انها النكبة يا شعب فلسطين
انها النكبة..يا شعب فلسطين..!
« آمنت بالحرف إما ميتا عدما..أو ناصبا لعدوي حبل مشنقة..آمنت بالحرف نارا لا يضيرإذا..كنت الرماد أنا..أو كان طاغيتي..!, فإن سقطت..وكفي رافع علمي..سيكتب الناس
فوق القبر..لـــم يمـــــتِ »!.
تهل علينا بعد أيام الذكرى الحادية والستون لنكبة شعبنا العربي الفلسطيني الذي إقتلع من أرضه وشرد في أصقاع العالم..واحد وستون عاما وما زال شعبنا القلسطيني يسير في درب الآلام الطويلة يعاني الأمرين,مرارة التشريد ومرارة حياة القهر في ديار الأغراب..واحد وستون عاما وشعبنا الفلسطيني يعاني الويلات والظلم والقهر, ويعيش حياة البؤس من التشريد والتهجيروالتعذيب والمعاناة والالام..واحد وستون عاما من المهانة والمصادرة لحقوق شعب بأكمله وما حملت في طياتها من مئات المجازر والمذابح.
تزامنا مع احتفال الصهاينة بقيام كيانهم, تحل ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني الباسل..في مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل الصهاينة بـ »يوم استقلالهم »..أما نحن فهو « يوم نكبتنا »..يحتفلون بقيام دولتهم التي أقاموها في غفلة ونوم وتغافل من العرب، مدعومين سياسيا وماليا وعسكريا من الخارج.. وقد بدأت خيوط المؤامرة ببازل بسويسرا عام 1897، وبلغت ذروتها المشئومة في 15-5-1948 وهو يوم « النكبة ». والنكبة هي فصل الشعب عن أرضه، وهي طرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948، وهم حينئذ 85% من أهالي الأرض التي أصبحت تسمى زورا وبهتانا « إسرائيل ».
نعم, انهم يحتفلون كل عام بعيد »استقلالهم », والسؤال الذي يطرح نفسه:ما هو الاستقلال؟ لغويا وفعليا, الاستقلال هو أن تنال دولة حريتها من المستعمر, فأي مستعمر كان يحتل »اسرائيل »؟..لقد أقام الصهاينة كيانهم على أراضي فلسطين التاريخية حيث تمكنوا من احتلال ما مساحته 78% من هذه الأراضي عام 1948 بمساعدة ودعم بريطاني وتواطؤ عربي وفلسطيني (بعض الشخصيات الفلسطينية)..انه يوم نكبة شعبنا الفلسطيني الكبرى..وقد تمكن هذا الكيان الغاصب من احتلال ما تبقى من فلسطين في حرب حزيران عام 1967 وهذا اليوم يعرف بالنكسة, حيث تمكن الكيان الصهيوني بالاضافة الى ما احتله من فلسطين أن يحتل أراضي سورية ولبنانية ومصرية.
.نعم تمكن من هزم ثلاثة جيوش عربية..انها مأساة لاحقتنا وستلاحقنا الى أن يتم تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر, وان هذا اليوم ات لا محالة, فقد أقسم أطفال فلسطين أطفال الحجارة أن لا نوم بعد اليوم وان تحرير البلاد من مغتصبها لهو واجب مقدس وأقسموا أن يضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحقيق ذلك.
