الوضعية الحالية لجودة التعليم (4)
إن إصلاح التعليم، يفرض علينا قبل كل شيء، تحديد النموذج المجتمعي الذي نريد تحقيقه ؟ هل نريد بعث مجتمع ما قبل الاستعمار، الذي كان يسيطر عليه أصحاب الخيام الكبار، أي شيوخ القبائل والأعيان ؟ أم نريد تكوين جيل تنطبق عليه مواصفات سوق الشغل، كما تحددها الشركات العالمية ،وتوصي بها العولمة ؟ أم نريد مواطنا صالحا لخدمة مجتمعه ، مؤمنا بثوابت عقيدته وشريعته ، ومقدسات وطنه ،متشبثا ببيعة ملكه ،مستعدا للتضحية من أجلها في كل حين ، قادرا على مواجهة كل أشكال الغزو الثقافي ، والإعلامي ، التي قد تعرض استقرار الأمة وأمنها ،و استقلالها ،لما لا ترغب فيه .إن مشكلة الجودة التي نعاني منها، هي نتيجة طبيعية لأزمة التعليم، التي ساهمت فيها أطراف سياسية، وعوامل اقتصادية، إلى جانب الغزو الثقافي، الذي تسرب إلينا تحت مظلة كل ما هو تربوي. فمنذ الستينات ونحن نخضع أبناءنا لتجارب بيداغوجية ،تربوية ، بعضها استوردناه من كندا، وأخرى من بلجيكا ،وأكثرها من فرنسا . مع العلم أن جل هذه التجارب أبانت عن فشلها ،و انتقدت من طرف أهلها. ومع ذلك نصر على خوض غمارها، وكأنها قدر محتوم، ولا أجد لهذا إلا تفسيرا واحدا هو:محاولة الاستعمار الجديد التغلغل داخل مجتمعنا، عن طريق التعامل التربوي. طبعا إلى جانب التعامل الاقتصادي(الاستثمار – الشراكة – العمالة- التنمية بشروط سرية …) والسياسي،( فرض النظام الديمقراطي على الطريقة الغربية –مراقبة الانتخابات – التدخل في نظام الحكم عن طريق التآمر السياسي أو الانقلاب العسكري أو الهجوم الإعلامي …) والتطبيع الثقافي ( البعثات الثقافية – الحملات الإعلامية – الرحلات السياحية….) إن من أهداف الاستعمار الجديد، التشكيك في برامجنا التعليمية، وهويتنا الثقافية، وخصوصياتنا السياسية والاقتصادية،و شخصيتنا الدينية …حتى تكون لنا القابلية للسيطرة علينا،ونفقد كل المقومات التي تبعث فينا روح الرفض والمقاومة ،وعند ذلك نقبل بالنموذج الفكري (العلماني) والسياسي (الديمقراطي) الذي يحدده لنا الغرب ،بسهولة وبدون أدنى مقاومة .إذا أخذنا مثلا البرنامج الحالي للفلسفة ، المقرر للسنة الثانية من سلك الباكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية ، نجده مجرد من خصوصياتنا الدينية ، والثقافية فالكتب الثلاثة (رحاب الفلسفة – منار الفلسفة – مباهج الفلسفة ) خالية تماما من أية آية قرآنية ، أو حديث نبوي شريف . والنصوص التي تتضمنها هذه الكتب ، كلها نصوص لكتاب غربيون ،علمانيون ، أو متأثرون بالفكر الغربي .كفاطمة المرنيسي ، وعبد الله العروي ،وعبد الله حمودي … تناولت قضيا فكرية ، كالعنف ،والغير ،والحرية ،والحق ،والعدالة ، والسعادة ، والنظرية …من منظور فلسفي غربي ، ينطلق من منطق القوة . في حين نرى البرامج والنصوص الفلسفية الإسلامية – ( برنامج الفلسفة والفكر الإسلامي 1979 مثلا)- ،كما هي موجودة عند الفرق الإسلامية ، وفلاسفة ومتصوفة الإسلام ، تجمع بين أشكال التصورات الفكرية والفلسفية المختلفة للعقيدة والشريعة ، فكانت بذلك قادرة على حماية تلامذتنا من الوقوع في دائرة العنف والإرهاب كما علمتهم كيف يقبلون الآخر ويحترمون وجهة نظره .
ومن هنا أرى أن أي إصلاح للتعليم في بلادي، لا بد له من تنقيح للمناهج، والبرامج التعليمية الحالية، وإعادة صياغتها، على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، دون السماح لأي تدخل أجنبي في ذلك.مع ضرورة التركيز على تنمية الجانب التربوي، والمعرفي ،و السلوكي ،المنسجم مع قيمنا الإسلامية للمعلم. مع العمل على إزالة كل العوامل التي تكرس استمرار سيطرة الطبقة المحظوظة وإيديولوجيتها( ازدواجية النظام التعليمي ، مواجهة الغزو الثقافي ألتنصيري ، والإعلامي … ) وردم الهوة السحيقة ، بين الخطاب الديني والأخلاقي ، وبين السلوك الواقعي ، والممارسة الفعلية لدى تلامذتنا ، إعادة الثقة والاحترام بين المعلم والمتعلم ، حفز التلاميذ على المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني ، والمشاركة في التنمية البشرية ،عن طريق تحبيبهم ، أو حملهم إن اقتضى الأمر على الحرف المهنية ، والرعي ،والفلاحة … و ذلك بتوزيع الغلاف الزمني بين التطبيقي والنظري ( إدخال تدريبات عملية يقوم بها التلاميذ أثناء العطل الدراسية ضمن التقييم الدراسي، حتى ننمي فيهم القدرة على الاعتماد على أنفسه ومواجهة مصيرهم ). تكريم المعلم باعتباره ضمير الأمة ومرجعها، ورد الاعتبار إليه بمعاقبة كل من يسخر منه أو يشهر به ، وعلى وزارة التعليم أن تدافع عنه إن هو جانب الصواب،لأن الأخطاء واردة في مهنته وما أكثرها ،وأن لا تتركه لمصيره بحجة القانون ،وأن لا ترهبه بالترسانة القانونية ، التي تمنع عنه حتى التعبير عن غصبه تجاه سلوك منحرف قد يصدر من تلميذه أو إهمال للواجبات … وأخيرا لا بد من ضرورة تعلم القرآن ، والتشجيع على حفظه ، وفهمه، وحسن تلاوته لأن فيه حصانتنا ، وخلاصنا
Aucun commentaire