حكيم الثورة الفلسطينية..عام على رحيله..!
« تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الاطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا »..د. جورج حبش.
في مثل هذه الأيام ولكن قبل عام من الزمن كانت الفاجعة..انه يوم السبت 26 كانون ثاني عام 2008-انه السبت المشؤوم-..اتصل بي أحد الرفاق ليخبرني بأن الحكيم غادرنا وبدون رجعة..لم أستوعب ما قاله..لقد كان مجهشا في البكاء..بعد مرور دقائق من انهاء مكالمته وبعد أن فهمت وأدركت ما أصابنا لم أتمالك اعصابي وأجهشت بالبكاء..انها نفس الدموع التي سالت من عيناي عندما اتصل بي أحد الأقارب ليخبرني بأن والدي-رحمه الله- قد غادرنا وبدون رجعة اثناء تأديته مناسك الحج في الديار السعودية ليدفن هناك..أقمنا له بيت عزاء رغم وجود الجسد بعيدا عن ثرى القدس الخالدة..تماما كما فتحت بيوت العزاء لحكيم الثورة وضميرها الراحل الدكتور جورج حبش في شتى بقاع المعمورة رغم رحيله ودفنه في الأراضي الأردنية..نعم,لقد فجعت برحيل الأب العضوي والذي أوصلني الى ما وصلت اليه الان, تماما كما فجعت برحيل الأب الروحي والفكري..الأب والقائد والمعلم..عملاق المناضلين الفلسطينيين والثوريين العرب والعالميين..مؤسس حركة القوميين العرب ومن بعدها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
الرفيق الراحل لم يكن قائدا للجبهة الشعبية فحسب، بل هو أحد أهم الرموز النضالية، وفكره ومسيرته هي ملك الشعب الفلسطيني في كل مكان والإنسانية التقدمية المناضلة والشريفة كلها. لقد كان الحكيم قائداً وطنياً وقومياً صلباً في الدفاع عن الثوابت الوطنية وعن وحدة منظمة التحرير الفلسطينية، وعن مشروعها الوطني.. معتبرا نزيف الدم الفلسطيني محرم وخط احمر لا يجوز تجاوزه.. لقد شكل الحكيم صمام أمان للمواقف الفلسطينية، وأعطى للنضال الوطني بعداً قومياً وأممياً سيبقى بوصلة للمناضلين وأحرار العالم، وكرس حياته من أجل فلسطين ووقف في وجه كل دعاة الانقسام والمساس بمنظمة التحرير ومشروعها الوطني
هذا القائد الكبير الذي غيبه الثرى ونحن بأمس الحاجة اليه.. كان في احلك الظروف الصحية وقبل رحيله يتحدث لزواره عن حصار غزة ووجوب رفع هذا الحصار الظالم عن شعب فلسطين، وكانت وصيته لعائلته ولقيادة الجبهة الشعبية الذين توافدوا على مشفاه لالقاء النظرة الاخيرة عليه، التمسك بالثوابت الوطنية ومواصلة الكفاح والمقاومة وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط اساسي للانتصار وتحرير فلسطين. أحد الأشخاص الذي قام بزيارة الحكيم في المستشفى قبل وفاته بوقت قصير، أخبره واصفًا جرأة الشباب الفلسطيني من مختلف الأحزاب السياسية وقد دمروا لتوهم جدران غزة محررين نحو 2 مليون إنسان من سجن لا يطاق..حبش، وقد استمع إلى ذلك، تبسم وقال في غمرة من المرح, أترى؟ سوف يأتي اليوم الذي تسقط فيه هذه الجدران وتتحقق الوحدة العربية..نعم يا حكيمنا..هذه المقاومة الفلسطينية الباسلة والتي امنت بها كطريق وحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين تصد العدوان الصهيوني الغاشم في حرب استمرت قرابة ثلاثة اسابيع..أول حرب على أرض فلسطين..ثلاثة اسابيع لم يستطع العدو من احتلال غزة وقمع المقاومة..كل ما قام به هو تدمير البنية التحتية وقتل ألأطفال والنساء والشيوخ..حرب استخدم فيها العدو كل ما يملك من أسلحة تعتبرمن الأكثر تطورا في العالم..حتى تلك المحرمة دوليا..ولكن المقاومة صمدت صمود الجبال, ليعلن بعدها العدو وقف الحرب من جانب واحد..انها هزيمة لجيش امن كل الوقت بأنه لا يقهر..وها هي المقاومة الفلسطينية الباسلة بكل أطيافها تقهر هذا الجيش الذي لا يقهر.
