل حين ، وفي كل مكان في العالم . غزو مسلح وبطش ، واكتساح ، وتسليم للأرض الإسلامية مجانا للصهاينة وحضارتهم قابلية ـ نسبة لقابيل ـ ، وطغيان لا مثيل له طال كل شيء . والحضارة الغربية المتجبرة تضيق ذرعا حتى بنقاب المرأة المسلمة ، في حين تتحمل الحضارة الإسلامية العري الفاحش للمرأة الغربية . والحضارة الغربية التي تتدعي الأنوار عبارة عن ظلمات بعضها فوق بعض . فالغرب ونحن معادلة مستعصية على الحل ،لأن الغرب يرفضنا، ويلفظنا من موقع قناعة التجبر والغطرسة فيه . ونحن نقبله ، ونهادنه ونمد له اليد من موقع قناعة التواضع والمسؤولية فينا . وأخيرا أقول لن نشك في نية مفكرنا الفاضل حين يدعونا لفهم الآخر ،فهو ابن الحضارة الإسلامية المتواضعة المسؤولة المستخلفة ، ولكننا نشك في الحضارة الغربية المستكبرة الممارسة للحرية دون ضوابط ، والمتحدية خالق الأكوان بتجاسر وتنطع . ولن يستفيق بروميثيوس من غطرسته أبدا ، و في المقابل لن يدع موسى عليه السلام تواضعه ، فهذا الأخير لما أفاق من صعقته بعد نشدان المستحيل قال : (( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )) أما بروميثيوس فلا زال متمردا ومتنظعا يطلب المستحيل ، ولن يتوب أبدا توبة موسى عليه السلام .
Aucun commentaire