ليس المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية التظاهر بل إرغام أنظمتها على فك حصار غزة إجرائيا
لا أحد ينكر أن تظاهر الشارع العربي والإسلامي له تأثيره ووزنه في الساحة العالمية خصوصا عند الذين يناصرون الكيان الصهيوني ويستغلون ثروات البلاد العربية والإسلامية . فالمظاهرات في الشارع العربي والإسلامي تقض مضاجع الإمبريالية التي تخشى على مصالحها ولكن إذا كانت هذه المظاهرات لا تتجاوز صخب الحناجر لبعض الوقت تحت حراسة ما يسمى شرطة مكافحة الشغب ثم تهدأ بعد ذلك في انتظار أن يرتكب الكيان الصهيوني حماقة جديدة تهدر الدماء البريئة لتعود من جديد وتصير شكلا ممجوجا من الغضب الشعبي فلن تستفيد القضية الفلسطينية شيئا. صراخ وغضب الشعوب العربية والإسلامية ومظاهراتها لن تفك حصارا ولن تطعم جائعا ولا تنقذ مريضا يصارع الموت، ولن تبني مسكنا قد هدم في غزة .
إن غزة في حاجة إلى فك حصار لتعود إليها الحياة لأنها تموت موتا بطيئا بسبب الحصار الظالم . ولعل الذي جعل الكيان الصهيوني يعترض قافلة الحرية في عرض المياه الدولية هو علمها علم اليقين أن مثل هذه القافلة تعني ضخ دماء الحياة في غزة التي صارت بمن فيها في وضعية مريض في قاعة إنعاش. لقد ثارت ثائرة الصهاينة حين جاءت المبادرة من تركيا التي تقدر الموقف الخطير في غزة ، وقد كانوا يتسلون بالموت البطيء المكتسح لغزة ، ويسخرون من الأنظمة العربية والإسلامية الصامتة على جريمتهم التي هي جريمة ضد الإنسانية غير مسبوقة في التاريخ . لقد أقنع الصهاينة العالم المغفل بأنهم كانوا ضحايا التصفية العرقية من طرف النازية ، وذروا الرماد في عيون هذا العالم المغفل حتى لا ينتبه إلى أن غزة هي ضحية تصفية عرقية من طرف الصهيونية التي هي أدهى وأعتى من النازية . لقد زعم الصهاينة أنهم كانوا ضحايا أفران الغاز ، وها هم قد حولوا غزة إلى فرن التجويع والحرمان يموت فيه يوميا العشرات وحتى المئات والموت مصير مليون ونصف مليون فلسطيني قالوا لا للاحتلال ولا للمفاوضات مع المحتل . إن أفران الغاز ومعسكرات الموت النازية المزعومة لا أثر لها على أرض الواقع إنما هي أساطير كما قال الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي في كتابه » الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل » وهو كتاب لم يعد له وجود إذ صفته الصهيونية تصفية تامة لأنه يفضح أكاذيبها بينما فرن غزة ومعسكر الموت فيها واقع ملموس وشاهد عيان في عصر الصورة المتطورة بحيث حتى الهواتف الخلوية ترصد هذا الفرن وهذا المعسكر الرهيب. إن حس العالم متبلد حقا لأنه يصدق بسهولة المحرقة اليهودية وهي محرقة موهومة تحتاج إلى دلائل لأنها تعتمد الظن والأساطير المختلقة المهولة لأمرها من أجل حاجة في نفس يعقوب وهي طمس الحق الفلسطيني ، وكـأن الشعب الفلسطيني هو الذي كان يدير معسكرات الموت وأفران الغاز الوهمية في ألمانيا .