ونتيجة لما لحق بنا من نكبة ونكسة أصبح شعبنا الفلسطيني كالمثلث بأضلاعه الثلاثة, ضلعه الأكبرفلسطينيو الشتات وضلعه الثاني فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وأما ضلعه الأصغر فيمثله فلسطينيو الاحتلال الأول, ولكن ورغم كونهم الضلع الأصغر الا أنه لا حل لقضيتنا بدونهم بل انهم مفتاح هذا الحل. ورغم مرور فترة طويلة على النكبة.. رغم مرور واحد وستون عاما الا أن الشعب الفلسطيني بقي متمسكا بحق العودة, هذا الحق المقدس كقدسية الأديان, فالعودة حق والحق هو العودة..بقي أبناء شعبنا الباسل متمسكين بهذا الحق رغم تنازل بعض القادة الفلسطينيين عنه واهماله بحكم
أنه مرت عليه فترة زمنية طويلة..مصطلح يطلق عليه بعض النفوس المريضة »التقادم »..لن يسقط هذا الحق أبدا لأننا ملح هذه الأرض الذي لا يذوب, فجذورنا في الأرض عميقة وفروعنا تناطح السماء, والويل كل الويل لمن تسول له نفسه بالتلاعب بهذا الحق.. »لماذا تركت الحصان وحيدا؟..لكي يؤنس البيت يا ولدي..فالبيوت تموت اذا غاب سكانها »..نعم لقد بقي الحصان وحيدا لكنه ما زال ينتظر أصحابه..ينتظر أولئك الذي هجروا من ديارهم وأراضيهم, وان هذا اليوم ات لا محالة, فالتأريخ علمنا أن الشعوب صاحبة الارادة لا بد الا أن تحقق أهدافها وامالها, وهنا أستذكر ما قاله الشاعر الفلسطيني البارز الراحل راشد حسين:سنفهم الصخر ان لم يفهم البشر**ان الشعوب اذا هبت ستنتصر..ومهما صنعتم من النيران نخمدها**ألم تروا أننا من لفحها سمر**وان قضيتم على الثوار كلهم**تمرد الشيخ والعكاز والحجر.
نعم سنعود الى فلسطين كل فلسطين, حتى وان قام المجلس الوطني الفلسطيني بالغاء وتعديل
بنوده التي لا تعترف بالكيان الصهيوني وذلك لتمرير مخططات أوسلو والحكم الذاتي سيء الصيت والسمعة..انه يوم أسود, انه يوم الرابع والعشرين من نيسان عام 1996 وفي مدينة غزة..في ذلك اليوم المشؤوم, تم شطب الثورة, لتسجل هذه الثورة اول سابقة في التاريخ وهي تعديل ميثاقها ليرضى عنها المحتل الغاصب واعوانه في الغرب.
في هذا اليوم سجلت الثورة انقلابا على نفسها وقامت بشطب ثورتها, لتتعاون عوضا عن ذلك مع محتليها، فيما يبقي الجزء الآخر والأكبر من شعبنا متمسكا بما انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية من أجله ألا وهو تحرير فلسطين من الماء الى الماء.
والى من اصفرت وجوههم..ورسمت الابتسامة الصفراء شفافهم..الى من وقعوا على شطب ثورتنا نقول:الويل كل الويل لكم، فالثورة أولا هي ملك للشعب والوطن وليس ملك لأي انسان، ولم يخول شعبنا ولا وطننا ومقدساتنا السليبة احدا ليوقع باسمهم على شطب الثورة وبيع الوطن. وإذا استمرأ أزلام « م.ت.ف » وأذنابها فيما يسمى بالمجلس الوطني شطب الثورة ليتحولوا من ملوك للثورة إلى مماليك لدى مملكة يهود، فان شعبنا لم يوقع ولم ولن يتنازل عن ذرة تراب من حقه في تراب فلسطين التي هي وقف للأمة الإسلامية جمعاء.ونقول لهم أيضا,ان فلسطين في القلب شاء من شاء وأبى من أبى..وأذكرهم بالمقولة التي تلازمنا »لكل انسان وطن يعيش فيه, الا الفلسطيني فان وطنه يعيش فيه ».ان تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني هو بمثابة تنازل عن أكثر من ثلثي أراضي فلسطين التاريخية, أي الاعتراف بحق الصهاينة في كيانهم على هذا الجزء ألأكبر من أرضننا وبالتالي الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية, وبهذا نكون قد حققنا أحلام هؤلاء بجعل كيانهم يهودي نقي, وبعبارة أخرى نقول لاخواننا فلسطينيي الداخل, لا مكان لكم بين الصهاينة, فاذهبوا وابحثوا لكم عن وطن بديل.
