غابت القضية الفلسطينية وحل محلها الخلاف الفلسطيني
في ظرف جد حساس بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي عبارة عن أرض محتلة وشعب مشرد ، وحقوق ضائعة ، ومقدسات مهددة….. نلاحظ طغيان الخلاف بين فصيلين فلسطينيين حتى أنه لا حديث إلا عن هذا الخلاف الذي عرفنا بدايته ولا يعلم نهايته إلا الله عز وجل. وتكمن خطورة هذا الخلاف المستعصي على كل الحلول في كونه أريد له أن يغطي على القضية الفلسطينية في هذا الظرف بالذات ، وهو ظرف تحركات العدو الصهيوني تحت الغطاء الغربي الأمريكي والأوروبي من أجل تكريس الاحتلال والدخول بالقضية الفلسطينية في مرحلة جديدة من مراحل رهان العدو على تراخي الزمن لفرض الاحتلال كأمر واقع. لقد كان من المفروض أن يكون الخلاف الفلسطيني سرا من أسرار الفلسطينيين لا تعلمه إلا القيادات وعلى غرار باقي الأسرار الوطنية الفلسطينية التي تعتبر من أسرار الأمن القومي الفلسطيني التي لا يجوز أن تطفو على السطح بله تسوق إعلاميا ويوميا ولأجل غير مسمى. ولقد بات من المؤكد أن هذا الخلاف الفلسطيني إنما هو خطة غربية أمريكية وأوروبية من أجل مصلحة العدو الصهيوني ذلك أنه من تداعيات هذا الخلاف توفير الذرائع للغرب من أجل إدعاء عدم وجود قيادة فلسطينية جديرة بالتفاوض من أجل تسوية للقضية الفلسطينية العالقة إذا ما كان مسار التفاوض سيفضي إلى حل وهو أمر مستبعد في الوقت الراهن .
ومعلوم أن الغرب ينتظر فرصة تعبير القيادة الفلسطينية عن رفضها للتفاوض تحت مظلته من أجل أن يسحب بساطه من تحت أقدامها ليعبر بدون قناع عن مساندته للعدو الصهيوني في غياب إرادة فلسطينية للانخراط فيما يسمى مسلسل السلام. والعدو الصهيوني يتظاهر دائما أمام العالم وبتوجيهات الغرب الداعم له بقبوله لمسار السلام دون أن يتخلى عن سياسة الاحتلال بشتى الوسائل . وكان من المفروض أن يجمع الفلسطينيون بين إظهار الاستعداد للتفاوض بشأن ما يسمى مسلسل السلام وفي نفس الوقت يتشبثون بخيار المقاومة تماما كما يتظاهر العدو الصهيوني بقبول التفاوض دون التخلي عن سياسة الاحتلال. ولا يجب أن يكون المساران : مسار التفاوض ومسار المقاومة موضوع خلاف بين الفلسطينيين ذلك أن المقاومة مشروعة وواجبة طالما وجد الاحتلال ، والمفاوضات ممكنة طالما وجد ما يدعو إلى ذلك . وكما أن العدو يجعل خيار الاحتلال بديلا عن فشل المفاوضات فلا بد أن تكون المقاومة بديلا عن فشل المفاوضات أيضا. ولا يجب بتاتا الربط بين المفاوضات والمقاومة على غرار الربط بين نقيضين ينقض وجود أحدهما وجود الآخر لأن العدو الصهيوني لا يربط هذا الربط بين الاحتلال والمفاوضات.
وشطب خيار المقاومة من الطرح الفلسطيني يعتبر شرطا مسبقا للمفاوضات تماما كما يعتبر العدو الصهيوني شطب الاحتلال شرطا مسبقا لهذه المفاوضات.
ولعل الحل الأمثل لإنهاء الخلاف الفلسطيني هو إقرار طرفي الخلاف بخيار كل طرف دون اللجوء إلى منطق التجريم والتخوين المتبادل ذلك أن الطرف الذي اختار مسار المفاوضات لا يمكنه التنكر لمسار المقاومة والعكس يصح أيضا لأن العدو الصهيوني لا يجرم بعضه بعضا مع وجود ما يسمى بالحمائم و الصقور حمائم تفاوض وصقور تهدد والاحتلال أمر واقع وقائم . ولا يمكن أن تروج مقولات التفريط في الحقوق الوطنية الفلسطينية على ألسنة الطرف صاحب خيار المقاومة ، ولا مقولات تعريض الأمن القومي الفلسطيني للخطر على ألسنة الطرف صاحب خيار المفاوضات لأن العدو الصهيوني لا يقول فريقه صاحب خيار الاحتلال والحل العسكري بالتفريط في حقوق إسرائيل ، كما أن فريقه صاحب خيار التفاوض لا يقول بتعريض أمن إسرائيل للخطر. ومن المعلوم أن الشعب الفلسطيني وهو أكثر الشعوب العربية وعيا سياسيا نظرا لمحنته يدرك أن الخيارين معا التفاوض والمقاومة خطان متوازيان من أجل سير قاطرة القضية الفلسطينية سيرها العادي.
وصناديق الاقتراع التي يدعو كل طرف غيره إليها لن تكون نتائجها سوى الجمع بين الخيارين المقاومة إن تشبث المحتل باحتلاله والتفاوض إن تخلى عنه. ولا يمكن لطرف فلسطيني أن يراهن على فوزه بخيار واحد في انتخابات منتظرة لأن الشعب الفلسطيني يناضل من أجل قضيته بكل الوسائل المتاحة بما فيها التفاوض ، فإن صار التفاوض وسيلة غير مجدية تركه الشعب الفلسطيني إلى وسيلة أخرى بما في ذلك المقاومة المسلحة. ويمكن القول أن الفريق الفلسطيني الذي راهن على التفاوض لم يكن مخطئا ، وإنما كان مجربا لوسيلة يراهن عليها الغرب الداعم للعدو الصهيوني والمتربص بالشعب الفلسطيني . كما يمكن القول بأن الفريق الفلسطيني الذي راهن على المقاومة لم يكن أيضا مخطئا ، وإنما كان مجربا لوسيلة تقوم بديلا عن فشل وسيلة الفريق الآخر بل كانت وسيلة المقاومة دعامة لوسيلة التفاوض لأن قاعدة التفاوض تقوم على أساس وجود ضغط ،ذلك أن الاحتلال الصهيوني يضغط عسكريا من أجل مكتسبات على مسار التفاوض ، فكذلك الفلسطينيون لا بد أن يضغطوا بالمقاومة من أجل مكتسبات على مسار التفاوض.
وأخيرا نقول لقد آن الأوان ليتوقف فورا الخلاف الفلسطيني بكل مظاهره السجون المتبادلة بين الطرفين والمنع من الحركة والسجال الإعلامي…. إلى غير ذلك والذي كاد يطمس القضية الفلسطينية ويغيبها في ظرف جد حساس ، ومنعطف جد خطير والكلمة الأولى والأخيرة للشعب الفلسطيني الراشد وغير القابل للوصاية والذي يختار القيادة والوسيلة التي تعيد له حقوقه كاملة غير منقوصة بمحض إرادته لأنه هو الذي دفع ويدفع الثمن الغالي بتضحياته الجسام من أجل الحرية.
Aucun commentaire