ومما يثير الدهشة يا حكيمنا أننا لم نشهد تأييدا ودعما للمقاومة الفلسطينية كالذي شهدناه مؤخرا..الملايين وفي كل أنحاء المعمورة تظاهروا مؤيدين لأبناء شعبك الفلسطيني محليا وعربيا ودوليا, معربين عن سخطهم من هذا العدو الغاشم ومطالبين بتقديم قادته الى المحاكم الدولية لأنهم قاموا بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية..ولكم ومن المخزي أن نرى معظم القادة العرب وأنظمتهم الرجعية المتخلفة كتخلفهم يقومون بقمع المتظاهرين المؤيدين لشعبنا البطل والمدينين للعدو الصهيوني..حتى أن سلطة أوسلو قامت باصدار أوامرها بقمع أبناء شعبنا في الضفة الغربية الذين تضامنوا مع اخوانهم في غزة هاشم..هل تصدق ذلك يا حكيمنا؟..الزعيم الفنزويلي يطرد سفير الكيان الصهيوني من بلاده احتجاجا على المحرقة التي يرتكبها هذا الكيان بحق أبناء شعبنا وبوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية معه والأمثلة كثيرة..الا الزعماء العرب, وكعادتهم لم يفعلوا شيئا يذكر..انهم زعماء القحط والذل والهوان.
أيها الحكيم..لعلك سمعت، إذا كان الموتى يسمعون، هدير أنصارك وعارفي فضلك، في ميادين فلسطين وأزقتها، حين بلغهم نبأ رحيلك المرهق: »جورج حبش ما بيموت..لو حطيتو في تابوت »..هل لي أن أعزيك، بما أنا في أمس الحاجة إليه، من العزاء؟ فليكن. ولعل شيئاً من العزاء في أن صورة قلبك ستظل نابضةً في قلب شعبك..وأن رسالتك الثورية الشريفة العنيدة، رسالة الحرية والاستقلال وتقريرالمصير، غير قابلة للموت، أو أنها غير مستعدة للموت وغير مهيأة له.
رحل الرفيق القائد والأب والمعلم.. و »اللد » لم تضمه بعد للمرة الأخيرة كما حلم يوما..رحل الرفيق.. والحلم يبقى تركة ثقيلة في ليل طويل ينتظر..كان الرحيل متوقعا..لكن الرجفة أخذتنا لفراق أب لن يتكرر..!.
أيها الرفيق..يا جرحي المكابر..لا أقول وداعا..وكيف أقولها وأنت لا تزال فينا..لم تغادر. أبا ميساء: نم قرير العين، فالقضية التي ضحيت من أجلها لازالت تتلألأ متوهجة في أحداق عيون الملايين من أبناء أمتك، تحميها سواعد وبنادق أبناء شعبك في الكتائب والسرايا والقوى العربية المقاتلة في العراق ولبنان من أجل تحرير الأرض والإنسان..ياحكيمنا:إن غاب جسدك عنا، فروحك الكفاحية تملأ هواءنا وأرضنا، فالثوريون لايموتون.*
وأختتم بما قاله الشاعر الفلسطيني البارز سميح القاسم: »ولنعترف بأن حياتنا كلها صعبة..وكم كانت حياتك صعبة عليك..وكم هو موتك صعب علينا..ولأنني مرهق بحياتي ومرهق بموتك، فلك أن « تشخص » وجعي أيها الحكيم »الحكيم »..ولك أن تعذر كلماتي الأخيرة فيك، على سمع العالم وتحت بصره: هنيئاً لك أيها العالم الوبش..هنيئاً لك الموت الفلسطيني بالتقسيط المريح..وشكراً لك أيها العالم الوبش..شكراً جزيلا ».
ومن مدينة القدس المحتلة الخالدة والتي قام أبناؤها بمشاركة اخوانهم في غزة من خلال مظاهرات الدعم والتأييد ورغم الحصار الشديد والحواجز العسكرية الصهيونية التي لا ترحم..مدينة الدكتور الرفيق والأخ الراحل أحمد المسلماني »حكيم القدس »الذي رحل عنا وفي نفس الشهر ونفس العام الذي رحلت فيه وهو في قمة العطاء, نقول لك وداعا أيها الحكيم »الحكيم ».
Aucun commentaire