ان اعلان وثيقة الاستقلال في الجزائر عام 1988كانت بمثابة ضربة قاسية لشعبنا..فيوم استقلالنا هو يوم عودتنا..انه استقلال وهمي لا يغني ولا يسمن من جوع.
ما بعد النكبة:خلفت النكبة وراءها حوالي 900 ألف لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية، نزحوا إلى الجنوب المتبقي في قطاع غزة، وإلى الشرق فيما أصبح يعرف بالضفة الغربية، وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان. وأصبحت النكبة بقعة سوداء في التاريخ العربي دفع ثمنها قادة وحكام بحياتهم، وأزيلت عروش وسقطت أنظمة، ولا يزال يدفع ثمنها اليوم 5 ملايين لاجئ داخل فلسطين وحولها في الشتات. ويعيش في الضفة وقطاع غزة 33%، ويعيش 41% في الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، إذاً فمعظم اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في فلسطين وما جاورها وذلك مؤشر على ارتباطهم وتمسكهم بهذه الأرض المقدسة، والمشكلة تكمن في أن عملية التهجير والإبعاد لا تزال مستمرة دون توقف، وحال الشعب يمكن وصفها بهذه الأبيات:شعوب الأرض في دعةٍ وأمن**وهذا الشعب تنهشه القروح..تناوشه الطغاة فأين يمضي**وهل بعد النزوح غداً نزوح..يقارع طغمة الإجرام فرداً**وتشكو للجروح به الجروحُ. إن ما حدث في فلسطين يشهد بأن التاريخ الحديث لم يتقدم حضاريا كما يزعمون..فهل من التحضر أن تغزو أقلية أجنبية وطن الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج،وتطردها من وطنها وتزيل ملامحها مثلما حدث في فلسطين؟.
لقد وزعت إسرائيل البيوت الجميلة في القدس الغربية وحيفا وغيرهما على البارزين من رجال الحكم، واستوعبت مئات الآلاف من اليهود القادمين من بلاد عربية في باقي المساكن، أما القرى، فقد نُسفت وهدمت ثلاثة أرباع البيوت فيها هدماً كاملاً، والربع الباقي بدرجة أقل. لقد نجحت الصهيونية في الاستيلاء على الأرض حتى الآن، وفصلت أهلها عنها وشتتتهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية..لكنها لم ولن تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً، ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة.وليس من باب التشاؤم استذكرهذه الأبيات والتي تتحدث عن نفسها مطالبة من فقدوا الضمير والوعي بالصحوة والعمل السديد من أجل العودة والتحرير:هَـرِمَ الناسُ وكانـوايرضعـونْ..عندما قال المُغنّي:عائـدون,يا فلسطينُ ومازالَ المُغنّي يتغنّى
وملايينُ اللحـونْ, في فضـاءِ الجُـرحِ تفنى واليتامـى..مِن يتامى يولـدونْ..يا فلسطينُ وأربابُ النضالِ المدمنـونْ, سـاءَهمْ ما يشهـدونْ, فَمَضـوا يستنكِرونْ, ويخوضـونَ النّضالاتِ على هَـزِّ القناني, وعلى هَـزِّ البطـونْ..عائـدونْ..ولقـدْ عادَ الأسـى للمـرّةِ الألفِ, فلا عُـدنا, ولا هُـم يحزنـونْ. فلسطين..الأرض..العودة..