قصة مناضل من بوعرفة
الذين يعرفون معنى النضال و الاستماتة و التضحية و العطاء قبل الأخذ, لن يترددوا في الجزم بكون هذه الصفات هي لصيقة بالمناضل الصديق كبوري. هذا الشخص الذي لا يتوانى في البذل و العمل الجاد في سبيل أهداف في منتهى النبل تسمو على كل ما له علاقة بالمنصب و السلطة.
ماذا كانت نتيجة الأعمال الجليلة و الخدمات التي أسداها الصديق من حياته و راحته لردح من الزمن؟ الجواب بكل ببساطة الزج به في غياهب السجون مع أصحاب الحق العام. لقد أرادوا بهذه الطريقة «إيهام» أنفسهم قبل الرأي العام أن الصديق «ارتكب» جرما و هو خطر على المجتمع. لذلك فلا حل سوى الزنزانة.
لا أحد يمكنه أن يصدق هكذا كلام. فالرجل معروف عند القاصي قبل الداني, عند العجوز قبل الشاب, عند المجنون قبل العاقل. الصديق هو فعلا صديق. الصديق كبوري ناشط حقوقي و نقابي يتمتع بشعبية كبيرة بفعل غزارة ثقافته و مستواه الأكاديمي.
مهما حاولنا إبراز ما يتمتع به مناضل من طراز الصديق كبوري فمن الصعب أن نوفيه حقه كاملا.
لقد «قرروا» سجنه لمدة ناهزت السنتين والنصف بتهم, تشهد هيئت الدفاع وكل من حضر أطوار جلسات محاكمته يوم 17 يونيو الجاري, بالمحكمة الابتدائية بمدينة بوعرفة, أنها غير عادلة و متجاوزة لكل شروط المحاكمة العادلة.المحكمة تغاضت عن كل ما جاء به دفاع المتهمين و تحاشت تصريحات المتهمين أثناء الاستنطاق.بل حتى الجانب الإنساني كان مغيبا ولم يسمح حتى للمتهمين بالجلوس رغم الإعياء الذي كان باديا عليهم.
هي أمور لم تكن وليدة الصدفة فالمحاكمة كانت غير عادية من لحظة «اختطاف» المتهمين حتى لا نقول اعتقالهم على اعتبار أن المتهمين تم اقتيادهم بطرق تعود بنا إلى سنين خلت و من الشارع دون إتباع المساطر القانونية المعمول بها في هذا المضمار. محاكمة الصديق كبوري ومن معه أعدت لها العدة منذ أول وهلة. تم ترتيب الأمور لتكن بذلك أحداث 18 من ماي المنصرم هي المبرر الذي استندت عليه الضابطة القضائية لاتهام المناضلين بتهم «محبوكة». هذه الأحداث التي لازالت ملفوفة بكثير غموض عن من تكون الجهة التي حركتها أو من من مصلحته نشوب مثل هذه الأحداث؟ لماذا يجب طرح مثل هذه التساؤلات; ليست هذه هي المرة الأولى التي تنظم فيها مظاهرات أو احتجاجات بمدينة بوعرفة. فالمدينة تعيش على إيقاع الاحتجاج منذ مدة طويلة. وهذا الأمر مشار إليه في تقارير وزارة الداخلية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مدينة بوعرفة تتربع على عرش المدن الأكثر احتجاجا بين مدن المغرب.
إذن فواقع الاحتجاج أمر اعتادت عليه ساكنة المدينة. الأسباب أو المسببات التي تعزز ظاهرة الاحتجاج لا تحتاج لكثير تحليل لمعرفتها. هناك الفقر و الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي…الخ. الصحافة بدورها لطالما أشارت بالدرس و التحليل لهذه الظروف التي يعيشها إقليم فجيج الذي يعتبر من هوامش المغرب العميق. فكانت ثقافة الاحتجاج السلمي النواة التي ارتكز عليه الإقليم لمحاربة الفقر و الحاجة و تسليط مزيد من الضوء.
الصديق كبوري كان أحد أبرز المناضلين الذين حاولوا لمدة طويلة ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان و الدفاع عن الحق في التعبير الذي ينضبط لروح القانون. فكنت تراه يعمل على تعبئة مختلف الشرائح الاجتماعية و مساندتها أينما وجدت. قاوم كثيرا كل أشكال التضييق و الترهيب التي كان يتعرض لها وذلك نتيجة إيمانه الصادق بعدالة القضايا التي يدافع عنها من منطلق مبادئ حقوق الإنسان الكونية.
حتى مواقفه في عدد من القضايا كانت غاية في المفخرة و السمو. فأثناء ترويج صور مفبركة لعائلة وزيرة الصحة, كان الكبوري من بين من شجب إقحام الأمور الشخصية لمن يسيرون الشأن الوطني. فالصديق يؤمن بمحاسبة أداء الأشخاص دونما استغلال الأمور الشخصية. الصديق كان يساير مختلف التطورات التي تقع على المستوى الوطني و المحلي. فكان ينخرط في عدد من الأنشطة النقابية و الحقوقية التي تعني المعيش اليومي لساكنة المدينة.
انشغالاته المتعددة لم تثنه يوما عن مواصلة الدرب الذي سطره لنفسه إيمانا منه بعدالة القضايا التي يدافع عنها. وحتى الزج به بهذه الطريقة الغريبة في أمور لم يرتكبها هي نيشان فخر له عن المكانة التي يتمتع بها.
ومن الأسئلة التي يجب طرحها هل كانت محاكمة الصديق كبوري عادلة حقا؟ وإذا لم تكن كذلك فهل ستتم إعادة محاكمته بجعل قرينة البراءة هي الأصل و تمتعيه هو وباقي المتهمين بكافة الضمانات القانونية التي يجري الترويج لها في إطار مشروع الدستور الجديد؟
نتمنى ونرجو أن تكون مرحلة الاستئناف مرحلة «تصحيحية» لإسقاط التهم الموجهة للصديق كبوري و غيره من المتهمين.
Aucun commentaire