لقد صار الشعب الألماني صديقا حميما للصهاينة وصارت المستشارة الألمانية تزور موقد النار الصهيوني وتضع فيه باقة الزهور القسرية لتزكية الأسطورة الصهيونية كما يفعل كل من يزور المحتل الصهيوني فوق الأرض الفلسطينية المغتصبة ولم يخطر ببال الصهاينة أنها ربما كانت منحدرة أو سليلة من كان يدير أفران الغاز ومعسكرات الموت . وإني لأقسم بمحرجات الأيمان أنه لو صحت أسطورة الأفران والمعسكرات هذه لما أطاق الصهاينة مجرد النظر إلى وجه المستشارة الألمانية حتى لو لم تكن لها علاقة بالأفران والمعسكرات ودليلي القاطع على ذلك أن الصهاينة يعاقبون شعب غزة برمته دون تمييز لأن فيه من حمل السلاح ضدهم لمقاومة احتلالهم ، فكيف يعاقب الصهاينة هذا العقاب الرهيب من قاومهم لمجرد استرجاع حريته ، في حين يتسامحون مع الذين زعموا أنهم أحرقوهم في المحرقة الوهمية ؟ أيهما سيكون أشد على الصهاينة لو كانوا صادقين المحرقة النازية أم المقاومة الفلسطينية ؟ إن الصهاينة عرق متشبث بالماضي فلا يمكن أن يتناسى ماضي النازية القريب لو صحت أسطورة المحرقة وهو الذي لم ينس أساطير العهد القديم ولا زال ينبش تحت المسجد الأقصى بحثا عن أسطورة هو على يقين بأنها وهم وخيال ومحض كذب من أجل تبرير احتلاله لأرض فلسطين العربية الإسلامية بشهادة التاريخ الطويل العريض الذي لا يملك منه الصهاينة مقدار جرة قلم . لقد تمادى الصهاينة في الاستخفاف بالعالم الذي تبلد حسه وصار يقف معهم في حماقاتهم ويسكت على جرائمهم التي لو صدرت من غيرهم لقامت دنيا العالم ولم تقعد .
إن العالم المغفل الذي تبلد حسه أمام الصهاينة قد عاد إلى زمن المجتمع الطبيعي الخالي من شيء اسمه القانون إذ اقتنع هذا العالم بأن عرقا من الأعراق يحق له أن يستعبد غيره ويقتل ويذبح ويهجر كما كانت الشعوب البدائية الطبيعية تفعل ذلك غريزيا للدفاع عن نفسها قبل أن تخترع الحضارات التي قامت على أساس سيادة القوانين . لقد أعاد الصهاينة عالم اليوم المغفل إلى ما قبل التشريع وما قبل حمو رابي كل ذلك لتبرير اغتصاب أرض فلسطين بمساعدة ومساندة بريطانيا العظمى التي غزت الشرق الأوسط بدعوى نقل الحضارة إليه وحقيقة أمرها أنها غزته طمعا في خيراته وخوفا من يقظته لأن التاريخ علمها أن يقظة العرب والمسلمين هي نهاية الظلمات وبداية الأنوار. لقد جاءت بريطانيا العظمى بعصابات الصهاينة على ظهر دباباتها لتسكنهم في وطن العرب والمسلمين لأنهم لم يكن لهم وطن أبدا ولن يكون لهم لأنهم عرق يضع نفسه فوق الأعراق ، وعرق هذا شأنه لن يسعه وطن لأن الكرة الأرضية هي موطن البشر وهم يجعلون أنفسهم فوق البشر لهذا أنى يساكن الصهاينة البشر وهم من طينة أخرى كما يزعمون ؟ أليسوا يتصرفون تصرفات غير بشرية في الأرض ؟ هل يوجد بشر فوق الأرض يستطيع أن يحاصر ويجوع ويقتل ويشرد بشرا مثله ؟ لقد كان دأب الصهاينة عبر التاريخ البحث عن التميز حيثما ساكنوا غيرهم فهم يختارون حيث ما حلوا أفضل المنازل وأفضل الأحوال لأنهم يعيشون بعقدة الاستعلاء على الناس جميعا ، فكيف يكون لهؤلاء وطن بين الناس ؟ وكيف سيكون هذا الوطن إذا كان الصهاينة لا يقنعون بما عند الناس ؟
إن العالم المغفل يعرض مصيره للهلاك والفناء بالسماح لعقيدة الاستعلاء الصهيونية بالتمادي في طغيانها . فمن مصلحة هذا العالم أن يصون السلم والأمن العالميين باستئصال شأفة الصهاينة الذين أضحوا قنبلة موقوتة تهدد الأمن والسلم في هذا العالم . فخير لهذا العالم أن يضحي بحفنة من عرق متعصب مريض بالاستعلاء من أن يعرض كل الأعراق البشرية للهلاك المحقق . سينفد صبر الذين وقع عليهم عدوان الصهاينة ، وستكون حروب تأتي على الأخضر واليابس في هذا العالم الذي استغفله واستبلده الصهاينة من أجل إشباع نهم ساديتهم . وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تغير من أسلوب التظاهر السلبي لتضغط بطرق أخرى ذات فعالية وجدوى على أنظمتها من أجل إيقاف الموت البطيء الذي يخنق غزة الصامدة والتي فضحت وعرت طبيعة الصهيونية الإجرامية المتعالية المتغطرسة على كل شعوب العالم والتي تعيش عالة على هذه الشعوب وعلى حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية .
Aucun commentaire