التحدي,وشعراء فلسطين:يقول الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل عبد الكريم الكرمي »أبو سلمى »في قصيدته المشهورة(سنعــــود), والتي لعلها القصيدة الأشهر في الشعر الفلسطيني الذي ارتبطت ذاكرته بضياع فلسطين ، فاسم القصيدة الذي يوحي بحتمية الانتصار بعودة الغريب إلى أرضه ووطنه ، هذا التصميم لا يوحي به للوهلة الأولى ذلك التوجع اللامحدود للفراق ، بل ذلك الخيال الساكن في فضاء فلسطين ، يحلق عند زيتونها ويجلس عند سهولها ، أسئلة الرفاق والاصحاب واحتراق الأيام في الشتات لا يثني من عزيمته بل يظل مبشرا بالعودة، عودة كريمة تٌفتح فيها الأبواب،وتٌذاب فيها القيود..يقول فيمطلع قصيدته: خَلعتُ على ملاعبها شـــــَبابي وأحلامي على خُضــرِ الرَّوابي..ولي فــي كُلِّ مُنعَطَفٍ لـــقاءُ مُوَشّي بالســَّلام وبالعِتــاب..ثم يمضي واصفا عذابه من هجر فلسطين وكذلك غدر ذوي القربى, فيقول: فلســـطين الحــبيبة كيف أغفو وفي عيني أطيــاف العــذاب..أطهـر باســــمك الدنيا ولو لم يـبرح بي الهوى لكتمت ما بي..تمر قـوافل الأيــام تـــروي مؤامـــرة الأعادي والصحاب..فلســطين الحبيبة .. كيف أحــيا بعيداً عن ســهولك والهضاب..تناديني الســـــفوح مخضبات وفي الآفــاق آثار الخضــاب..تناديني الشـــــواطىء باكيات وفي سـمع الزمان
صدى انتحاب..تناديني الجداول شـــــاردات تســــير غريبة دون اغتراب..تنادينــي مدائــنك اليتــامى تنـــــاديني قراك مع القباب..ويســــــألني الرفاق ألا لقاء وهل من عــودة بعد الغيــاب..أجل.. ســــنقبل الترب المندى وفوق شـــفاهنا حمر الرغاب..غداً ســنعود والأجيال تصــغي إلى وقع الخـطى عــند الإياب.ثم ينهيها مؤكدا وجازما بأن العودة اتية لا ريب فيها:أجل, سـتعود آلاف ضحايا الظلم تفتح كل بـاب..نعم يا أبا سلمى سنعود رغم الداء والأعداء..سنعود رغم الأصوات الفلسطينية الشاذة والخارجة عن منطقنا, منطق الحق والتصميم, ففلسطين تقول لن أرضى بغير أبنائي وحان الأوان لنقول لها ونحن بدورنا لن نرض الا بك, فأنت الأم التي في رحمها خلقنا ومنه خرجنا, وهل يخذل الولد أمه؟.
وفي روح هذه العقيدة الراسخة يكتب شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش والذي حمل هم قضية بلاده فلسطين داخل قلبه فكانت صاحبة حضور قوي بمعظم قصائده، واليوم ونحن نسكب من أعيننا دماً لا دموعاً على يوم نكبتنا ونكستنا وضياع الوطن، نأتي لنذكر واحدة من قصائد هذا الشاعر الفلسطيني، الذي كان شعره لسان حال الفلسطينيين والعرب..فيقول في قصيدته »أيها المارون بين الكلمات العابرة »مخاطبا الصهاينة المحتلين..أيها المارون بين الكلمات العابرة..احملوا أسماءكم، وانصرفوا, واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا,واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صورٍ، كي تعرفوا, أنكم لن تعرفوا:كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء؟.
