عندما يستوي البرلمانيون الغائبون والبرلمانيون الحاضرون الغائبون!
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يستوي البرلمانيون الغائبون والبرلمانيون الحاضرون الغائبون!
الحسن جرودي
ورد في جريدة العمق المغربي الإلكترونية بتاريخ 14 نونبر 2024 مقالا تناول فيه صاحبه تفعيل مسألة الإعلان عن أسماء النواب البرلمانيين المتغيبين دون عذر مقبول، وذلك تبعا لقرار مكتب المجلس ومقتضيات النظام الداخلي ومداولات لجنة الأخلاقيات، بحيث قام بجرد أسماء المتغيبين عن جلستي 4 و11 نونبر الجاري، الذين بلغ عددهم في الجلسة العمومية المخصصة للأسئلة الشفوية 85 نائبا برلمانيا يوم 4 نونبر، و73 بالنسبة لجلسة 11 نونبر، فيما بلغت النسبة العامة لتغيبات النواب عن جلسات المناقشة العامة والدراسة التفصيلية لمشروع ميزانية 2025 التي بلغت 11 اجتماعا، 52%، بينما لم تتعد نسبة الحضور 48% ونسبة المعتذرين 10%.
وإذا كانت كل هذه التغيبات قد وقعت دون إدلاء المتغيبين بأعذار مقبولة، فإن التساؤل عن أسبابها الحقيقية يبقى مشروعا، بل ضروريا حتى تكون الإجراءات المتخذة في حقهم مناسبة لحجم الضرر الناتج عن تغيب كل واحد منهم. ولعل من أهم هذه الأسباب تقديم مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة، واستخفافهم بالثقة التي وضعها فيهم منتخبوهم من جهة، وبمراقبة لله لهم من جهة ثانية، مع العلم أن استحضار السببين الأخيرين لوحدهما كفيلين بحثِّهم على المواظبة على الحضور، والاجتهاد في أداء المهام الموكولة إليهم بالقدر الذي يُلبِّي الطموحات والاحتياجات الحيوية للوطن والمواطنين، ولا شك أن هذا هو الْأَهمّ، ذلك لأن العبرة ليست بعدد الحاضرين، وإنما بسداد الأفكار والاقتراحات التي يساهمون بها للرفع من مردودية المؤسسة التشريعية في الدفاع عن هذه الطموحات والاحتياجات، وتحصينها من خلال سَنِّ التشريعات الملائمة والفعالة من جهة، والحيلولة دون تلك التي تؤدي إلى ضرب الثوابت والمقومات الجوهرية للأمة.
وإذا كان من واجب مكتب المجلس أن يتخذ القرار الملائم لمعالجة ظاهرة الغياب التي أصبحت تلفت انتباه العام والخاص، فإن السؤال يبقى مطروحا بخصوص جدوى إجراء تلاوة أسماء المتغيبين، مع الاحتفاظ لهم بكل الامتيازات التي يُفترض أنها مرتبطة بعملية الحضور، كالتعويض عن التنقل والإقامة … مع العلم أن مهامهم لا تنحصر في الحضور الصوري، بقدر ما هي مقترنة بالمساهمة الفعالة في طرح مواضيع حيوية وإغناء النقاش المتعلق بها، وإلا فما الفرق بين غيابٍ يفسح المجال أمام تمرير قرارات مضرة بمصلحة الأمة، وحضورٍ تُرفع فيه الأصابع لتغليب طرف على طرف أو توَجُّه على آخر، بل وحتى بين حضور يتم الامتناع فيه عن التصويت رغم المعرفة المسبقة بالسلبيات المترتبة حتما عن هذا النوع من الممارسة التي قد ترهن مستقبل الوطن لأمد بعيد، كما كان الشأن بالنسبة للمصادقة على تعميم اللغة الفرنسية، وتبني قانون القنب الهندي…ونفس السؤال يُطرح بخصوص الحضور المكثف لا لشي سوى للتصفيق في مناسبات معينة كما كان الشأن بالنسبة لزيارة الرئيس الفرنسي للمغرب الذي صفق له أعضاء الغرفتين طويلا، وهو يعلن بكل وقاحة انحيازه للعدو الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني الذي تربطه بالشعب المغربي رابطة الدين الإسلامي، ورابطة الأرض والدم التي يُجسِّدها حي المغاربة وباب المغاربة في القدس المحتلة.
إن محاربة ظاهرة الغياب بصفة عامة، وفي البرلمان بصفة خاصة، لا ينبغي حصرها في التأكد من الحضور الصوري « الجسدي » للمعنِي، بقدر ما ينبغي ربطها بالتفاني في القيام بالمهام المسندة له، وإتقان العمل المطلوب منه لبلوغ الأهداف المتوخاة، ولنا في تبني مجموعة من الشركات ذات الصيت العالمي العمل عن بُعد مما يسمح لها بالتحكم في مجموعة من النفقات التي كانت تعتبر ضرورية إلى عهد قريب، خير مثال على الحضور الفعلي رغم الغياب الجسدي، وإلا فكم من حاضر جسديا وهو غائب عمليا، مع العلم أنه لا يمكن له إلا أن يكون كذلك، لعدة أسباب، أهمها أن ترشُّحَهُ للانتخابات منذ البداية لم يكن بهدف خدمة المصلحة العامة، بقدر ما كان يروم استغلال المنصب لخدمة مصلحته الشخصية، وأن مستواه العلمي والثقافي ومعرفته بِلُبِّ المواضيع المطروحة للنقاش لا يسمحان له بالإتيان بأية قيمة مضافة في شأنها. ومن الملاحظ أن هذا لا ينطبق على البرلمانيين فقط، وإنما طال حتى بعض الوزراء من قبيل وزير التربية الوطنية المستوزر مؤخرا، والذي أبان عن انعدام الفائدة من حضوره من خلال عجزه عن إجابة الفتاة التي سألته عن استراتيجية الوزارة في موضوع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يمثل تحديا حقيقيا أمام العملية التعليمية التعلمية، بحيث كان من المفروض على الوزارة أن تعد له العدة اللازمة، وأن لا تنتظر إرغام الفتاة البرلمانية للسيد الوزير، ليقوم بالبحث عن إجابة لها في الأنترنيت أو في الذكاء الاصطناعي نفسه، ليؤكد عدم الفائدة من حضوره مرة أخرى عندما عجز عن الرد على تعقيبات النواب بشكل مباشر وإرجائه إلى حين إعداده كتابة في وقت لاحق.
ختاما أقول بأن الحضور « الجسدي » لنواب الأمة ليس هدفا في حد ذاته، وإنما الهدف الأساسي هو الحضور الذي تجسده قيمة ومردودية التدخلات والأعمال المنجزة لصالح الوطن والمواطنين، خاصة وأن التكنولوجيا الحديثة لا يمكن إلا أن تلعب دورا إيجابيا في التخفيف من حدة تلك الجلسات التي يكثر فيها الضجيج دون نتائج ملموسة حتى تكاد تنطبق عليها عبارة جعجعة بلا طحين. أما إذا كان لا بد من الحضور الجسدي، فإنه يتعين تجاوز الإعلان عن أسماء المتغيبين بلا عذر مقبول، إلى تجريدهم من كل الامتيازات المرتبطة به، خاصة فيما يتعلق بتعويضات التنقل والإقامة وما إلى ذلك من المصاريف الهامشية، وإلا فكل استفادة من هذه التعويضات لا يمكن أن تكون إلا سُحتا.
الحسن جرودي
Aucun commentaire