Home»Débats»تمييع دور مؤسسة الجماعة

تمييع دور مؤسسة الجماعة

0
Shares
PinterestGoogle+

عبد السلام المساوي

 مرور نصف الولاية الانتخابية بالمجالس الجماعية والحصيلة هزيلة جدا .

   إننا للأسف أمام مجالس جماعية فاشلة بكل المقاييس ، في مواجهة تراكمات ديون بالملايير وتضخم أرقام الباقي استخلاصه ، وتبعات غياب تنزيل برامج العمل ، والتخبط في صراعات وتصفية حسابات على حساب الصالح العام ، والعجز على تجويد الخدمات والتخلف عن مواكبة التوسع العمراني حتى أصبحت هوامش المدن تعيش بدون شبكات التطهير السائل والطرق والكهرباء والماء وكأننا بمناطق جبلية نائية وليس داخل المجال الحضري .

   ومع التحديات التي رفعها المغرب لتنظيم تظاهرات قارية وعالمية ، ومونديال 2030 وما يرتبط به من مشاريع تجهيز البنيات التحتية ، والرفع من جودة الخدمات وتطويرها لتلائم المعايير العالمية المعمول بها ، لا بد لنا من مجالس جماعية قوية بمكوناتها وسهرها على تنفيذ الالتزامات والمساهمة في التنمية ، والوفاء بتمويل المشاريع المطروحة في برامج العمل وواقعيتها وتوفير الأرضية المناسبة لتنزيلها خارج المزايدات الانتخابوية وبيع الوهم للناخب .

   إن حجم الفساد الذي ظهر داخل المجالس الجماعية ، والملفات القضائية المتعلقة بالمنتخبين وتورطهم في قضايا  نهب المال العام وجرائم النصب والاحتيال والتزوير والابتزاز والاختلاسات ، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة لتصحيح الاختلالات ومساهمة الجميع في تخليق الحياة السياسية ، والشفافية والنزاهة في تزكية والتصويت على الأشخاص الذين يمكنهم منح قيمة مضافة لتسيير الشأن العام المحلي ، بدل تدوير الوجوه المستهلكة التي تم تجريبها أكثر من مرة دون جدوى .

   لقد عاين الجميع كيف تحولت دورات واجتماعات العديد من المجالس الجماعية إلى حلبات للملاكمة وتبادل الاتهامات بالرشوة والفساد والسب والقذف والطعن في الأعراض ، وتمييع دور مؤسسة الجماعة ، والصراع حول الامتيازات وسيارات الدولة وبونات المحروقات والتفويضات ، بحيث ما لم تتم معالجة الأسباب العميقة لأعطاب المجالس ستبقى عجلة التنمية متوقفة وتهدر معها الفرص المتكررة لمستقبل أفضل .

   إن الرهان الأساسي الذي يواجهنا هو اعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة محليا واقليميا ، جهويا ووطنيا ، لكي تقوم هذه المؤسسات بالتنمية ، وليتصالح المواطنون مع الشأن المحلي لما يلعبه من دور حاسم في التنمية المجتمعية والتربية على المواطنة …

   إن الرهان اليوم هو تنظيم مدن المغرب وتأهيلها وجعلها قبلة للاستثمارات المنتجة ، كما أن الرهان اليوم يتجلى في تحسين جودة الحياة في المحيط الحضاري والارتقاء بالخدمات العمومية في الاتجاه الذي يقوي الإحساس بالمواطنة ويجعل السكان يشعرون بكل اطمئنان أن المؤسسة المنتخبة في خدمة التنمية ، في خدمة المصلحة العامة لا خدمة المصالح الشخصية لمنتخبين قرصنوا المقاعد فخربوا البلاد والعباد …

   إن تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم مسؤولية وطنية ، وأمانة جسيمة ، لا تقبل التهاون والتأخير ؛ ضمن نص خطاب وجهه جلالة الملك محمد السادس ، الى أعضاء البرلمان برسم افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية ، يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016 , قال جلالته  » مع كامل الأسف ، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام في اعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية ، بدل خدمة المصلحة العامة ، وذلك لحسابات انتخابية ، وهم بذلك يتجاهلون أن المواطن هو الأهم في الانتخابات ، وليس المرشح او الحزب ، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل …فاذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين ، سواء على الصعيد المحلي او الجهوي ، وحتى الوطني ، فلماذا يتوجهون اذن الى العمل السياسي ؟ (….) إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب ان يضع المواطن فوق أي اعتبار ، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له ، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية … »

   إن تدبير الشأن المحلي ليس محض عمليات ادارية صرفة وبريئة بقدر ما هو تكثيف لتصورات سياسية وترجمة لمنطلقات فكرية يتم تجريبها على أرض الواقع في شكل مواقف ومخططات .