.ثم يمضي قائلا بكلمات نابعة من القلب, هذا القلب الذي توقف عن الخفقان لأنه لم يعد يتحمل عذاب وقهر أبناء شعبه وقضيتهم:أيها المارون بين الكلمات العابرة،آن أن تنصرفوا..وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا..آن أن تنصرفوا..ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا, فلنا في أرضنا ما نعملُ, ولنا الماضي هنا, ولنا صوت الحياة الأول, ولنا الحاضرُ،والحاضر، والمستقبل..ولنا الدنيا هنا, والآخرة..فاخرجوا من أرضنا..من برنا.. من حرنا..من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا, من كلّ شيء، واخرجوا..من ذكريات الذاكرة..أيها المارون بين الكلمات العابرة..!.
نعم, انهم مارون بين الكلمات العابرة, وأما نحن فنقول:هذه أرض ابائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا, فنحن هنا باقون, على صدوركم باقون كالجدارو في حلوقكم..كقطعة الزجاج كالصبار, وفى عيونكم زوبعة من نار..كأننا عشرون مستحيل فى اللد و الرملة و الجليل..إنا هنا باقون, فلتشربوا البحرا..نحرس ظل التين و الزيتون, ونزرع الأفكار كالخمير فى العجين..برودة الجليد فى أعصابنا, و فى قلوبنا جهنم حمرا..إذا عطشنا نعصر الصخرا, و نأكل التراب إن جعنا ولا نرحل, و بالدم الزكى لا نبخل لا نبخل لا نبخل..هنا لنا ماض وحاضر و مستقبل..ويا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول..نعم, يا أيها المناضل الراحل العنيد..نعم, يا شاعرنا « أبا الأمين »..أيها »التوفيق زياد » نعاهدك بأن أصولنا ستضرب دوما في أعمق القاع وسنبقى هنا, فعلى هذه الأرض..سيدة الأرض ما يسنحق الحياة.
واحد وستون عاما مرت على حدث تاريخي قاهر ومؤسس في آن..واختزلت الذاكرة العربية هذا الحدث في كلمة واحدة « النكبة »..وتجمعت الصور التي تحكي قصص بشر وأرض وشجر تغيرت ملامحهم ولم تتغير ذاكرتهم..اختزلت الصورة في مشهد شيخ يحمل مفتاحا حتى يعود. واحد وستون عاما مرت مليئة بالشهداء والبؤساء والشعراء والسماسرة أيضا.. لكل صورته ولكل قدره في التاريخ, والنكبة لا تزال كما هي جرحا غائرا يزداد ويزداد. بمعارك الداخل وحصارالخارج يصبح للنكبة معنيان, معنى التاريخ حينما نلوذ إليه فلا يسعفنا بحجة واحدة تثبت أن النصر في الافتراق, وثاني المعاني هو الذاكرة التي نلتجئ إليها في طقس سنوي دوري ونجتهد في إعادة بناء الألم كي لا يضيع.
ان تأريخ النكبة يعود إلى ما قبل 1948 وبالتحديد إلى بونابرت وحملته على الشرق,وهذا الأمر يعطي قراءة تاريخية أخرى للنكبة تخرجها من كونها قدرا محتوما وقع ذات يوم كما يريد البعض تصويره أو كما تقبلته أجيال سبقتنا, ليصبح نتيجة لأسباب غائرة في الزمن غائمة في الوعي.
وفي خضم وروح النكبة تتوارد الى أفكارنا وعقولنا الكثير من الأسئلة:
هل أن هزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية كان حتما مقضيا ؟, أم كان مجرد خطأ عسكري؟, أم كان خطأ لغويا دونته خطب الحماسة آن ذاك لتثبت أن العقل العربي مهزوم مأزوم؟, وهل أن قدر المهزوم هو أن يستنسخ من هزيمته إخفاقات مليئة بالتضحيات؟ .
إذن للنكبة صور مختلفة أدناها نكبة الأرض وأقصاها نكبة الضمير..وبين الأدنى والأقصى نكبة الصورة نفسها..حيث لم نستطع إلى اليوم وللأسف تحويل النكبة إلى صورة إنسانية خالدة وبقيت صورة قومية وأحيانا حزبية ضيقة..وبما أنها إرث الماضي فهي محل صراع ككل المواريث, وكي يتحول هذا الإرث الرمزي إلى إرث مادي نراه, فقد اجتهد الكثيرون في التصوير وإعادة التصوير بالشعروالسينما والقص الجميل..واستبسل كثيرون في تأسيس النضال كأيقونة فلسطينية تجعل الموت الزؤام طريقا للحياة الكريمة..ولكن ظل الاتجاه نفسه موغلا في
الألم معتبرا الأمل بلاغة قول لا تستوعب حلم الشعوب.
ومنذ النكبة إلى اليوم كثر « الينبغيون » على حد تعبير علماء الاجتماع العرب (والينبغيون هم المنظرون للهزيمة التاريخية والنصر اللغوي بتكرار كلمة « ينبغي أن.. ») والفصحاء والغالبون قهرا لا عدلا والرصاص الرخيص أيضا, لكن ملح الأرض ظل مالحا كما بدأ وظل الفلسطيني يحمي أرضه برموشه بعدما انطلت عليه حيلة من ذكرنا وهم كثر.
بعد واحد وستين عاما عن حدث النكبة لم تتغير الصورة وظل الشيخ القابض على المفتاح كي يعود، قابضا على الجمر كي لا يخبو الجمر بهواء الطرقات..وتوارثت المفتاح القديم أجيال جديدة لم تعش النكبة في التأريخ وعاشتها في الوجدان بروايات من قاتلوا وتقاتلوا فداء للنكبة.
والمطلب الجدي والذي لا بد منه, اننا بحاجة إلى إعادة تأسيس لصورة النكبة ونفتحها على المستقبل والحاضرلا على الماضي لنسأل أين وصلنا الآن بعد واحد وستين عاما؟, لماذا لا يكون لدينا متحف عالمي للنكبة وفي عواصم مختلفة عربية وأوروبية؟ أين السينما وأين الإعلام؟, أم مازال مشغولا بالفتن الداخلية ليصنع الحدث؟, أين الشعراء والأدباء..لماذا لا نسمع إلا الخطباء..هل هم الوحيدون القادرون على نسج خطاب النكبة؟.
لقد احتفل الصهاينة بيوم استقلالهم المصطنع كتاريخهم, ولنقل بأن هذا الأمر هو من شأنهم, لكن أن يقوم بعض القادة العرب وخاصة السيد محمود عباس بارسال برقيات التهاني والتبريك لهم بهذه المناسبة لهو أمر لا يصدق بل لا يتصوره أي عقل وبأي مستوى..هل يريد السيد أبو مازن أن يكون كاثوليكيا أكثر من البابا نفسه؟, انه تصرف لا مبرر له, بل انه تصرف يجرح مشاعر الملايين ما لأبناء شعبنا وخاصة اللاجئين منهم.
لقد تم تشكيل أكثر الحكومات الصهيونية تطرفا بعد الانتخابات التي جرت مؤخرا في الدولة العبرية, ووصل الى زعامة الخارجية الصهيونية العنصري الحاقد واليميني المتطرف ليبرمان والذي يؤمن بتهجير الفلسطينيين الى الدول العربية »الترانزفير », ويؤمن بمبدأ يهودية الكيان الصهيوني وكذلك يدعو الى عدم التعامل مع حق العودة ويعتبره باطلا ولا وجود له من الأساس, فكيف يمكن للفريق الفلسطيني المفاوض أن يستمر في مفاوضاته مع الصهاينة؟.
وبالمقابل ورغم فشل الحوار الفلسطيني الأخير في القاهرة قرر السيد محمود عباس تشكيل حكومة جديدة لاقطاعية رام الله..وقد تم تسريب الكثير من الاسماء التي من الممكن ان تستلم الحقائب الوزارية..أسماء قرفها الشعب الفلسطيني وملها لتاريخها العفن الأسود..أسماء الغت حق العودة بحكم »التقادم », ولعل مؤلف كتاب »الحياة مفاوضات » سيكون مرشحا لتولي حقيبة الخارجية, وربما سيحيى ويموت وهو يفاوض..ان هذه الحكومة المهرولة المتهافته تأتي في ذكرى النكبة..وبالتأكيد ليس من باب الصدفة..!.
بعد واحد وستين عاما نتساءل مرة أخرى:
هل مازلنا منكوبين كما بدأنا؟..وهل أقنعنا العالم بأننا منكوبون؟..وهذا العالم لا وقت لديه للتاريخ كي يحقق فيمن ظلم وفيمن نكب ولكن في هذا العالم مساحة كبرى للتصوير لاستعادة حلم من نكبوا.. فإذا عجزنا على أن ندون تاريخ النكبة في صفحات تاريخ العالم اليوم فنسى الجميع تاريخها إلا نحن فهل بإمكان صورة النكبة أن تصلح ما سقط من التاريخ..كي لا يضيع الحلم بعدما ضاعت الأرض. نعم, لقد مرت كل هذه الأعوام منذ أن انتصب الكيان الصهيوني وفيها يزداد تشبث الفلسطيني منا بحقوقه التي لا تسقط بمرور السنين رغم تكالب الظروف والمؤامرات..وطالما ان هناك فلسطيني على قيد الحياة، ستبقى الحقوق مصانة ولا بد في يوم من الأيام ان يعود الحق لأصحابه طال الزمن او قصر.
ان التأريخ علمنا بأن الاحتلال الى زوال لا محال، وحتما سيأتي ذلك اليوم الذي ستتحول فيه مستوطنات الاحتلال الى آثار من الماضي الاحتلالي..فهل سينصفنا التأريخ هذه المرة بعد أن خذلنا مرات عديدة؟.
النكبة والدروس الواجب تعلمها: كل سنة تحتاج النكبة الفلسطينية للمراجعة من أجل معرفة أين يقف الفلسطينيون منها، هل يسيرون باتجاه تجاوزها وإنجاز هدفهم الوطني بوطن حر ومستقل، أم يؤسسون ويقتربون من نكبة جديدة؟.لقد رد الفلسطينيون بوجودهم الحي على النكبة دون أن يستطيعوا تجاوزها، ولكن تحديهم لها أعاد إنتاج مشروعهم الوطني الذي يسعى لأن يتحقق كواقع جغرافي في أرض فلسطين. ولكن الغريب في التجربة الفلسطينية، أن هذه الاستثنائية مهددة بالتبديد بأيدي أصحابها، فالوضع الداخلي الفلسطيني ينذر بكارثة وضياع فلسطيني جديد.
ورغم كل النداءات لإخراج الوضع الفلسطيني مما يعاني منه، فليس هناك من مجيب. وكل يوم إضافي في الأزمة الداخلية الفلسطينية، يُقرب الفلسطينيين من نكبة جديدة، وكأنهم لم يتعظوا من نكباتهم السابقة.
والى من فقدوا الأمل بالعودة والتحريربل أفقدوه عمدا لأطماع ومصالح شخصية أقول: »قالوا لاجئين..قلنا ثوار مناضلين..قالوا بلا وطن.. قلنا لن يطول الزمن..قالوا تبغون المستحيل..قلنا الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل »..نعم, نحن لسنا بعجالة من أمرنا فان لم نستطع تحرير فلسطين كل فلسطين, فستحررها الأجيال القادمة, وما بعد الليل الا بزوغ الفجر.
وأختتم بروح هذه الأبيات التي تنشد أمانينا:سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى..بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا..و مازال بين تلال الحنين و ناس الحنين مكان لنا ..فيا »وطن » كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا..!.
في الذكرى الحادية والستين للنكبة, لن ننثني يا سنوات الجمر وانا حتما لمنتصرون.
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة
Aucun commentaire