   واعتبارا لكون البرنامج الانتخابي يمثل أساس التعاقد بين الناخبين والمنتخبين ، واستحضارا للنتائج السيئة التي تترتب عن تغييبه واستبعاده من دوائر المسيرين الجماعيين ، يطرح على الأحزاب مستقبلا ضرورة إعادة الاعتبار للمنطلقات البرنامجية وجعلها معيارا اساسيا لتقويم الجماعات المحلية ومدخلا ضروريا لتعميق الوعي بأهمية المؤسسات المنتخبة والاقتناع بالضوابط الديموقراطية …

   وسعيا إلى ترقية أداء الجماعات المحلية وتفعيل دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، مطروح على القوى الديموقراطية الحية إعداد البرامج التنموية واعتبارها موجها للعمل ومعيارا حقيقيا للحكم على مصداقية الأداء الجماعي .

   من هنا فان الأحزاب مطالبة الآن ، اليوم أكثر من أي وقت مضى ، بتحمل مسؤوليتها في انتاج البرامج الانتخابية القابلة للتحقق ، واختيار مرشحيها اعتمادا على مبدأ الكفاءة والفعالية ، مرشحين متشبعين بالروح الديموقراطية ومتخلصين من تأثيرات النزعة الشعبوية ، مترشحين يعتمدون أساليب ديموقراطية في التنافس لا الجوء الى المتاجرة بالدين واستعمال المال الحلال وغير الحلال ، مرشحين يصارحون الناخبين ويقيمون علاقات واضحة بين مختلف مكونات المؤسسة الجماعية ومحيطها الخارجي…

   كما أنه مطروح على الأحزاب تتبع أداء ممثليها داخل الجماعات المحلية وتعميق التواصل مع الناخبين ، ولكن قبل هذا وذاك ، مطروح عليها أن تفكر وان تجتهد وتبدع الأساليب والخطط التي من شأنها ان تجعلها مؤهلة لتسيير الجماعات المحلية .

    ان انجاز التنمية يقتضي انخراط الجميع ومساهمة كافة الأطراف ، من ادارات مركزية ولا مركزية ، وجهوية ومحلية ، وجماعات مختلفة ، وهيئات مهنية ، ومقاولات ومؤسسات جامعية ومجتمع مدني …يقول جلالة في خطاب ثورة الملك والشعب ، 20 غشت 2019 « واننا نتطلع ان يشكل النموذج التنموي ، في صيغته الجديدة ، قاعدة صلبة ، لانبثاق عقد اجتماعي جديد ، ينخرط فيه الجميع : الدولة ومؤسساتها ، والقوى الحية للأمة ، من قطاع خاص ، وهيئات سياسية ونقابية ، ومنظمات جمعوية ، وعموم المواطنين .

   كما نريده ان يكون عماد المرحلة الجديدة ، التي حددنا معالمها في خطاب العرش الأخير ، مرحلة المسؤولية والاقلاع الشامل . »

   زمن التسيب والنهب ولى ، زمن الخطب والشعارات الرنانة انتهى …انه زمن جديد وعهد جديد يعترف بالدراسة العلمية الموضوعية والعمل الميداني ، الكفاءة هي العنوان والنزاهة سيدة الميدان ….

   ولكي ينطلق قطار التنمية ويتحرك بجميع عجلاته ، نحن في حاجة الى مفهوم جديد للمنتخب ، مفهوم يفرز شخصيات تستوعب المرحلة ، تقطع مع لغة الخشب وتعانق لغة الواقع ؛ مرة ومؤلمة بمشاكلها ، ولكنها جميلة بصراحتها وحقيقتها …فلم يعد مسموحا أن يخلف المغاربة موعدهم مع التاريخ حيث يتطلع الجميع إلى افراز مؤسسات منتخبة جديرة باحترام المواطنين ومتجاوبة مع تطلعات الرؤية الملكية . وقد بلغنا ، كما يقول جلالة الملك في خطاب 20 غشت  » مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء ، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل التي تعيق التنمية ببلادنا . »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *